سياسة
تعميم الحماية الاجتماعية .. ورش ملكي ضخم
30/07/2021 - 23:29
يونس أباعليولأنه ورش ملكي ابتغى حماية المغاربة لضمان كرامتهم، خاصة أن جائحة كورونا أظهرت الحاجة إلى ذلك، فقد حدثت بين ذلك الخطاب وهذه المناسبة التي يحتفل فيها المغرب بالذكرى الـ22 ثورة اجتماعية تماهت مع توجيهات جلالة الملك، الذي ذكّر في خطاب العرش للعام الماضي بدعوته في سنة 2018 إلى التعجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية، التي قال إنها يطبعها التشتت والضعف في مستوى التغطية والنجاعة.
قبل أن يعود العام الماضي ليؤكد على ضرورة جعل جائحة كورونا وتبعاتها الوخيمة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.وأيضا كان خطاب افتتاح السنة التشريعية 2020 مناسبة للدعوة إلى إطلاق ورش إصلاحي كبير يتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية لفئات واسعة من المواطنين.
إعلان الرعاية الملكية
في أكتوبر 2020 سيوجه جلالة الملك خطابا بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة. في الخطاب أعيد التذكير بضرورة تنزيل هذا الورش الملكي، إذ قال "نحرص دائما على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين، لذلك دعونا لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة".
ولهذه الغاية، دعا جلالة الملك للتشاور الواسع مع جميع الشركاء، واعتماد قيادة مبتكرة وناجعة لهذا المشروع المجتمعي، في أفق إحداث هيئة موحدة للتنسيق والإشراف على أنظمة الحماية الاجتماعية.
وفي 14 أبريل الماضي، ترأس صاحب الجلالة، بالقصر الملكي بفاس، حفل إطلاق تنزيل المشروع وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة به.
ووفق ما رسمته الرؤية الملكية، يستفيد من هذا الورش الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة ولنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة، ليشمل في مرحلة ثانية فئات أخرى، في أفق التعميم الفعلي.
خلال حفل الانطلاقة هذا ظهرت ملامح تعميم حماية المغاربة اجتماعيا؛ فقد تم التوقيع بين يدي جلالة الملك في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، على ثلاث اتفاقيات – إطار تهم تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة 3 ملايين منخرط وأسرهم، منهم 1,6 مليون فلاح و800 ألف من التجار، والمهنيين، ومقدمي الخدمات المستقلين الخاضعين لنظام المساهمة المهنية الموحدة أو لنظام المقاول الذاتي، و500 ألف من الحرفيين ومهنيي الصناعة التقليدية، وهو ما يعني أن عدد المواطنين المعنيين بهذه الاتفاقيات يناهز 9 ملايين مواطن، وهو ما يمثل حوالي 83 بالمائة من الفئات المستهدفة لدى فئات المستقلين.
الورش أعاد النظر في القوانين المؤطرة
لأنه أولوية ملكية كان على الحكومة أن تُعيد النظر في ترسانة قوانين مؤطرة، لضمان التنزيل الأسلم، لذلك تم إصدار القانون الإطار للحماية الاجتماعية، ومشروع تعديل القانون رقم 00.65 المتعلق بمدونة التغطية الصحية الأساسية، ومشروع تعديل القانون رقم 15.98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ومشروع تعديل القانون رقم 15.99 بإحداث نظام للمعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ومشروع تعديل القانون الإطار رقم 09.34 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات وملاءمته مع متطلبات ورش إصلاح المنظومة الصحية الوطنية، ومشروع تعديل الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 184.72.1 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي، بهدف ملاءمته مع متطلبات ورش تعميم التغطية الاجتماعية.
كما دفع الورش إلى إعداد مشروع القانون رقم 18.45 المتعلق بالعاملين الاجتماعيين، وإعداد مشروع قانون لتغيير وتتميم القانون رقم 01.15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، وكذا استصدار القانون 15.65 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية.
إحياء الأمل في منظومة الصحة
بهدف ضمان استيعاب هذه الملايين من المستفيدين، كان لزاما على وزارة الصحة إعداد خارطة طريق لتغيير المنظومة الصحية. وبحسب تشخص وزير الصحة، خالد آيت الطالب، في البرلمان (أبريل الماضي)، فقد تعاقبت مجموعة من الإصلاحات دون إحداث تغيير حقيقي في القطاع، وسجل نقصا حادا في الموارد البشرية، وغياب التوازن الجهوي في توزيعها، ووجود عرض صحي غير متكافئ لا يستجيب لتطلعات المواطنين، وضعف حكامة المنظومة الصحية في غياب استقلالية المؤسسات الصحية، بالإضافة إلى محدودية تمويل القطاع.
ومن بين ما ساهم فيه الورش الملكي، سن قوانين تسعى تجويد العرض الصحي وتأهيل موارده البشرية والتقنية، حيث تمت المصادقة على قانون مزاولة مهنة الطب، لتحفيز الاستثمار الأجنبي. ناهيك عن إحداث وظيفة عمومية صحية تهدف إلى تثمين الرأسمال البشري للقطاع الصحي العمومي، وملاءمة تدبيره مع خصوصيات المهن الصحية.
كما تتضمن خارطة الطريق تدعيم البعد الجهوي بأجرأة البرنامج الطبي الجهوي، وإقرار إلزامية احترام مسلك العلاجات، مع العمل على تأهيل المؤسسات الصحية، وإِرساء حكامة جديدة للمنظومة الصحية تتوخى تقوية آليات التقنين وضبط عَمل الفاعلين وتعزيز الحكامة الاستشفائية والتخطيط الترابي للعرض الصحي، من خلال إحداث هيئات التدبير والحكامة المتمثلة في: الهيئة العليا للتقنين المندمج للصحة، والوكالات الجهوية للصحة، والمجموعات الصحية الترابية.
وتستعد الوكالة الوطنية للتأمين الصحي لتنزيل استراتيجية خاصة بتوسيع قاعدة الاستفادة من التغطية الصحية الأساسية، وسيجري اعتماد السجل الاجتماعي الموحد كأداة لتحقيق استهداف أكثر فعالية للفئات الاجتماعية المستحقة للدعم. في وقت تنكب القطاعات الحكومية على اتخاذ مجموعة تدابير تهم توسيع وتعميم التغطية الصحية، تنفيذا للتوجيهات الملكية، وذلك عبر وضع تدابير قانونية وإدارية، بشكل تدريجي، تسمح مؤسساتيا بتدبير التأمين الإجباري بشكل يسمح بتفادي تداخل وتعدد المتدخلين المؤسساتيين، ضمنها توحيد قطب واحد لتدبير التغطية الصحية الشاملة.
ورش عبأ البرلمان وأغنى التشريع
بهدف إعطاء دفعة أكثر لسيرورة تنزيل هذا الورش الملكي، صادق مجلس النواب بالإجماع، في مارس الماضي، على مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية.
وقد أجمع أعضاء المجلس على أهمية مشروع القانون الإطار المجتمعي، باعتباره ورشا ضخما يمثل توجها اجتماعيا جديدا وتأسيسا لعقد اجتماعي متقدم من أجل تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية ومحاربة التهميش وبناء مجتمع قوي بتضامنه، من خلال نظام حماية اجتماعية دامجة وشاملة لكافة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة ودون تمييز.
واعتبروا أن هذا المشروع يعد بمثابة حلقة جديدة ضمن المبادرات والمشاريع والأوراش المهيكلة التي يطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بإرادة ملكية شجاعة على كافة الأصعدة والمجالات، مؤكدين على أن هذا الورش الاجتماعي والاقتصادي في مبادئه العامة يعد ثورة اجتماعية حقيقية ستمكن، في أفق 2025، من تقليص الفارق الكبير القائم اليوم بين واقع الحماية الاجتماعية بالمملكة بما يعتريه من نقائص وبين المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.
توجيهات قصّرت الأشواط
آخر ما كشف عنه وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، هو أنه تم إعداد الإطار القانوني وتأهيل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتسجيل وتقديم الخدمات للمنخرطين الجدد. كما يتم بالموازاة اتخاذ كل التدابير من أجل تمكين الفئات الفقيرة والهشة المنخرطة حاليا في نظام المساعدة الطبية "راميد" من الشروع في الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ابتداء من سنة 2022.
وبحسب الوزير، فإنه حاليا يتم تحيين وضبط قاعدة البيانات الخاصة بالمستفيدين من نظام "راميد" مع اتخاذ كافة التدابير التقنية لنقل قاعدة البيانات من الوكالة الوطنية للتأمين الصحي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ليتمكن حوالي 22 مليون مستفيد إضافي، خلال سنتي 2021 و2022، من التأمين عن المرض الذي يشمل نفس سلة العلاجات التي يغطيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة لأجراء القطاع الخاص، وكذا الولوج إلى الخدمات التي يوفرها كل من القطاعين الخاص والعام.
وفي ما يخص التمويل، أكد أنه سيتم تخصيص الاعتمادات الضرورية في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2022، والتي تبلغ في المجموع 8,5 مليار درهم، وأنه سيتم ابتداء من سنة 2023 برمجة التمويل الضروري لتنزيل التعويضات العائلية بما مجموعه 14,5 مليار درهم سنويا.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع