سياسة
الدبلوماسية الملكية .. الصحراء تفتح ذراعها للعالم عبر القنصليات
30/07/2021 - 12:28
يونس أباعليكانت قنصلية جمهورية مالاوي آخر التمثيليات التي فتحت أبوابها في مدينة العيون، صباح أمس الخميس، ولن تكون الأخيرة. والافتتاح تكليلٌ لسحب اعترافها بجبهة البوليساريو سنة 2017. لتصبح هذه القنصلية هي الـ12 بعد قنصليات كل من جزر القمر، والغابون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وساوتومي وبرينسيبي، وبوروندي، وكوت ديفوار، ومملكة إسواتيني، وزامبيا، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة الهاشمية الأردنية.
زخم دبلوماسي
تعطي التعريفاتُ قيمةً تقنية وعملية للقنصلية أكثر من السفارة، إذ إن الأخيرة ذات بعد دبلوماسي تمثيلي فيما الأولى تهدف إلى الدفاع عن مصالح الدولة وتسهيل أعمال وشؤون مواطنيها المقيمين في الدولة المضيفة، وتعمل على تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولتين، وتشرف على إصدار جوازات ووثائق سفر والتأشيرات والمستندات اللازمة وتقديم العون والمساعدة لرعاياها.
وبحسب ما أشار إليه ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بمناسبة الافتتاح، فهذه الدول تمثل كل جهات القارة الإفريقية. ومالاوي هي البلد الخامس العضو بمجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية الذي يفتح قنصلية في الصحراء المغربية، بعد جمهورية الكونغو الديموقراطية، وزامبيا، وإسواتيني، ومدغشقر.
ويدل افتتاح قنصلية مالاوي على الحضور الكبير للبلدان الإفريقية التي تمثل قنصلياتها 80% من التمثيليات الدبلوماسية الموجودة حاليا في الصحراء المغربية، وهو تأكيد على رؤية جلالة الملك القائمة على جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة صلة وصل بين المغرب وإفريقيا، كما أكد بوريطة، الذي قال إن افتتاح قنصليات الدول الإفريقية في الأقاليم الجنوبية هو نتيجة للرؤية المستنيرة لجلالة الملك ولسياسته الإفريقية التي دعت إلى الانفتاح على مختلف الدول من جميع المناطق في القارة الإفريقية.
ويمثل ثلث القنصليات التي افتتحت إلى حد الآن جميع جهات القارة، ومن المنتظر أن تفتح دول إفريقية تمثيليات لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة كما عبرت عن ذلك، كما أكد بوريطة.
وكانت الدول الإفريقية أول المدشنين لسلسة الافتتاحات، قبل أن تسير على منوالها الإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى خارج القارة الإفريقية. إذ في 4 نونبر 2020 كانت أول دولة عربية تدشن قنصلية لها في مدينة العيون، وفي 19 من الشهر نفسه أعلنت مملكة الأردن نيتها فتح قُنصلية، ففتحتها هي وهايتي، أياما قليلة بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء.
وقبل فتح هذه القنصليات العربية جرت اتصالات بين جلالة الملك محمد السادس مع قادة هاته البلدان، الذين أكدوا أن هذه التمثيليات تعكس مستوى آخر يثبت مواقفهم الداعمة للوحدة الوطنية.
وسرعان ما جنت الأقاليم الجنوبية ثمار هذه الدبلوماسية، إذ لم يقتصر الأمر على الحمولة السياسية لهذه القنصليات، بل تجاوزه إلى بُعدٍ تنموي اقتصادي، باستقطاب المدينتين كبريات الشركات العالمية، حتى تحولت المنطقة إلى أوراش مفتوحة، خصوصا بعد إعلان افتتاح قنصلية أمريكية وتخصيص شركات أمريكية ميزانيات للاستثمار فوق الصحراء المغربية.
فرض الأمر الواقع
في تصريح لـSNRTnews، يشدد عتيق السعيد، الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي، على أن المملكة المغربية "تمكنت بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس من إحداث دينامية ديبلوماسية ناجعة، تجسدت ميدانيا في افتتاح مجموعة من الدول قنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة"، مضيفا أن "هذا التوجه شكل انتصارا للديبلوماسية المغربية الناجعة والمتبصرة التي انتقلت من مرحلة تحصين المكتسبات بخصوص القضية الوطنية، إلى مرحلة فرض واقع جديد، قوامه اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام لهذا النزاع المفتعل".
وأبرز السعيد أن "22 سنة من التنمية المتجددة بالأقاليم الجنوبية، احتضنت مبادرات تنموية شاملة الأبعاد عموديا وأفقيا، تساير التطور الدولي المتلاحق، وأوراش اجتماعية كبرى في مختلف القطاعات، بالإضافة إلى تحديث وعصرنة البنى التحتية بالأقاليم الجنوبية، وكلها مشاريع مستدامة قدم هندستها جلالة الملك منذ اعتلاء جلالته العرش المجيد عنوانها البناء والنماء بالصحراء المغربية".
هذه المشاريع، يضيف "دفعت بحكم الواقع التنموي والاستقرار السياسي وبقوة القانون والشرعية الدولية بتفاعل دولي كبير، حيث بلغ عدد التمثيليات الدبلوماسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية 24 قنصلية بين مدينتي العيون والداخلة منها 18 قنصلية لدول إفريقية تمثل ثلث الدول الإفريقية في كل مناطق القارة".
دبلوماسية خلقت نهضة تنموية في الأقاليم الجنوبية
"هذا التوجه الذي رسم معالمه جلالة الملك بنظرة استشرافية لمستقبل المغرب التنموي الحديث، خلقت نهضة تنموية غير مسبوقة بالأقاليم الجنوبية مشهود لها دوليا و قاريا، مما دفع العديد من الدول إيمانا منها بأن الصحراء المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس أصبحت تتوفر على جميع المؤهلات الضرورية، لتكون قطبا للتنمية وبوابة نحو القارة السمراء، بافتتاح 24 قنصلية كتعبير عن نظرتها للصحراء المغربية كمصدر إشعاع ونقطة ارتكاز للمملكة المغربية في القارة التي تنتمي إليها، وكشهادة منها على دعمها الواقعي والصريح للوحدة الترابية للمملكة، وإقرار منها بما تعرفه الأقاليم الجنوبية من مميزات الأمن والاستقرار"، يقول السعيد.
وشدد على أن "المغرب على مدار 22 سنة من الابتكار التنموي المتجدد الذي قدم هندسته جلالة الملك بحكمة وبصيرة يحصد اليوم ثمرة جهوده الدبلوماسية الناجعة، التي مكنت من توطيد دينامية مكثفة من الاعترافات الدولية لمغربية الصحراء، تؤكد من جهة دعم واعتراف المجتمع الدولي ومن جهة أخرى اعتراف الولايات المتحد الأمريكية الكامل والصريح لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي".
وخلص إلى أن "مكتسبات كثيرة ومحطات عديدة داخليا وخارجيا ساهمت بشكل فعال وناجع في نجاح الديبلوماسية المغربية التي يقودها جلالته، لعل من بينها متانة المبادرات الإنسانية لدعم شعوب القارة، وتبني نموذج تنموي جديد للأقاليم الجنوبية للمملكة، هاته المبادرات والأوراش المتناسقة والمكملة لبعضها البعض دفعت بالعديد من الدول إلى اتخاذ قرار افتتاح قنصليات عامة، وسعيها الجاد والقوي في المساهمة بالنهوض بتنمية الصحراء المغربية بوابة إفريقيا على القارة الأوروبية، وهي كلها مؤشرات وعوامل تدفع بدول العالم في اتجاه اتخاذ قرار تعزيز الحضور الدبلوماسي في الصحراء المغربية".
أبعادُ رؤية حكيمة
يربط محمد الغربي، الأستاذ بكلية الحقوق بطنجة والمتخصص في العلاقات الدولية، هذه الافتتاحات بإعلان عودة المغرب إلى بيته الإفريقي، انطلاقا من استراتيجية ورؤية واضحة لجلالة الملك، موضحا، في تصريح لـSNRTnews، أنه حينما فشلت كل المساعي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، انتهج المغرب سياسة الانفتاح على كل الدول الإفريقية، سواء الأنكلوفونية أو الفرنكوفونية منها.
واسترسل قائلا إن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهي القوة الاستراتيجية والاقتصادية الأولى في العالم، "له ما بعده بوزن هذه الدولة، وهذا ما دفع دولا حاقدة إلى تغيير بعض مواقفها، وهذا دليل على وزن المغرب ومدى استراتيجيته".
ويرى أن الدول العربية التي فتحت قنصلياتها "تعكس عمق العلاقات العربية المغربية في بعدها الخليجي والشرق الأوسطي، وتعكس التوازن المغربي داخل النظام الإقليمي".
وأبرز أن "المغرب له موقع جيوستراتيجي، وقوة متوسطية ومغاربية بالنسبة للوافدين الجدد إلى إفريقيا، في إطار فلسفة ملكية عنوانها نموذج تنموي جديد لدولة صاعدة تقدم نموذجا رافدا لشركائها في الجنوب".
مقالات ذات صلة
اقتصاد
مجتمع
اقتصاد