رياضة
زهير سنيسلة.. مكفوف سحر عيون العالم
07/09/2021 - 16:25
يونس الخراشيمن مواليد 25 يناير 1999، بمدينة سيدي بنور، سيصاب زهير، وهو دون سن التاسعة من عمره، بالعمى. الحكاية بدأت باللعب مع أقرانه، لتسبب له ضربة بعصى، من أحدهم، بمشكلة في النظر. سيقضي ما يقارب الشهر في مستشفى بالدار البيضاء، ليتأكد أن الأمر قد حسم، وأن عليه، من الآن فصاعدا، أن يعتمد على أذنيه في كل شيء يتعلق بالنظر.
يقول زهير سنيسلة متذكرا ذلك الحدث المؤلم:"كنا نحن أربعة أطفال، ولدان وبنتان، نلعب مع بعض. في لحظة من لحظات المرح، وكان الطفل محبوبا عندي كثيرا، رحنا نتصارع. ثم إذا به، تاليا، يحمل عصى، ويضربني بها دون أي قصد"، ثم يضيف بصوته الهادئ الذي لا أثر فيه للامتعاض أو الشعور بالأسى:"في يوم من الأيام اللاحقة، أصبحت وإذا بالظلمة تغمر عيني. ليس مثلما هو عليه الأمر الآن، حيث أرى بعض الخيالات وبعض الضوء. فلم أر حينها سوى الظلام، والسواد. تصور معي، وكأن شخصا ما اقتلع عينيك".
بالنسبة إلى زهير، المهاجم الذي سحر عيون العالم كله في دورة الألعاب البارالمبية بطوكيو وهو يحرز أهدافا يصعب وصف جمالها، تعد صلته بكرة القدم للمكفوفين، أو سيسيفوت، حياة جديدة كتبت له بعد إصابته المفجعة بالعمى. هذه الحياة ستصبح بصره الذي يبصر به، أو لنقل نافذته الفسيحة على عالم كان يريد أن يركض فيه بالطول والعرض، فإذا به يتحسسه ليمشي رويدا روديا.
يقول عن ذلك: "كنا نستعمل القنينات كي نلعب، أنا ومن معي. ثم حدث أن جاء مدرب مختص في السيسفوت إلى المدرسة، حيث كنا نمارس الألعاب المدرسية، واسمه سي عبد الجليل الكنيتي، لأكتشف معه اللعبة التي لطالما حلمت بها، بالنظر إلى حبي الشديد لكرة القدم".
ولأن الأحلام لا تحتاج دائما إلى الضوء، بل إنها تحتاج إلى الظلام، مثلما النجوم، كي تضيء وتتلألأ، فقد كانت المناداة على سنيسلة لينضم إلى صفوف المنتخب الوطني، سنة 2014، حلما رائعا يتحقق. يقول عن الحدث بفرح باد من صوته:"أول مرة غادي نلبس الصباط والتوني ديال المنتخب المغربي حسيت بواحد الفرحة كبيرة، منكذبش عليك"، ثم يضيف بفرح أكبر:"كما قلت لك من قبل، كنت حُرمت من المشاركة في كأس إفريقيا، لأنني لم أكن أتوفر على جواز السفر. طلع لي الدم، وحتى البكا بكيت. ذلك أنني فضلا عن رغبتي في مرافقة الزملاء في المنتخب، لدي عشق كبير للكرة، وتمنيت، حينها، الدفاع عن راية البلد".
وما أن فتح له الباب كي يلبس القميص الوطني، ويمثل بلده، حتى أثبت زهير سنيسلة أنه لاعب موهوب، ويستحق كلمات الثناء. فقد كان أداؤه مبهرا للجميع، وصارت مكانته وسط زملائه لا تناقش. بل صار سنيسلة ضروريا، حتى إن غيابه، ولو لدقائق معدودات أثناء تغيير بعض اللاعبين، يشكل مصدر قلق للآخرين، ومصدر راحة للخصوم.
الدليل المحايد على ذلك أن الاتحاد الدولي لرياضة المكفوفين "إيبسا"، وهو يعد لكتيب خاص عن رياضة "سيسيفوت"، طلب من زهير سنيسلة معطيات دقيقة عن حياته الخاصة، وعن صلته بكرة القدم للمكفوفين، حتى يجعل له مكانة كبيرة في الكتيب (وثائقي أسياد القارة / الرياضية). أما وقد تألق الهداف سنيسلة في دورة طوكيو للألعاب البارالمبية 2020، وأحرز ثمانية أهداف، ليصبح هدافا للدورة، فقد احتفي به أيما احتفاء.
للأقدار دائما تصاريفها العجيبة التي لا يفهمها الناس، لأنهم لا يتوقعونها. وما وقع لسنيسلة وهو يعد، سنة 2019، للمشاركة في بارالمبياد طوكيو 2020 أكثر من عجيب. فقد أصيب بكسر في عظم من عظام القفص الصدري وهو يمارس لعبته المفضلة، ليصبح الحلم البارالمبي هباء. ثم إذا بالجائحة تكتسح العالم، فيعطى اللاعب الساحر كل وقته كي يستعيد عافيته، وقوته، ويصبح على أتم الاستعداد للسفر إلى قدره الجميل باليابان.
وهو يتحدث، لـSNRTnews، قبل العودة من طوكيو، قال زهير سنيسلة بهدوئه المعهود، الذي تتكرر فيه كلمة الحمدلله ببحة خاصة، إن شهيته الآن للتتويج صارت مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، ويرى أن الفوز بالميدالية البرونزية شيء رائع، غير أن ظروفا فوق الطاقة لم تساعد في الفوز بالمركز الأول، يقول:"كنا نستحق الميدالية الذهبية".
كم حارس مرمى، إذن، سيعاني جراء تسديدات سنيسلة القوية المبهرة؟ وكم مدافع سيجد نفسه مراوغا من قبل لاعب يجيد فن التسلل من خصومه؟ وكم ميدالية في الانتظار؟ وكم لقب جديدا؟ وكم حلم آخر يتهيأ ليشرح صدر شاب طموح يريد أن يعيش حياة كريمة، وفيها الكثير من السعادة، له ولكل المغاربة؟
من سجل 4 أهداف في مباراة واحدة، لا شك سيملأ الدنيا وسيشغل الناس طويلا، وكثيرا أيضا. سيعلمهم أن العجز الوحيد هو ألا تنهض من مكانه ركضا باتجاه أحلامك.
من نال منه الكسل، فليتذكر أهداف سنيسلة.
مقالات ذات صلة
رياضة
نمط الحياة
رياضة