اقتصاد
"مارشي سنطرال" بالدارالبيضاء.. عملية تجميل دقيقة
10/11/2020 - 19:27
مهدي حبشي"العملية الفدائية تنسب لمحمد الزرقطوني، لكن هذا خطأ تاريخي فادح"، يؤكد عبد الإله عكوري، رئيس جميعة تجار السوق المركزي للتنمية المستدامة، الذي كان والده من أوائل تجار السوق؛ "الحقيقة أنه لا علاقة للشهيد محمد الزرقطوني، رحمه الله، بهذه العملية، بل هم تجار السوق الذين هندسوها ونفذوها، وقد ألقت سلطات الحماية آنذاك القبض على أحدهم واستشهد في كوميسارية المعاريف نتيجة التعذيب والاستنطاق".
ذلك قبَس من تاريخ المغرب ومدينة الدار البيضاء. ورغم تناسل الأسواق في المدينة على امتداد قرن من الزمن، حتى غدت سوقاً كبيراً تتراكم فيه السلع والخدمات، إلا أن ذلك لم يُضعِف تلك العلاقة العاطفية التي نسجها البيضاويون مع "مارشي سنطرال"، والذي أطفأ شمعته المائة قبل 3 أعوام. بالرغم مما آلت إليه تلك المعلمة التي صنفتها "اليونسكو" تراثا للإنسانية بفعل عاديات الزمن والإهمال، قبل انطلاق ورش الإصلاحات الجاري بداخلها حالياً.
إنّه يتجمل اليوم. فمنذ نحو شهر تجري الأشغال على قدم وساق داخل قيدوم أسواق العاصمة الاقتصادية، لإعادة البسمة إلى هذا السوق الذي يبدو كأنه سئم تكاليف الحياة.
مظهر متدهور واختلالات ظل المرتفقون، والتجار على وجه الخصوص يشتكون منها لسنوات، تحاول جرافات وسواعد "الدارالبيضاء للتهيئة" ترميمها بمبلغ 15 مليون درهم.
تحديث دون المساس بالطابع التراثي
ينقسم السوق المركزي بمدينة الدار البيضاء إلى سبعة مناطق، تتباين حسب طبيعة التجار الذين يستوطنونها. فهنا يتعايش تجار السمك واللحوم مع المطاعم وباعة الورود والخضروات... الأشغال التي انطلقت، في التاسع من شهر أكتوبر 2020، تقدمت على نحو ملحوظ بالمنطقة الأولى، التي تكفي نظرة عين مجردة لتوقع مآلها النهائي بعد بضعة أيام.
ولفتةُ مقارنة بالمنطقة المحاذية، التي تنتظر دورها لأجل تلقي الإصلاحات، كفيلة باستقراء البهجة التي ستطبع نشاط السوق بعد خضوعه للإصلاح بالكامل.
يقول عبد الإله عكوري إن "الأشغال تشمل أساساً الأبنية، بحيث يتم تلبيس الجدران بالإسمنت، وتزفيت الأرضية، وخصوصاً تمكين المحلات من قنوات الواد الحار وتزويدها بالماء والكهرباء".
ولم تكن المحلات في السابق مزودة بالكهرباء، فقد كان نشاط السوق يتوقف عند اقتراب غروب الشمس، ما يعني أنَّ الإصلاحات، وفقاً لبعض التجار، ستمدِّد فترات العمل مساءً، وتزيد بالتالي النشاط الاقتصادي ومداخيلهم. كما أن التزود بالماء كان يتم عبر أربعة صهاريج: "بعض التجار هداهم الله، يسرفون في استهلاك مياه الصهاريج، مما يفاقم فاتورة المياه على السوق، الآن بتزويد المحلات بعدّادٍ خاص سيكون على المسرفين تحمل مسؤولياتهم"، يؤكد عكوري.
وبعد التزليج والصباغة كمرحلة أخيرة، ينوي التجار توحيد أشكال محلاتهم لإضفاء رونق جمالي على جنبات السوق. أما في ما يتعلق بالقبو الذي جرى هدمه عام 2013، والذي صار، وفقاً للتجار مرتعاً للحشرات الضارة والجرذان، فمازال مصيره مُعلقاً، لكن المهنيين يقترحون تحويله إلى مسجد، لأن مساحته البالغة 600 متر مربع لا تكفي لنشاط ذي طابع اقتصادي.
القرميد والزليج وغيرها من الآثار القديمة تجسد روح السوق المركزي والشاهد الأول على ماضيه، لذا تحاول الإصلاحات عدم المساس بها، وتثمينها عبر ترميم محيطها.
أوضاع التجار في حاجة بدورها لـ"الترميم"
ولأن الإنسان أثمن رأسمال في الوجود، فلا يستقيم الحديث عن إصلاحات السوق المركزي دون التطرق لأوضاع تجاره. عكوري، الذي يحمل أصواتهم، عبّر عن ارتياحه للتجاوب بين مجلس المدينة وشركة "الدار البيضاء للتهيئة" مع مطالب زملائه ومقترحاتهم، لكنه، في الوقت نفسه، يشدد على أن الإصلاحات ينبغي أن تسير بوتيرة أسرع.
فالمحلات المتواجدة بالمناطق التي تخضع للإصلاح حالياً طلِب من أصحابها إيقاف أنشطتهم مؤقتاً لبضعة أيام، قبل أن تتأخر الإصلاحات ويجدوا أنفسهم دون عمل لما يناهز شهراً.
المتحدث، الذي قضى 37 عاماً بالسوق، تنتابه هواجس حول مصيره بعد الإصلاحات: "نحن نقترح فرض ضريبة للنظافة، فبعد اختفاء الصهاريج وتمتيع كل تاجر بتزويده الخاص بالماء، ستطرح علينا مشكلة نظافة ردهات السوق، فلا بد إذن من التعاقد مع شركة لتأمين نظافة السوق حتى لا تذهب مجهودات الإصلاح سدى".
الهاجس الأمني أيضاً مطروح بقوة، فللسوق ثمانية مداخل، لكن حارسه الليلي الوحيد رجل متطوع بلغ من الكبر عتياً؛ "نحن بحاجة كذلك للتعاقد مع شركة أمنية"، يشدد عكوري، على لسان من يمثلهم من التجار.
"نحتاج أيضاً لتسوية أوضاع بعض التجار، فثمة من يملك قراراً يخول له استغلال محل داخل السوق، لكنه حين يرغب في تأدية واجبات الإيجار يصدم بأن المحل مازال مملوكاً لتاجر سابق. البعض منهم وافته المنية منذ سنين!".
وبنبرة أسف وحنين، نعى المتحدث ما سماه بـ"العصر الذهبي"، قبل أن تأتي الواجهات الكبرى لتشدد الخناق التنافسي على تجار السوق المركزي؛ "مقاهي طهو السمك التي تلاحظونها داخل السوق، تساعدنا على استعادة بعض الرواج المفقود نتيجة المنافسة، لذلك نطالب السلطات بتسوية أوضاعها". ذلك أن السلطات المحلية لا تعترف بهذا النوع من النشاط الاقتصادي داخل السوق المركزي، رغم حضوره بقوة الأمر الواقع.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
نمط الحياة