رياضة
حيلي.. البطولة شخصيا
03/09/2021 - 10:39
يونس الخراشيفعبد السلام حيلي، الذي يعاني ضعف البصر من صباه، وعاش "يتم الكبر" المؤلم حينما فقد والده قبل ثلاث سنوات، كان عليه أن "يقتل" نفسه في التداريب، دون أن يشعر بأي إحباط من الوضع الاجتماعي الصعب، بفعل غياب الأب؛ وحاجته إلى أن يساعد أسرة معيلها الأساسي هو الأم.
يقول حسن السيني، رئيس نادي الرجاء الرياضي لألعاب القوى، حيث برز البطل حيلي:"هذا الولد استثنائي. فهو مهتم جدا بدراسته، وحاصل على الإجازة بتفوق. ومع أن والده، المعيل الوحيد، توفي قبل ثلاث أو أربع سنوات، فقد قاوم كل شيء، وراح يساعد أمه في تحمل أعباء البيت، ويتمرن بجدية خرافية، كي يصبح بطلا، ويشرف المغرب بالميدالية الذهبية البارالمبية في طوكيو".
ومع أنه كان يرغب في المشاركة مع الأسوياء، على اعتبار أنه يبلغ أزمنة ممتازة أثناء التداريب، ومن شأن مشاركته معهم أن تؤهله أكثر، فإنه لم يجد الباب مفتوحا لذلك. وكأي بطل في الحياة، قبل أن يكون بطلا في شيء آخر، فقد قاوم حيلي، من مواليد 19 دجنبر 1996، الباب المسدود، وقرر أن يبدأ فصلا جديدا من التحديات التي واجهته منذ الصغر.
يونس الشتيوي، العداء والمدرب الذي أشرف على تحضيرات عبد السلام حيلي لدورة طوكيو البارالمبية، في حديث مع SNRTnews:"قبل سنة، جاءني حيلي ليقول لي إنه قرر أن يتخذني مدربا له. كان الخبر صادما بصدق. هي مسؤولية صعبة للغاية. ولكنه أقنعني. فقد كان بحاجة إلى شخص قريب منه كثيرا، ويثق فيه، ويعول عليه. وهو رأى بأن هاته الأشياء تتوفر في شخصي، سيما أنني عداء معه في الرجاء، وكلانا يبلغ 25 سنة، فضلا عن أنني درت في المدرسة العليا لأساتذة التربية البدنية، وأمارس سباقات السرعة، ولدي خبرات جيدة جدا".
كان البطل حيلي، العداء في سباق 400 متر تي 12، والذي يتميز بقدرة رهيبة على الصبر في التداريب، يتمرن تحت إشراف محمد رزوق، الذي أوصله إلى مستوى كبير. ولكنه ارتأى، بعد الفوز ببطولة العالم سنة 2019 في الإمارات العربية المتحدة، أن يغير مدربه، ليبدأ قصة أخرى تماما، عنوانها الكبير هو تحدي الفريق، وهدفها الأوحد هو ميدالية ذهبية بارالمبية ورقم قياسي بارالمبي.
يقول الشتيوي:"استلهمت فكرة مثيرة من وثائقي لقناة الرياضية حول البطل العالمي والأولمبي هشام الكروج. خمنت أن علينا أن نخلق فريقا للعمل. سيكون عناصر هذا الفريق عاملا مساعدا لبعضهم، على أن نسعى إلى إيصال واحد منا، في كل مرة، إلى القمة. وكانت البداية طبعا بالبطل عبد السلام حيلي. والحمدلله أن الفكرة نجحت، واستطعنا أن نرى بطلا كبيرا، بميدالية ذهبية، وبرقم قياسي عالمي".
وضع الفريق خطة عمل واضحة. البناء يقوم بالأساس على أمرين؛ أحدهما القيام باختبارات وفقا للتداريب وتطورها، والثاني إقامة معسكرات تدريبية تعتمد الأسس العلمية في التمرين وفي التغذية. أما العامل المساعد الأكبر فكان هو حيلي نفسه. فهذا الشاب المتميز بقدرته الكبيرة على التحمل، والذي يعيش وضعا اجتماعية صعبا بصبر وثقة في المستقبل، استطاع أن يجعل الفريق يمضي قدما، ويتحقق كل مرة أنه ماض إلى الأمام.
يقول السنيني:"أول شيء يثيرني في عبد السلام أنه خلوق جدا. وثاني شيء أنه يملك صبرا كبيرا. وثالث شيء أنه ملتزم. رجل معقول بزاف. فرغم أنه لا يتوفر على رخصة المشاركة في المنافسات المحلية، شأنه في ذلك شأن مدربه وزميله يونس الشتيوي، غير أنه استطاع أن يناضل كي يصل إلى أرقام جيدة. وهنا يتعين أن أشير إلى أمر، وهو قيمة التضامن التي يتمتع بها المغاربة. فمن ناحية، هناك تضامن بين الرباعي الذي يتشكل منه الفريق، فضلا عن التضامن داخل فريقنا الرجاء، وبطبيعة الحال من الأصدقاء الذين ساهموا في توفير الدعم للقيام بمعسكرات، فضلا عن المشاركة في منافسات خارجية. هذا مهم للغاية".
لم يكن الإعداد للتداريب، وبخاصة للمشاركة في الألعاب البارالمبية بطوكيو بسيطا. بل لزمه تحد كبير جدا. فقد كان على فريق حيلي، المشكل من يونس الشتيوي مدربا، ونبيل عمري الرحالي وعدنان خوري، عادءين لإجراء التداريب والاختبارات والتنافس، أن يحتاط كثيرا من الوباء، الذي غزا العالم، وفرض إجراءات احترازية خاصة بالمغرب. ويشكر الشتيوي سلطات الدار البيضاء كثيرا لأنها ساعدته وفريق عمله في إجراء بعض التداريب في الغابة، في إطار ما يلزم من احتياطات.
ولأن التحفيز وقود النجاح، فقد عرف الشتيوي، الذي تمكن من استبطان دواخل زميله وعدائه عبد السلام حيلي، كيف يساهم في تحويل البطل طاقته السلبية إلى عامل إيجابي جدا. يقول هنا:"يتميز حيلي بكونه صموت. هو لا يمتلك كثيرا، بل يعمل كثيرا. ومن حسن الحظ أنه يملك قدرة رهيبة على تحويل الطاقة السلبية إلى وقود إيجابي للتحريك. كل ما فعلته، عدا التدريب، والحرص على التغذية السليمة، أنني اشتغلت على الجانب التحفيزي. كنت أذكره دائما بشيء مهم، وهو أنه سيحقق حلما لوالده المتوفى. وهذا كان يثيره، ويزيده قوة وحماسا".
كيف كانت النتيجة؟ "ممتازة" يقول يونس الشتيوي، ثم يواصل:"بعد أن أجرينا التداريب الخريفية بمدينة أكادير، حيث الطقس معتدل في تلك الأثناء، وأشكر هنا سي السنيني الذي وفر لنا كل ما يلزم لمعسكرنا ذلك، ولكن أيضا محمد الدحماني، الذي يستحق شكرا خاصا هو الآخر، لاحظت بأن الشباب بدأوا يطورون أداءهم، ونتائجهم راحت تتحسن بامتياز. عدنا إلى الدار البيضاء بنفسية جيدة للغاية، وبطموح متعاظم. أنجزت لحيلي منافسة في سباق 300 متر، حتى أرى ما سيكون. وكانت النتيجة مبهرة. حدث ذلك شهر مارس الماضي، وقلت له، حينها، ستكون بطلا بارالمبيا، وإن شاء الله ستحطم الرقم البارالمي".
كان حيلي، حينها، يشعر بالسعادة. فحلمه الكبير يقترب من الاكتمال. وحين يصبح بطلا بارالمبيا يمكنه أن يحسن الوضع الاجتماعي لأسرته، وبخاصة لأمه التي تعبت كثيرا كي توفر له أشياء يصعب توفيرها في ظروف مثيلة. وهو ما حدث بالفعل، وطي الصمت الذي يتلبس البطل. فقد استفاق المغرب، الخميس 02 شتنبر 2021، على وقع نبأ عظيم هز كيان الجميع بفرحة عارمة. لقد فاز عداء مغربي من ضعاف البصر بالميدالية الذهبية البارالمبية في سباق 400 متر تي 12، بطوكيو. وبدأ الناس يتسائلون:"من يكون هذا البطل؟ كيف وصل إلى هذا الحد؟".
هنا الحكاية. حكاية بطل في الحياة، وفي ألعاب القوى، وفي قلوب المغاربة. رفع الراية عاليا، وأنشد الله الوطن الملك.
What a storming run from Abdeslam Hili in the men's T12 400m to take #MAR's first #Gold of these Games!
— Paralympic Games (@Paralympics) September 2, 2021
No wonder he needed a lie-down!😊 #Tokyo2020 #Paralympics @ParaAthletics pic.twitter.com/Q9lMWmKckS
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة