سياسة
روبورتاج .. بين جنة الداخلة وجحيم تندوف
10/04/2022 - 21:01
يونس أباعلي
أنجز نائب رئيس اتحاد الصحافيين البيروفيين، ريكاردو سانشيز سير، روبورتاجا مصورا، قاده إلى مدينة الداخلة ومخيمات تندوف، في رحلة قال إنها مليئة بالتناقضات والاختلاف الواضح بين "الجنة والجحيم"، كعنوان اختاره لعمله الميداني، الذي نشرته جريدة "لاراثون" في عددها الأخير.
"لقد قادتني العناية الإلهية لرؤية مكانين يعيش فيهما الناس أنفسهم، لكن في جانب يعيش الناس في حرية وتطور، وفي الآخر يعيش أناس مخطوفون إلى العبودية. من بعيد يتلقى المرء أخبارا خاطئة ومعلومات متحيزة، ومعلومات إيديولوجية عن الصحراء؛ مثل وجود جمهورية يقع مقرها في تندوف، وهي بالمناسبة غير موجودة، لأنها لا تملك الشروط لتكون دولة وفقا للقانون الدولي"، يقول سانشيز سير، الذي يعتبر أيضا خبيرا في العلاقات الدولية.
بعد هذه التوطئة انتقد ريكاردو سانشيز بلاده البيرو، إذ اعتبر أنها ارتكبت خطأ وهي تؤسس علاقة مع كيان وهمي، ولفت إلى أن الأمر سيؤدي بها إلى فقدان دول صديقة، لذلك يجب أن تصحح موقفها.

مأساة العيش
"كنت في تندوف بالجزائر، حيث يوجد حوالي 40 ألفا إلى 50 ألف صحراوي، اختطفتهم الجبهة، برضى من الجزائر. يعيشون في الحمادة، في صحراء جافة، أكثر وحشية، لأكثر من 45 سنة".
يستمر في وصف المأساة، فيقول: "يسكنون في خيام، بدون مراحيض، لا يوجد ماء، ولا نور، رغم أن الجزائر قادرة على منحهم الازدهار الاقتصادي. لا توجد وظائف، ولا حرية، ولا أمل في الحياة".
في رحلة وصفه مأساة التندوفيين يُذكر ريكاردو سانشيز بأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي تقول إن 7.6 في المائة من السكان يعانون من سوء التغذية، ونحو 28 في المائة يعانون تأخرا في النمو، و50 في المائة من الأطفال يعانون من فقر الدم، و52 في المائة من النساء في سن الإنجاب.

خلال زيارته يؤكد أنه تيقن بأنه "لا أحد محمي، رأيت كبار السن يصطفون في طوابير في مستشفى متهدم، في انتظار منحهم الأدوية، وهناك نقص في العرض. شاهدت الأطفال في فصول دراسية غير مستقرة، وآخرون يلعبون الكرة فوق الرمال، إنهم يشجعون ريال مدريد وبرشلونة. البعض سألني إن كان بإمكاني اصطحابهم إلى البيرو. كل الأعمار تؤدي الخدمة العسكرية، بمن فيهم الأطفال".
تحكم مطلق
أثار ريكاردو سانشيز، في الروبورتاج، ما يشدد على أنه تحكم وسيطرة مطلقة، إذ وقفت أمامه، في أكثر من مناسبة، عناصر مليشيات البوليساريو، "اعترضوا طريقي مرارا وتكرارا وأنا أمر من الأزقة، يسألون عن وجهتي ومن أين أتيت، ولما استفسرتهم لماذا كل هذه المراقبة، أداروا وجوههم منزعجين وهم يبررون ذلك بأنه لمنع تسلل الإرهابيين وتجار المخدرات، لكن الحقيقة هي أنهم يريدون منع الناس من الفرار".
وقد أشار ريكاردو سانشيز إلى أن أكثر من 15000 فروا من مخيمات تندوف، قائلا: "لقد خاطروا بحياتهم وعاشوا في الصحراء، مثل الرئيس الحالي لجهة الداخلة، وغيرهم ماتوا". ويلفت إلى أن هناك شكاوى من السجون السرية الموجودة، لتعذيب المعارضين.
قبل مغادرته نحو المغرب، خلص ريكاردو سانشيز إلى أن "ما أثار أعصابي هو أن الأشخاص الوحيدين الذين يعيشون بشكل جيد هم الظالمون وقادة البوليساريو وعائلاتهم وأولادهم الذين يتم إرسالها للدراسة في الخارج، حتى إنهم يستفيدون من المساعدات الأوروبية".

جنة الداخلة
قارن صحاب المقال ما رآه بالوضع في مدينة الداخلة، على اعتبار أنه كان ضمن وفد من الكونغرس البيروفي الذي زار المدينة في مارس الماضي.
"لقد فوجئنا بأن طائرة الخطوط الملكية المغربية كانت مزدحمة، معظمها من السياح، لأن الداخلة رائعة، شواطئ ومناظر طبيعية جميلة، وطقس جيد. الوفد البيروفي بأكمله ترك انطباعا لطيفا علينا. شاهدنا مدينة هادئة، مدينة حية زمزدهرة ونامية وسياحية. التقطنا الصور أمام الكنيسة الكاثوليكية التي شيدت خلال فترة الاستعمار الإسباني عام 1955، وهي من رموز الحرية الدينية".
يتابع قائلا: "مستوى المعيشة بالداخلة، وبشكل عام في الأقاليم الجنوبية للمغرب، من بين الأعلى في البلاد، بفضل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2015، باستثمارات تناهز 7 ملايير أورو".
يلفت إلى وجود عدة مشاريع في الداخلة، لا سيما في قطاعات الصيد والطاقة والزراعة والسياحة والبنية التحتية، دون أن يغفل التذكير بأن المدينة شهدت افتتاح أكثر من 12 قنصلية أجنبية، وهو ما يعني أهمية المدينة في المنطقة.
أبرز، أيضا، أهمية ميناء الداخلة المتوسطي، والمناطق الصناعية التي يوفرها، والتي من شأنها أن تحفز النمو الاقتصادي وتوفر فرص شغل، مشددا على أن الميناء سيكون مركز العلاقة بين المغرب وإفريقيا.
بعد تذكيره بتجديد الوفد البيروفي دعمه لمقترح الحكم الذاتي، خلال لقاء الداخلة مع رئيس الجهة، ينجا الخطاط، ومسؤولين آخرين، ختم نائب رئيس اتحاد الصحافيين البيروفيين، ريكاردو سانشيز سير، مقاله بطرح أسئلة، قال إنها تجيب عن نفسها، "إذا كنت صحراويا، فأين ترغب أن تعيش؟ في الصحراء المغربية، في الحرية، في أرضك، وبين أهلك وذويك؟ أم في تندوف، في العبودية، في أرض غريبة، بلا أمل، وبلا حرية؟".

مقالات ذات صلة
مجتمع
سياسة
سياسة
سياسة