مجتمع
ريان .. أيقونة الطفولة الذي شغل العالم
26/12/2022 - 17:32
مراد كراخيسيظل تاريخ الثلاثاء فاتح فبراير 2022، محفورا في ذاكرة ساكنة تمروت، فقد حوّل حادث سقوط الطفل ريان، الذي لا يتجاوز عمره الـ5 سنوات في أحد الآبار، قريتهم المنسية بإقليم شفشاون إلى قبلة للعالم. فمن كان يتخيل أن يتصدر في يوم من الأيام اسم هذه القرية القابعة في جبال الريف قائمة الكلمات الأكثر بحثا في العالم.
أصل الحكاية
"بحثنا عنه طويلا ولم نجده.. فأحسست بأنه داخل البئر"، بهذه الكلمات التي تفيض حسرة تحدثت أم الطفل ريان، لـSNRTnews، فقد خبّرها حدس الأمومة بأن ابنها ريان، الذي لم يتجاوز السنة الخامسة من عمره، داخل بئر منسي قرب منزلها البسيط الكائن بجماعة تمروت في إقليم شفشاون.
قصد الأب البئر، التي حفرها ذات سنة، والبالغ عمقها 32 مترا، حيث استعمل ضوء هاتفه ليُنير ظلمة البئر، فتراءى له طفله وهو في حالة حرجة، وبهمهمة خافتة عرف أنه مازال على قيد الحياة فسارع بإخبار السلطات لإنقاذه.
السلطات المعنية وبعد أن شخّصت الحادث بعد إجراء الأبحاث اللازمة بـ"سقوط عرضي في لحظة غفلة من الوالدين لطفل صغير بثقب مائي محفور بآلية الصوندا بجانب السكن العائلي"، تعبأت لعملية إنقاذ ستشد أنظار العالم، حيث تم إنشاء لجنة تتبع وإنقاذ على مستوى عمالة إقليم شفشاون، أشرفت على تنسيق جهود مختلف فرق التدخلات، من وقاية مدنية، ورجال الدرك الملكي، والسلطة المحلية، ومسعفين، ومتطوعين من منظمة الهلال الأحمر وأطباء وممرضين ومهندسين وتقنيين .
عملية إنقاذ شدت أنظار العالم
تواصلت عملية إنقاذ الطفل ريان على مدى خمسة أيام دون توقف أو استراحة، فقد عاينت وتتبعت SNRTnews كيف وصلت آليات ثقيلة والعشرات من عناصر الوقاية المدينة والسلطات المحلية والقوات المساعدة ورجال الدرك، إلى عين الموقع ذي التضاريس الصعبة، بإشراف من السلطات الإقليمية، لتخوض عمليات ميدانية حثيثة تابعها العالم.
ومنذ يوم انطلاقها وطيلة خمسة أيام متواصلة بلياليها، لم تتوقف جهود الإنقاذ على أمل الوصول للطفل وهو على قيد الحياة، وعبأت السلطات لذلك مختلف الوسائل الضرورية لهذه الغاية، حيث تم إيصال الماء والأوكسجين عبر أنابيب إلى الطفل العالق في غياهب الجب.
ووضعت لجنة الإنقاذ في البدء خطة انتشال الطفل من فتحة البئر، لكن بسبب ضيق قطرها، والذي يصل إلى حوالي 30 سنتمترا في بعض مقاطعه، فشلت كل المحاولات الأولى لانتشاله من حيث سقط، ليتم بعدها الالتجاء إلى الخطة الثانية من خلال استعمال آليات ثقيلة للحفر بشكل متواز ومائل مع الثقب المائي.
وأظهرت كاميرا متطورة تمت الاستعانة بها للاطمئنان على وضع الطفل ريان، أنه على قيد الحياة وكيف يصارع هذا الطفل الصغير للبقاء، بعد يوم من سقوطه في البئر. هذه الصور تداولها العالم فقد ألغى فنانون أعمالهم وتسمروا أمام شاشات التلفاز والهواتف مثل غيرهم ليتابعوا مصير هذا الطفل الذي أصبحت قصته حديث الكبار والصغار عبر العالم أجمع.
فبعد عمليات الحفر العمودي باستعمال الآلات، تابعت SNRTnews، كيف انطلقت في اليوم الرابع، أشغال الحفر الأفقي بشكل دقيق من طرف فريق مختص من الوقاية المدنية للوصول إلى الطفل ريان، باستعمال اليد وأدوات خاصة وبكثير من الحذر، مخافة التسبب في انهيار التربة بالثقب المائي، وتميزت هذه العماية بالاستعانة بـ"عمي علي الجاجاوي"، الشهير بـ"الصحراوي"، الخبير في حفر الآبار التقليدية الذي سيسطع اسمه في عملية الإنقاذ.
الصحراوي ونساء تمروت.. من شيم المغاربة
هناك نساء ورجال يظهرون في الأوقات الحرجة من حيث لا نعلم، فيفتحون لنا فسحة كبيرة للأمل ثم ينسحبون في هدوء، بعد أن ينالوا حب وتقدير الجميع، مخلفين صورة رائعة في الأذهان، ومن رحم مأساة الطفل ريان برز أناس انخرطوا في عملية الإنقاذ لا يبتغون شهرة أو مالا أو شكورا، نذكر منهم عمي علي الجاجاوي الشهير بـ"الصحراوي"، وأمهات من أهالي قرية "تمروت" وآخرين يضيق الوقت لذكرهم جميعا.
عمي علي الجاجاوي، أو الصحراوي، ظهر فجأة من بين الحشود والتراب، عندما كانت عملية إنقاذ الطفل ريان، بدأت تدخل ساعاتها الحاسمة، ليعطي "يد الله"، في الحفر الأفقي الحذر.
أصبح الصحراوي الخبير المغربي في حفر الآبار، أو "عمي علي"، نجم مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما حظي باهتمام وثناء واسعين من طرف رواد منصات التواصل الاجتماعي، بسبب شجاعته الكبيرة، إذ قام بقيادة عملية الحفر اليدوية للمنفذ الأفقي من أجل الوصول إلى الطفل ريان.
وأمضى عمي علي الصحراوي، الجاجاوي، أيام الحفر وهو يفكر، ويخمن، ثم ينبش ويحفر، على وقع الحذر، والتأني، والأمل في إنقاذ حياة طفل ملأ الدنيا وشغل الناس، وبينما كان الجميع، في المحيط، وفي المغرب، وفي العالم، منشغلون بالجديد، كان هو يصنع ذلك الجديد بيديه، فلا خوذة، ولا آليات خاصة، ولا شيء غير قلب أسد، في جسد رجل، بإيمان الصالحين المصلحين.
وإلى جانب عمي علي الصحراوي، برزت نساء، أمهات، من أهالي قرية "تمروت"، اللائي تطوعن لخدمة رجال الوقاية المدنية والسلطات المحلية والمهندسين والعمال ورجال الإعلام، وجميع المتطوعين، الذين قدموا من مختلف مدن المملكة لتقديم يد المساعدة لإنقاذ الطفل الصغير ريان.
بينما الجهود متواصلة، على مدار 24 ساعة، لإنقاذ الصغير القابع في البئر، توجد، في الكواليس، نساء، هن أمهات في المقام الأول، من عائلة الطفل ريان، ومن أهالي قريته تمروت، يساهمن بدورهن، في تقديم يد العون، بما تيسر لهن، من خلال إعداد وجبات غذائية للعمال والسلطات المحلية والصحافيين، وكل الفعاليات المساهمة في إنقاذ ابنهن ريان، ذي الخمس سنوات. كل أهالي القرية أظهروا نكرانا للذات، عبرة المساهمة بما تيسر لهم، في تقديم يد المساعدة لكل الساهرين على إنقاذ ابنهم.
فاجعة عرّفت العالم بقيم المغاربة
يوم السبت 05 فبراير 2022، تم الإعلان عن وفاة الطفل ريان، فقد تحولت آمال إنقاذه إلى غمامة حزن خيمت على المملكة والعالم، ممن تتبعوا عمليات الإنقاذ المضنية، التي قادتها السلطات المغربية طيلة 5 أيام، فقد نزل خبر الوفاة كالصاعقة على ملايين الناس، الذين تابعوا وساندوا وصلوا من أجل نجاة الصغير، في ما وجدت أمهات وآباء صعوبة في مواساة أطفالهم أمام الفاجعة. وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس أول من عزى أسرة الفقيد.
وتمكنت فرق الانقاذ من الوصول إلى جثة الطفل ريان وإخراجها بفضل عمل ميداني شاق ومضني وبدون انقطاع ولا توقف دام طيلة خمسة أيام، حيث تم نقل جثمانه الصغير على متن سيارة خاصة، ثم عبر مروحية طبية تابعة للدرك الملكي، وعلى إثر هذا الحادث المفجع والمؤلم، أجرى صاحب الجلالة اتصالا هاتفيا مع خالد أورام، وسيمة خرشيش، والدي الفقيد.
وتحول وسم "أنقذوا ريان" إلى أحد أشهر الوسوم في مواقع التواصل الاجتماعي طيلة عملية الإنقاذ، وتفاعل كثير من النجوم العرب والعجم مع الصغير، إذ اعتبر كثيرون أن ريان لم يوحد المغاربة فقط، وإنما وحد الإنسانية جمعاء، فقد دعا المسلمون لريان في المساجد والكتاتيب القرآنية، وصلى المسيحيون واليهود من أجله، وتضامن معه نجوم الرياضة والفن والمواطنون البسطاء في جميع العالم.
وشهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلا واسعا مع فاجعة الطفل ريان فقد سيطرت عبارات الأسى والحزن على تدوينات وتغريدات الملايين بالمغرب والعالم من مختلف الأعمار والأوساط والفئات مرفقة بصورة الفقيد، وازاها تفاعل مع مجهودات فرق الإنقاذ في انتشاله بعد جهود وصلت الليل بالنهار على مدى خمسة أيام، مظهرة للعالم أصالة الشعب المغربي وتلاحمه ووقوفه صفا واحد في المآسي كما الأفراح.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع