سياسة
الاستقلال.. ملحمة جيش التحرير بالصحراء
18/11/2020 - 11:24
مريم الجابرييحكي كل من الحاج ادريس بويري بن بوبكر، رئيس خلية في المقاومة السرية بالدار البيضاء، ومسؤول سابق في جيش التحرير، والنائب الأول كمسؤول عام لجيش التحرير في الصحراء المغربية، والممقاوم الكبير والزعيم السياسي محمد بنسعيد أيت إيدر تفاصيل لمؤامرات ودسائس كل من المستعمر الفرنسي والإسباني، وتحالفهما ضد جيش التحرير في الأقاليم الصحراوية في عملية "إيكوفيون" بعد العديد من الانتصارات كادت تحرر الصحراء بأكملها.
كتب ادريس بويرى بن بوبكر، خلال مداخلته في ندوة الدفاع عن وحدة التراب الوطني، التي أوردتها مجلة "الذاكرة الوطنية" التي تصدرها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بتعاون مع المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن جيش التحرير الذي اعتبره عملاقا كبيرا، واجه دولتين مستعمرتين هما فرنسا واسبانيا، بقيادة محمد بن حمو، الفقيه البصري، عبد رحمان اليوسفي، محمد بن سعيد، محمد منصور، عبد السلام الجبلي، والمرحوم المهدي بن بركة، وغيرهم من المناضلين الشرفاء الشجعان.
ولا يخفى على أي مواطن مغربي، يضيف المصدر، أن جيش التحرير ظهرمع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، في زمن الكفاح الوطني ضد المستعمر، وقد تشكلت النواة الأولى لهذا التنظيم من مقاومين مغاربة ينتمون إلى مختلف المناطق، كما ارتبط جيش التحرير أساسا بمنطقة الشمال، التي تعتبر معقل حركة المقاومة المسلحة.
وارتكزت القاعدة البشرية الأساسية للتنظيم المسلح، على مقاومين ينتمون أساسا إلى منطقة الريف والأطلس المتوسط والكبير، كما أن جيش التحرير كان جيشا منظما وله أهداف محددة ورؤية استراتيجية وضوابط عمل ومقررات، وليس مثلما ظلت تروج بعض الكتابات من انه مجرد جيش فوضوي وغير منظم.
فكرة تحرير المناطق الصحراوية
يروي ادريس بويرى بن بوبكر، أن فكرة تحرير المناطق الصحراوية التي لم يشملها تصريح 2 مارس 1956، والتي لم يشملها كذلك الاتفاق المغربي الاسباني، حول توحيد المغرب واستقلال المنطقة الشمالية، نوقشت لأول مرة خلال اجتماع مدريد افي بداية يناير 1956، لذي ضم ثلة من المسؤولين عن جيش التحري آنذاك.
ويضيف المتحدث نفسه، خلال اجتماع مدريد، تقرر امتداد المعركة التحريرية إلى تلك المناطق وتحويل أنظار الشعب إلى خوض معركة استرجاع الأقاليم الصحراوية، بعد أن خاض معركة الاستقلال، وبعد رجوع المغفور له ممد الخامس من المنفى.
ويشير إلى أنه تم تلخيص أهداف جيش التحرير في: القيام بهجومات منظمة على المناطق العسكرية الفرنسية بالصحراء، والقيام بحرب العصابات والتخريب، فيما يرجع للقوافل الاستعمارية التي تجتاز أطراف الصحراء، وإيقاف الأوراش بها والبحث عن المعادن فيها، مع بث روح الوطنية في القبائل الصحراوية، وتعريفها بوطنيتها وخلق جو سياسي، وتعليم أبنائهم في مدارس مغربية وتكوين وفود منهم، في كل مناسبة يزورون فيها القصر الملكي العامر، واستمالة زعمائهم وتعريفهم ببلدهم، وإقناعهم بوجود قوة ثالثة وهي المغرب، ضد القوة الفرنسية والاسبانية التي ظلت منفردة بهم، في الصحراء طيلة نصف قرن من الزمن.
ويضيف بن بوبكر أنه تمت جميع الاتصالات اللازمة مع القبائل الصحراوية، المجاهدة، وتطوع عدد كبير منهم للانضمام في صفوف الجيش، بعد أن وقعت اتصالات تمهيدية مع الاسبان لطمأنتهم على مصالحهم، حيث تكونت فرقة مهمة من الجنود المسلحين وقطعت وادي درعة في شهر أكتوبر 1956.
ويحكي المتحدث أنه لم تمض إلا أيام قلائل حتى تبعتها فرقة أخرى، وتم بذلك احتلال موقع استراتيجي على طول الحدود الفاصلة للمنطقة الاسبانية عن المنطقة الفرنسية، وتوغلت إحدى الفرق إلى حاسي الزاك في أقصى الحدود الجنوبية، من منطقة وادي الذهب. وما إن استقر الجيش في المراكز الاستراتيجية، واختار نقط الانطلاق لتسديد الضربات القاسية للعدو، حتى تواردت عليه القبائل بأسلحتها وبجمالها، وبنادقها، وبجميع الوسائل التي سيستفيد منها الكفاح الوطني.
وبعد هذا الاستعداد شرع جيش التحرير في تنفيذ المهمة التي دخل للصحراء المغربية من أجلها، حيث كانت معارك طاحنة تكبد فيها العدو عشرات المئات من القتلى والجرحى، وعدد لا يستهان به من الأسرى، ناهيك عن الخسائر المادية التي اعترف بها العدو نفسه، وكانت أهم هجمة، التي تلك التي نفذت على مراكز الجيش الفرنسي في موريتانيا (أم لعشار، الزمول، مركالة... في أواخر 1956)، تكبد فيها العدو ما يزيد عن 150 قتيلا.
ويضيف المتحدث نفسه، أن عدة فرق من جيش التحرير دخلت إلى منطقة "أدرار"، في أوائل يناير 1957، حيث اصطدمت بالوات الفرنسية، وخلفت فيها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، وكانت من أعنف المعارك التي وقعت بين جيش التحرير والقوات الفرنسية، بالصحراء الجنونية، وأول المعارك الواقعة بموريتانيا، مما خلف صدى كبير في نفوس الاستعماريين الفرنسيين وعملائهم، مما استدعى التحالف الاسباني للانضمام إليهم.
ويسترسل النائب الأول للقائد العام لجيش التحرير بالصحراء، سرده لما وقع بالصحراء الجنوبية، فبعد التحالف الاسباني-الفرنسي، عمل جيش التحرير على وضع خطة بداية لشن معارك ضد الاسبان أنفسهم، والتي فاقت في مجموعها بالنسبة لمنطقة أيتباعمران 50 معركة استمرت في الفترة الممتدة من 23/11/1957 إلى غاية 5/6/1958، تم من خلالها تحرير أزيد من ثلاثة أرباع بمنطقة آيت باعمران، حيث بلغت الاصطدامات أزيد من 100 ما بين معركة ضارية ومناوشات.
ويعتبر قيوم المقاومين، ادريس بويرى بن بوبكر، أن معركة " الدشيرة" كانت أعنف تلك المعارك، إلى جانب معركة المسيد والعركوب وروضة سيدي أحمد العروسي بالساقية الحمراء، وقد استمرت تلك المعارك إلى حدود سنة 1960، التي قرر خلالها جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله تراه، إنهاء مهام جيش التحرير وإدماجه بالجيش الملكي، لطي سجل حافل من البطولات وأمجاد صنعها رجال من أبناء هذا الوطن.
معركة "إيكوفيون" المدمرة
يقول محمد بنسعيد آيت يدر، أحد قادة جيش التحرير بالأقاليم الجنوبية، في نفس العدد من المجلة المذكورة، إن الهجمات المتوالية التي نظمها جيش التحرير على قوات الاحتلال الفرنسي، في أماكن متباعدة عن بعضها ابتداء من منطقة بتندوف، وبيرموكين، إلى أحواض موريتانيا أثار انزعاجا شديدا لدى الأوساط الاستعمارية الفرنسية، التي عبرت عنه من خلال ما نشرته الصحف الغربية التي كانت تتابع عن كتب تحركات جيش التحرير.
يضيف آيت يدر إن الصحراء في الجنوب شكلت، في تلك الظروف بالنسبة لجيش التحرير موقعا استراتيجيا هاما، سواء من الجانب الجغرافي أو البشري، حيث اندمج سكانها بكليتهم في صفوف حركة التحرير، التي بذلت جهودا كبيرة للحفاظ على تحيد اسبانيا في المعركة، ولو مؤقتا حتى تتحرر مناطق الاحتلال الفرنسي، ولكن هذه الرغبة لم تتحقق للأسف.
ويوضح الزعيم السياسي آيت يدر أن المعارك التي شهدتها مناطق ضواحي أدرار، في يناير 1957، والتي قررت من بعدها السلطات الفرنسية بإفريقيا الغربية، القيام باتصالات مباشرة مع الإسبان بالصحراء ، وجاءت المبادرة من المفوض العام بإفريقيا الغربية جان كوزتنوكاستوندوفير، وهو المفوض العام من الحزب الاشتراكي وعمدة مرسيليا.
يضيف، المتحدث نفسه أن الرجل أرسل مستشاره الدبلوماسي إلى الحاكم العام الاسباني، بإفريقيا الغربية قصد إثارة انتباه الإسبان لما تشكله تحركات جيش التحرير، بوادي الذهب، وقيل إن الاسبان عبروا عن رغبتهم في التوصل إلى اتفاق مع الفرنسيين، يضع حدا لموضوع حوادث جديدة بالمنطقة والحدود المشتركة بينهما.
وحسب الندوة العلمية للدفاع عن وحدة التراب الوطني، فإنه خلال 25 فبراير 1957، تم عقد لقاء آخر بميناء "إتيان نواديبو"، الموجود حاليا بموريتانيا، اتفق فيه الوفد الاسباني مع قائد الجيوش الفرنسية، بإفريقيا الغربية، على أن يقوم الجيش الفرنسي بمتابعة قوات جيش التحرير داخل الأراضي "الاسبانية"، لكن المسؤولين الفرنسيين بالصحراء الجنوبية، اتهموا السلطات الاسبانية، بالتردد في تطبيق الاتفاقية المبرمة بينهما.
ويشير آيت يدر، في الندوة ذاتها، إلى أن الحكومة الاسبانية عينت حاكما عاما جديدا، لإفريقيا الغربية، عقد لقاء مع القائد العام للجيوش الفرنسية يوم 12 يوليو ، 1957بمدينة الداخلة، عبر فيها عن رغبته في التعاون الفرنسي الاسباني حول الصحراء.
ويعتبر آيت يدر، فترة أواخر سنة 1958، الحاسمة في بداية المعركة مع الاستعمار الاسباني، التي لعب فيها المواطنون الصحراويون دورا كبيرا، خصوصا في مناطق وادي الذهب، السمارة، عيون الساقية الحمراء، حيث قامت قوات جيش التحرير بفرض حصار واسع على مدن طرفاية، والعيون، والداخلة، كما احتلت مدينة طانطان والسمارة، ومركز أوسرد، والعركوب...
وحسب المصدر ذانه، فبعد التهديد الذي شعرت به القوات الفرنسية، سارعت لإبرام اتفاق مع الجيش الاسباني، لتنفيذ عملية "ايكوفيون"، خوفا من أن تحدث عوامل جديدة أو مناخية تحول دون نجاح هذه العملية، وقد تم الاتفاق بين العقيد الفرنسي والاسباني ترانكوصو بـ"فيلا سيسنيروس"، بالداخلة في 18 دجنبر1957، حيث قررا معا أن يتم القيام بعملية الهجوم قبل 16 فبراير 1958.
واعتمدوا في ذلك على استغلال بعض زعماء القبائل الصحراوية، الذين كانوا على خلاف مع قيادة جيش التحرير، بالإضافة إلى الراغبة الموجودة لدى الاسبان المحاصرين، من طرف مقاومة جيش التحرير، وخصوصا بعد هجوم 23 نونبر 1957، على مدينة إفني، وبدأت عملية "إيكوفيون" يوم 10 فبراير 1958، حيث تمكن الإسبان من خلالها من استعادة منطقة السمارة، الداخلة، ووادي الذهب.
ويشير آيت يدر إلى أن المعركة عرضت جيش التحرير، لخسارات كبيرة، جراء التحالف الفرنسي الاسباني، ومع تعنت عناصر التواطؤ مع جيش العدو داخل صفوف جيش التحرير، التي استفاد منها العدو لإسراع تنفيذ لعملية المشتركة، حيث بقيت فقط منطقة طانطان وجزر كبيرة من طرفاية تحت يد قوات جيش التحرير.
وأكد آيت يدر أنه رغم الخسائر الكبيرة لجيش التحرير، إلا أن تلك المعركة أفرزت مكسبين أساسيين وهما: الاعتراف باستقلال طرفاية، من طرف الحكومة الاسبانية، بعد أن تم تحرير جزء كبير منها، وتحالف فريق هام من حكومة المختار ولد دادة، تحت قيادة محمد فال ولد عمير، أمير الترارزة، والتي اعتبرت نكسة كبيرة للاستعمار الفرنسي...
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة