سياسة
الصحراء والاستعمار.. داء العطب قديم!
18/11/2020 - 10:11
موسى متروفكتب الراحل عبد الله إبراهيم، الأستاذ الجامعي ورئيس الحكومة الرابعة بعد الاستقلال (1958-1960)، أن أول مبادرة استعمارية، على الإطلاق، بالمعنى الحديث للكلمة، كمحاولة للهيمنة الأجنبية على الشواطئ المغربية، انطلاقا من الساقية الحمراء ووادي الذهب، كانت بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1433 عندما فتح ملك البرتغال للأمير هانري امتيازا باحتكار الملاحة في ما بين كانتي وبوجدور، على شواطئ المغرب الأطلسي.
ويضيف عبد الله إبراهيم، في تقديمه لكتاب "صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي" لمحمد بنسعيد آيت إيدر، أن ذلك الملك أضاف إلى الامتياز المذكور، بتاريخ 25 فبراير 1449، امتازا آخر لفائدة الأمير ذاته يعطيه فيه الحق في تقاضي رسوم جمركية عن جميع البضائع الواردة على البرتغال من المنطقة الواقعة فيما بين رأس كانتي ورأس بوجدور.
في البدء كانت "القنارية"
يحكي عبد الله إبراهيم أن بحارا نورمانديا مغامرا يدعى جان بيثنكور عثر على جزر في المحيط الأطلسي، بالقرب من شواطئ المغرب فاتصل في سنة 1402 بهنري الثالث، ملك قشتالة (إسبانيا) ليهب له الجزر المكتشفة، باعتباره أقرب ملك مسيحي إليها في المنطقة!
ولكن المثير، حسب المصدر ذاته، أن بيثنكور ذاك لم يكتشف جزر الكناري، إذ سبق للبابا كليمان السادس قد منحها في 15 نونبر 1344 للأمير لوي لاسيرادا من أسرة ملوك قشتالة نفسها.
وفي 12 فبراير من 1345، عارضت البرتغال قرار البابا بحجة أن العرش البرتغالي أولى بأن يملك الجزر التي اكتشفها بحاران من فلورانسا وجنوة لحسابه شخصيا منذ يوليوز 1341.
والمثير أكثر في من كتبه عبد الله إبراهيم أن العرش الإسباني أصر على أن "جزر كناريا تابعة له، باعتبارها جزءا من المغرب، وباعتبار المغرب نفسه جزء من مملكة القوط الإسبانية القديمة"!
وكان يوم 2 أكتوبر 1405 أول يوم لأول هجوم استعماري على شواطئ الساقية الحمراء ووادي الذهب. فقد هاجمها بيثنكور دون أن ينتظر نهاية الخلاف القائم بشدة بين إسبانيا والبرتغال، "محاولا اغتنام الفرصة لنقل النزاع من البحر إلى البر، ولتركيز وجود إسبانيا بالقوة والأمر الواقع، داخل الأرض المغربية مباشرة".
ويضيف الراحل عبد الله إبراهيم أنه سرعان ما "تطورت المهاجمة الإسبانية إلى غارات منظمة على المغاربة، قابلها المغاربة من جانبهم، وفي عقر دارهم، بدفاع بطولي ناجح وسريع، سواء في الساقية الحمراء ووادي الذهب".
ويضيف الراحل أن "الإسبانيين، منذ ذلك الحين، ما انفكوا يحاولون كناريا ("القنارية" باللهجة المغربية) إلى قواعد عسكرية ثابتة لغزو واحتلال ما سموه بالصحراء الغربية الإسبانية"، ولم يغادروها إلا بعد توقيع اتفاقية مدريد سنة 1975.
تيندوف المغربية
من جهة أخرى، يحكي المقاوم الكبير وأحد زعامات جيش التحرير، خصوصا بالجنوب، والزعيم السياسي محمد بنسعيد آيت إيدر في كتابه المشار إليه أن منطقة تيندوف (التي تضم مخيمات البوليساريو والتي تحتجز فيها هذه العصابة الانفصالية الآلاف من الصحراويين قسرا أو قهرا) كانت جزءا من إقليم أﮔادير إلى أن اشتد النضال ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1952 (وهي السنة التي عرفت أحداث الدارالبيضاء الدامية احتجاجا على اغتيال الأمين العام للاتحاد العام للعمال التونسيين فرحات حشاد).
ويضيف أنه "برز تفكير جديد لدى الحكومة الفرنسية بعد اكتشاف منجم ﮔارجيلات بهذه الناحية، ولاعتقادها بأن الجزائر أرض فرنسية، في حين يمكن للمغرب المرتبط بوثيقة الحماية أن ينفصل عنها، فقد أدت هذه العوامل بالحكومة الفرنسية إلى فصل منطقة تندوف عن إقليم أكادير خلال تلك السنة. ولكن علاقاتها التجارية استمرت مع دائرة ﮔلميم والصحراء المغربية حتى بعد استقلال المغرب".
ويحكي آيت إيدر أن من سكان تندوف من شاكوا في الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي في سبيل الاستقلال وعودة السلطان محمد بن يوسف إلى عرشه، ويؤكد أنه "لم يكن هناك اعتراف بوجود حدود بين ﮔلميم وتيندوف، لهذه الأسباب كلها انطلقت عمليات جيش التحرير الأولى من الصحراء المغربية".
ويروي المؤلف، الذي خبر تلك المناطق، أنه إل جانب منطقة تندوف الخاضعة للجيش الفرنسي، كانت الصحراء الخاضعة للاستعمار الإسباني في الجنوب، تضم طرفاية وطانطان وعيون الساقية الحمراء والسمارة ووادي الذهب. وكان عليها حاكم عسكري عام مقره بمدينة سيدي إيفني، وكان إلى جانبه الشيخ محمد الإمام ممثل الخليفة السلطاني بتطوان (المنطقة الاستعمارية الفرنسية كانت صوريا باسم السلطان والمنطقة الاسبانية كانت باسم خليفة السلطان المتمركز في تطوان)، وفي عيون الساقية الحمراء كان يوجد الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين الذي يقوم بالمهمة نفسها كممثل للسكان ونائب عن خليفة السلطان بتطوان. ويؤكد أن سكان هذه المناطق كانوا يرتبطون بعلاقات عائلية وأخوية متينة مع شمال المغرب كمواطنين مغاربة.
"المكنسة" اللعينة
لو لم يتم تدمير جيش التحير بالجنوب، في إطار العملية المشتركة بين الجيشين الإسباني والفرنسي في 10 فبراير 1958، المسماة "إيكزوفيون" (المكنسة) لتغير مجرى تاريخ الصحراء المغربية ولحسم أمرها في الخمسينات.
يحكي آيت إيدر وهو من قادة ذلك الجيش أنه تم إخبار الملك محمد الخامس وهو على أهبة السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1957، إلى التوتر الحاصل مع إسبانيا، التي حاولت قيادة المقاومة وجيش التحرير إعادتها إلى ما كانت عليه أثناء حرب التحرير (في شمال المملكة) رغم تحرشاتها المختلفة.
وعندما لم تصل المحاولات التي بذلها قادة جيش التحرير لتفادي الصدام مع إسبانيا إلى نتيجة مقبولة، بل تطورت إلى وضعية أسوأ حيث دفعت تصرفات إسبانيا القمعية جيش التحرير إلى اتخاذ قرار وصفه بأن "لا مفر منه وهو يدرك خطورته"!
فقد نُظم الهجوم على القوات الإسبانية في ليلة 23 نونبر 1957 بمنطقة سيدي إيفني، كما انطلقت عمليات أخرى لجيش التحرير بالصحراء المغربية حصل فيها على تقدم ملموس، حيث حرر كل من المراكز السبعة التابعة لسيدي إيفني. أما في الصحراء المغربية فقد تنم تحرير كل من طانطان والسمارة وقرية أوسرد، كما فرضت قوات جيش التحرير حصارا واسعا على الجيش الإسباني في العيون وطرفاية ووادي الذهب، وحرم من إمكانية الاتصال بين قواته في هذا المركز عن طريق البر. وقد دامت المعارك إلى حدود 10 فبراير 1958 وهو تاريخ بداية هجوم "إيكوفيون" المشترك بين الجيوش الفرنسية والإسبانية.
ويصف المؤلف الشاهد والفاعل في الوقائع أن جيش التحرير واجه في هذا الهجوم "جيشين قويين ومدججين بأحدث الأسلحة الجويو والبرية والبحرية، بما فيها طائرات الحلف الأطلسي"!
ويزيد أن "الخطير في هذه المعركة ليس حكم القوة المجهزة بأحدث الأسلحة فقط، بل التمهيد لها بهجمات نظمها الطيران المشترك بهدف إبادة سكان الصحراء وسحق كل ما يملكون من ماشية، لأنهم كانوا يشكلون الجبهة الخلفية التي تحمي تحركات جيش التحرير ضد إسبانيا". ويزيد أن أجهزة مخابرات الدولتين نجحت في استمالة وكسب عناصر تنتمي إلى قبائل يوجد عدد كبير من أبنائها في صفوف جيش التحرير. ولعب هؤلاء العملاء أدوارا غير شريفة استفادت منها قوات العدو أثناء هجوم 'إيكوفيون'. وكان ذلك من أحد العوامل التي أدت لهزيمة قوات جيش التحرير في وقت قصير".
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة