سياسة
المسيرة الخضراء.. بوعزيز: ملف الصحراء يحتاج إلى اتفاق مغاربي
05/11/2020 - 21:15
حليمة عامربالنسبة لكم كمؤرخ، كيف عشت تجربة المسيرة الخضراء؟ وكيف استقبلتم الفكرة؟
في سنة 1975 لم أكن مؤرخا. كنت طالبا في سلك الهندسة، لكن كنت يساريا ومعارضا لنظام الحسن الثاني، لأنني كنت ماركسيا، راديكاليا في تنظيم سري، وهو تنظيم منظمة 23 مارس. وسنتها قطعت دراستي بفرنسا بسلك الهندسة، وعدت إلى المغرب بغرض سياسي، الذي هو الدفع بالمغرب إلى الانتقال إلى نظام اشتراكي.
في ذلك الوقت، كان هدفنا في تنظيم 23 مارس هو إقناع قاعدتنا الكبيرة، الموزعة بالثانويات والنقابات والمعامل والجامعات، بمغربية الصحراء،لأننا كنا مع مغربية الصحراء قبل الإعلان عن المسيرة الخضراء.
آنذاك، كان ينبغي علينا نحن مجموعة من الإخوان، أعضاء منظمة 23 مارس، القيام بمجهود كبير لدفع باقي رفاقنا بالمنظمة إلى الاتفاق مع الحسن الثاني حول قضية الصحراء المغربية، حيث كنا نجوب أنحاء المغرب لكي نرى باقي الخلايا التابعة لمنظمة 23 مارس، لإقناعهم بأنه هناك ما هو فوق الخلاف السياسي، ألا وهو الوطن...
إذن، في ذلك الوقت الذي كنا نقوم فيه بعمل جبار حول ما هو مشترك، كان هناك ما هو مشترك وما هو فوق جميع الخلافات السياسية، الذي هو الوطن، حيث أعلن الملك الحسن الثاني عن المسيرة الخضراء. وسيعلن عن إدخال عنصر جديد في العمل السياسي، وهو الشعب المغربي، حيث سيتم إدخال الشعب المغربي كفاعل سياسي، فوق الأحزاب وفوق الملكية نفسها.
هذه المبادرة التي قام بها الحسن الثاني، أعطت ردة فعل مباشرة في الشارع المغربي؛ إذ سيبرز ماهو مشترك، أي أنه قد نختلف في مواقفنا السياسية وقد نختلف في مواقعنا الاجتماعية وقد نختلف في موقفنا من النظام السياسي، ولكن لن نختلف حول موقفنا من الوحدة الترابية وحول بناء الوطن.
وهذا المشترك، في الحقيقة، ساعدنا بشكل كبير في الدعاية لمغربية الصحراء من موقع يساري، وهذا الموقف سيتجسد عبر المسيرة الخضراء وعبر الحراك الشعبي وعبر حماس الشعب في الانخراط في هذه المسيرة.
من أين استوحى الملك الحسن الثاني فكرة المسيرة الخضراء؟
في خطاب الملك الحسن الثاني كان يتحدث عن مسيرات متعددة، ومنها استوحى فكرة المسيرة الخضراء، "مسيرة" النبي محمد (ص) من مكة إلى المدينة...
تقصد أنه استوحاها من النبي محمد (ص)؟
ليس تماما، ففي شكلها الرمزي كانت المسيرة إسلامية، ولكن في شكلها المدني، فهي مستوحاة من المسيرة الطويلة التي قام بها الرئيس الصيني ماو تسي تونغ لتوحيد بلاده ضد الاحتلال الياباني.
كيف استقبل الرأي العام الدولي والإسباني خبر المسيرة الخضراء؟
قوة المسيرة الخضراء تمثلت في عنصر المفاجأة. وبالفعل، كانت مفاجأة كبيرة للقوى الغربية، بما فيها الولايات المتحدة. وسيبعث رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ببرقية جافة إلى الملك، وسيطالبه بالوقف الفوري للمسيرة، مما سيضطر الملك الحسن الثاني إلى الرد عليه، في ندوة صحفية، لأنها كانت أول مرة يتوصل فيها الملك ببرقية لا تلتزم بقواعد الاحترام، لأنها نزلت بصيغة أشبه بالأمر، خصوصا وأنها من طرف شخصية عالمية.
المسيرة الخضراء أثارت اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وخلفت ردود فعل الكثير من المراقبين الدوليين، وطرحت نقاشا عالميا: هل سيستطيع الحسن الثاني من خلال هذه المسيرة إحداث تغيير؟ وهل ستقع إسبانيا في المحظور وتوجه بنادقها نحو صدور شعب مسالم وحامل لكتابه المقدس؟
كانت تلك الظرفية التاريخية لحظة استثنائية، لأن أغلب المغاربة انخرطوا في هذه المسيرة، بما في ذلك الفنانين الذين ألفوا أغان ملحمية، تعكس إبداعا وانخراطا من قبلهم.
في الوقت نفسه، كانت المسيرة الشغل الشاغل لمجمل الشارع المغربي. فقد تمكن الحماس حتى من الأطفال الصغار، بالإضافة إلى النساء والرجال. ولولا أن عدد المشاركين كان محددا في 350 ألف مشارك، منهم عشرة في المائة من النساء، لكان عدد المشاركين أكبر بكثير.
جمع المغاربة هدف واحد هو المصلحة العليا للوطن، وكيفية تعديل ميزان القوى في المنطقة، علاوة على بعض الأحلام الشخصية، كمن كان يطمح إلى نيل منزل أو أرض بالصحراء..
كيف أثرت المسيرة على السياق الدولي، والإسباني على وجه الخصوص؟
كانت إسبانيا في ظرفية سياسية معقدة، حيث كان الجنرال فرانكو يحتضر وكان عليها تدبير عملية الانتقال من دكتاتوريته إلى عودة الملكية في لبوس ديمقراطي. لقد كانت إسبانيا منشغلة بهمومها الداخلية أكثر من الحروب الخارجية، لذلك فاختيار الظرفية كان من الناحية السياسية ممتازا، وهنا تجلت حنكة الحسن الثاني كرجل دولة.
هنا انهزم المشروع الإسباني وأصبح المغرب بلدا معنيا بالصحراء، دون إغفال التأثير المغاربي، خصوصا في ما يتعلق بالجزائر وموريتانيا، إذ كانت تربط الدول المغاربية الثلاث اتفاقية إفران عام 1973، التي تنص على أن تكون حلول قضية الصحراء مغاربية، لكن المغرب اختار إعطاء الأهمية لموريتانيا وإهمال الجزائر.
ومن هنا فرض المغرب على إسبانيا أن يكون الطرفا الثالث في التفاوض هو موريتانيا، وليس الجزائر أو جبهة البوليساريو، التي كانت ما تزال في بداياتها.
وبالنسبة للأحزاب المغربية، كيف تفاعلت مع المسيرة الخضراء؟
القوى المغربية كانت متجسدة في الأحزاب الوطنية، مع الإشارة إلى أنه في ذلك الوقت لم يكن البرلمان المغربي موجودا، وكان من بين هذه الأحزاب حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعض من المنابر الصحفية الوطنية، التي كان مسموحا لها بالصدور.
كانت جميع خرجات الأحزاب المغربية تعكس توجهها العام، إلا أن جميعها كان مع مغربية الصحراء، وهذا هو جوهر الثقافة السياسية المغربية.
وماذا يحتاج ملف الصحراء اليوم؟
يحتاج ملف الصحراء، اليوم، مع طول مدة النزاع، إلى معالجة قريبة من المعالجة التي خضع لها المغرب بداية إندلاع المشكل؛ أي بلورة المشترك المغاربي، والتركيز على أن مصالح شعوب المغرب الكبير والدولة المغربية والدولة الجزائرية تقتضي، استراتيجيا، إيجاد حل مغاربي مؤسس على هذا المشترك الاستراتيجي.
وهذا الحل سيكون في صالح الجميع، لأنه سيؤهل المنطقة وشعوبها ودولها إلى أن تنخرط إيجابيا في العالم الجديد الذي يولد أمامنا بعسر..
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة