مجتمع
بنعياش: العنف انتقل من الشارع إلى البيوت في ظل الحجر
03/11/2020 - 10:17
حليمة عامرهل أفضت هذه الجائحة إلى تفشي العنف في المجتمع؟
يجب التمييز في البداية بين نوعين من العنف؛ العنف المادي الذي يلحق أضرارا بالمصالح والمنافع المادية للأفراد والجماعات، أو أضرارا بدنية كالضرب والجرح والاغتصاب والقتل..الخ.
والعنف المعنوي الذي يتخذ شكلا غير فيزيقي، والذي يتجلى في التصرفات والأقوال والأفعال، برغم أن إيلامه والجروح العميقة التي يحدثها في النفوس لا تقل عن الإيلام الناتج عن الانتهاكات الجسدية.
هذا العنف بنوعيه المادي والمعنوي، والرمزي كذلك (العنف الرمزي مصطلح سوسيولوجي أنتجه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو)، موجود في المجتمع المغربي وفي كل المجتمعات، أما عن تفشيه في المجتمع المغربي كنتيجة أفضت إليها ظروف كورونا، فهذا سؤال يحتاج إلى تدقيق.
كيف؟
مرت الآن حوالي تسعة شهور منذ بداية ظهور مرض "كوفيد-19" وانتشاره في المغرب، كما في باقي أنحاء العالم. وانقسمت هذه المدة إلى فترتين: فترة أولى هي فترة الحجر الصحي المتشدد، وفترة ثانية اتسمت بالتخفيف من هذا التشدد عندما ظهر للمسؤولين أن الاقتصاد الوطني بدأ يختنق.
أظن ما حدث في المرحلة الأولى التي اتسمت بتشدد إجراءات الحجر الصحي أن العنف المادي المتعلق بأشكال الانتهاك الجسدي الممارس عادة في الشارع العام من طرف جانحين غرباء، أو بسبب الاحتكاك والاصطدام بين الناس، لم يختف وإنما انزوى، مؤقتا، داخل البيوت المغلقة ليمارس على الفئات المستضعفة أو الهشة (المسنون كالعنف ضد الأصول مثلا، الجيران، الأشخاص دوي الاحتياجات الخاصة، النساء والأطفال..)، فهو لم يختف وإنما انتقل من فضاء الشارع العام الذي ملأه رجال الأمن والسلطة، وقل فيه الاحتكاك والاصطدام بسبب التباعد الاجتماعي، إلى الأسر داخل البيوت التي تكثف فيها الاحتكاك كسبب من أسباب الاصطدام. لكن المشكلة هنا أننا لا نستطيع أن نقيس حجم هذا العنف الممارس داخل الأسر بدون استقصاءات ميدانية وإحصائيات دقيقة، وكل ما يمكن الاعتماد عليه هنا هو عدد الشكايات التي تصل إلى مراكز الشرطة، علما بأن الأوضاع الاجتماعية الهشة للفئات المذكورة تفرض عليها التحمل والتجمل بالصبر، ومحاولة حل مشاكلها دون الوصول إلى المحاكم.
ما مؤشرات ذلك؟
نعرف حسب الاحصائيات الرسمية، أن نسبة الجريمة والعنف تراجعت في المغرب، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الجائحة، وهي الآن ربما تعود تدريجيا، بعد تخفيف الحجر، إلى نسبتها السابقة، وتعطي بعض العلامات المتطرفة لهذا الرجوع كالجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها الطفل "عدنان" في طنجة أو فتاة زاكورة أو طفل الدارالبيضاء..إلخ.
طبعا لايمكن أن نعتبر حالة الطفلين المذكورين مؤشرا على تفشي الجريمة في المجتمع، لأنهما لا يمثلان وضعا إحصائيا. هذه حالات تجسد وضعا متطرفا من الجريمة والعنف، لكنها ليست مؤشرات احصائية. ومن الوارد جدا أن العنف والجريمة سيعودان إلى وضعهما السابق خلال ما تبقى من هذه السنة والسنة المقبلة.
ما الأشكال التي يتخذها هذا العنف؟
أنا قلت بأن العنف هو العنف، سواء تمت ممارسته في البيت أو في الشارع، وأن التغيير الذي حدث أنه انتقل من فضاء الشارع العام إلى داخل الأسر والبيوت الموصدة، وأن ضحيته ستكون هي الفئات الهشة كما ذكرت، لكن ليست هناك لحد الآن استقصاءات يمكن أن تدلنا عليه.
في نظركم، ما الفئات المستهدفة به أكثر؟
عندما ينتقل العنف من الشارع العام إلى الأسر والبيوت، فمن الطبيعي جدا أن تشكل المرأة والأطفال والجيران والآباء المسنين موضوعا وهدفا لهذا العنف.
ما أسبابه؟
الاحتكاك المكثف وغير المسبوق بين أفراد العائلات والأسر، والذي يجعل الاصطدام أمرا واردا جدا، خصوصا بالنسبة لأوساط اجتماعية تقضي معظم وقتها في الشارع العام، ولا تأوي إلى بيوتها إلا من أجل النوم.
لاحظتم أن هذه الجائحة فرضت على الجميع اتخاذ التباعد الاجتماعي للحد من انتشارها، كيف يمكن لمثل هذه الإجراءات الحاجزية أن تعزز فردانية وتوحش المجتمع؟
لا أعتقد أن التباعد الاجتماعي، وهو إجراء مؤقت فقط، سيعزز فردانية وتوحش المجتمع، فلكي يتأصل سلوك إنساني ومجتمعي ما يلزمه وقت طويل جدا، وعدة ميكانيزمات وآليات وتفاعلات. نحن نعيش في ظرف مؤقت نتمناه أن لا يدوم طويلا برغم أن دروسه ستكون مفيدة لنا جميعا برغم انعكاساته وتأثيراته القاسية.