رياضة
زياش .. ساحر ينتظر الملايين مفجآته في المونديال
05/11/2020 - 19:22
صلاح الكومريالمبدعون صنفان؛ الأول يولد مبدعا بالفطرة، والثاني يكتسبه بمرور الوقت. حكيم زياش، اللاعب الدولي المغربي، على غرار بعض المبدعين والعباقرة والمشاهير في مجالات عدة، جمع الاثنين معا، إبداع فطري، هبة من الله، ومكتسب من رحم المعاناة.
في درب الشقاء عاش طفولته، في أحياء مدينة "درونتن"، قبل أن يرمي به القدر نحو ميادين كرة القدم ليستعرض إبداعاته، بداية مع فريق مسقط رأسه، ثم مع "هيرنيفين"، و"توينتي"، و"أياكس"، والمنتخب المغربي، حتى بلغ، أخيرا، تشيلسي الإنجليزي، وأضحى أحد مشاهير لندن والعالم.
زياش، المولود في 13 مارس 1993، في مدينة "درونتن" الهولندية، ليس من طينة اللاعبين الذين يبحثون عن الأضواء وإثارة الجدل، بل هادئ، رزين، يبتعد عن أماكن الصخب، وليس من الرياضيين الذين يستعرضون عضلاتهم، بل نحيف، متوسط القامة، ملامح وجهه الطفولية تجعله يبدو شبلا بريئا في عرين "الأسود"، وليس من النجوم الذين يستعرضون علاقاتهم الاجتماعية والغرامية، بل انطوائي، خجول، يفضل قضاء وقت فراغه مع والدته، منارته في الميادين.
طفولة قاسية..
قبل بلوغه العاشرة من عمره، وجد زياش نفسه في أول محطة من رحلة المعاناة، فقد عاش أولى صدمات العمر حين فقد والده. أدرك، وقتها، أن قطار الحياة يأخذه نحو المجهول، ومستقبل مظلم وسط عائلة مغلوب على أمرها، مكونة من 4 شقيقات و3 أشقاء، تعيش الفقر والحرمان من أبسط ضروريات الحياة في مدينة "درونتن" شمال هولندا.
وفي الوقت الذي كان فيه من هم في سنه يعيشون حياتهم الطبيعية، بين الدراسة واللعب والحنان الأسري، ارتمى الفتى في براثن شوارع "درونتن"، حيث تحول إلى مدمن، يدخن بشراهة، يتعاطى المخدرات، يشرب الخمر، ويفعل ما يفعله البؤساء، حسب ما سبق وكشفه لمجلة "فرانس فوتبول"، في عدد 19 أبريل 2019.
أول هزيمة في حياة زياش، وأولى صدمات الحياة، تلقاها حين توفي والده وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره. كان يجب عليه أن يدرك ما يدور حوله، "كانت تلك المرحلة منعطفا حاسما في طفولتي"، يقول النجم المغربي في لقاء مع مجلة "ad.nl" الهولندية.
يتحدث زياش عن وفاة والده بتأثر، فقد كان إلى جانبه وهو على فراش الموت في ساعاته الأخيرة، يقول: "أتذكر ذلك جيدا، كان فصل الشتاء، مباشرة بعد الاحتفال بأعياد الميلاد، والدي كان ملقى على سرير في غرفة الضيوف، لقد كان مريضا منذ وقت طويل، مرض عضلي (الشلل العضلي)، والأمر كان يزداد سوءا، شيئا فشيئا. كنت إلى جانبه، انتهى بي الأمر بأن أخذني النوم على حافة سريره، حيث كان ممددا، وفي منصف الليل، استيقظت وصعدت إلى غرفة نومي، وبعد ساعات قليلة، حوالي الساعة الثالثة صباحا، سمعت أفراد أسرتي يصرخون في الطابق السفلي. ذهبت إلى حيث كان والدي، فوجدته ممددا، ميتا.. حسنا، يمكنك تخيل وقع ذلك على صبي في العاشرة من عمره".
كان على والدة زياش تحمل مسؤولية أبنائها التسعة لوحدها، ففي غياب دخل قار لتغطية احتياجات العيش، كان على العائلة انتظار إعانات بعض الجمعيات الخيرية.
خصت الوالدة حكيم بعناية متفردة، لأنه "آخر العنقود"، فقد كانت تتوسم فيه خيرا والنجاح في ما فشل فيه إخوته الذين لم يبخلوا عليه، هم أيضا، بالاهتمام، محاولين تعويضه بعضا من حنان الأب.
يقول زياش: "جميعهم اهتم بي، كانوا مشغولين كثيرا بي، يحرصون على اهتماماتي، وفي سن 14، كنت مضطرا لمغادرة العائلة للعب مع فريق هيرنيفين، انتهى بي المطاف لأستقر مع عائلة مضيفة، لكن علاقتي مع عائلتي بقيت قريبة جدا، على الرغم من أن كل واحد منا راح يهتم بحياته الخاصة".
حين كان مستقرا في "هيرنيفين"، بعيدا عن عائلته، كان بعض شباب الحي الطائشين يحاولون استمالة زياش لجره، من جديد، نحو طريق الضياع، وحين علمت والدته بالأمر، اتصلت به لتوبخه، وتقول له إنها تعلق عليه آمالها بعدما فشل جميع إخوته فيما كانت تنتظره منهم.
المسار الكروي..
شاء القدر أن ينقذ محبوب والدته من براثن الضياع وهو لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره، ويوجهه إلى الطريق السليم. فقد وضع في طريقه ابن جلدته، عزيز دوفيكار، أحد اللاعبين الدوليين المغاربة السابقين، والذي أشرف على تدريبيه في الفئات الصغرى لفريق "ريال درونتن"، فأدرك أن هذا الطفل النحيف حباه الله موهبة قل نظيرها. أخذ بيده وقاده إلى أكاديمية الفريق الأول للمدينة "أ س ف درونتن"، وهناك خطا الفتى أولى خطواته، فاكتشف عالما جديدا، أبحر في شواطئه، بشغف وطموح.
يقول عزيز دوفيكار، أول لاعب مغربي محترف في الدوري الهولندي، في تصريح لقناة "فيرال تي في"، إن زياش كان مدمنا، يشرب الخمر ويدخن كثيرا، ويتعاطى المخدرات، مشيرا، في تصريح مماثل إلى صحيفة "المنتخب": "لقد ساعدته قدر استطاعتي لأخرجه من هذا المسار الخطأ، لم أكن مدربه فقط في درونتن، بل كنت معلمه أو والده بطريقة أخرى".
لم يدم مقام زياش طويلا في أكاديمية "أ س ف درونتن"، فموهبته كانت أكبر من أن يستمر في فريق يمارس في الدرجة الرابعة، لهذا عرج نحو فريق "هيرنيفين"، بتوصية من عزيز دوفيكار، وهناك رسم لنفسه أولى لوحات التألق في عالم كرة القدم، مستفيدا من نصائح وتحذيرات والدته بالالتزام والابتعاد عن رفقة السوء.
انضم زياش إلى كبار "هيرنيفين" سنة 2012 بعدما وقع أول عقد احترافي في مسيرته وهو لا يتجاوز التاسعة عشر من عمره، وبرز، بشكل ملحوظ، في الجولات التمهيدية لمنافسة دوري أبطال أوروبا والدوري المحلي، وشد انتباه أكبر الأندية الهولندية بعدما أحرز 13 هدفا في 46 مباراة.
انتقل زياش إلى "توينتي"، حيث "تفجرت" موهبته، حسب ما قالت صحيفة "فرانس فوتبول"، ولعب للفريق 76 مباراة أحرز خلالها 34 هدفا. واستمر في صعود درجات التألق وصناعة مجده بهدوء، وفي 30 غشت 2016، وقع عقدا احترافيا بقيمة 11 مليون أورو، وهذه المرة مع فريق "أياكس" أمستردام، حيث صار واحدا من أبرز نجوم الكرة الهولندية والأوروبية.
قبل أن يختار اللعب للمنتخب الوطني المغربي، بتوصية من والدته، وتلبية لدعوة الزاكي بادو، الناخب السابق، تعرض زياش لضغوط كبيرة وعنيفة، أحيانا، من طرف الإعلام الهولندي لثنيه عن قراره اللعب للأسود، ودفعه إلى حمل قميص المنتخب الهولندي الأول، خاصة أنه لعب للأخير في فئة الشبان (أقل من 19 و20 و21 سنة).
حافظ زياش على هدوئه أمام الضغوط التي مورست عليه من قبل الهولنديين، إلى أن حان موعد تلبيته للنداء الوطني، وخاض أول مباراة إعدادية بقميص "الأسود" أمام المنتخب الإيفواري في 9 أكتوبر 2015، في ملعب أكادير، حيث غادر أرضية الميدان مزهوا، سعيدا بترديد اسمه من طرف الجماهير المغربية، ثم لعب أول مباراة رسمية في 12 نونبر من السنة ذاتها أمام غينيا الاستوائية، برسم تصفيات نهائيات كأس العالم.
الانتقال إلى لندن
قبل انتقاله إلى لندن للعب مع فريق تشيلسي مقابل 60 مليون أورو، صار حكيم زياش حديث وسائل الإعلام الأوروبية، إذ ربطته بأكبر الأندية العملاقة في القارة العجوز، وصارت تشير إليه بالفنان والموهبة القادمة بقوة.
الآن، في أواخر 2020، تحول حكيم زياش، إلى نجم محبوب في لندن البريطانية بعدما كاد يضيع في شوارع "درونتن" الهولندية، وأصبح يلقى الاحترام من كبار المدربين العالميين، على رأسهم البرتغالي جوزي مورينهو، الذي قال عنه أخيرا: "أي مدرب في العالم يتمنى أن يكون لديه لاعب في موهبة زياش"، وأيضا لويس فانخال، المدرب السابق للمنتخب الهولندي، والذي قال عنه يوما "إنه لاعب استثنائي".
يستحق حكيم زياش أن يكون قدوة لكثير من الشباب، ويستحق أن يستعرض سيرته الذاتية بفخر واعتزاز، فقد نجح في أن ينفض عنه غبار الاستسلام، وارتدى بذلة الكفاح، وارتقى سلم النجاح بهوء، ليصير مبدعا ولد من رحم معاناة حقيقة.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة