رياضة
المغرب والكونغو .. عائدون من جحيم كينشاسا
27/03/2022 - 18:14
صلاح الكومريصدق من وصف ملعب "الشهداء"، في الكونغو الديمقراطية، بـ"ملعب الجحيم"، هذا الجحيم الذي عاشته الجماهير المغربية التي تنقلت إلى الكونغو لمساندة "الأسود"، لم يكن منحصرا في الملعب فقط، بل طيلة مقامها في العاصمة "الرهيبة" كينشاسا، إحدى أكثر مدن العالم كثافة سكانية بأزيد من 17 مليون نسمة.
ولم تكن رحلات أزيد من 2000 مشجع مغربي إلى العاصمة كينشاسا باليسيرة، بل كانت صعبة جدا، أو بعبارة أصح وأدق، كانت محفوفة بالمخاطر، وجحيما لا يمكن تخيله، فحين يصبح المشجع بهذا البلد يخشى على حياته في أي لحظة، فالأمر هنا يتعلق بالجحيم في حذ ذاته.
هنا كنشاسا .. هنا الجحيم
مباشرة بعد الوصول إلى مطار "ندجيلي"، وهو مطار صغير ضواحي العاصمة كينشاسا، انطلقت معاناة الجماهير المغربية، بداية مع بعض العاملين في المطار، وحتى مع بعض رجال الأمن الخاص، الذين ظلوا يتربصون بالمغاربة، مطالبين إياهم بمنحهم أي شيء، قميص، قبعة، نقود.
في المدخل الرئيسي للمطار، كان المئات من الجماهير الكونغولية ينتظرون المغاربة القادمين لتشجيع الأسود، ظلوا يتربصون بهم ويستفزونهم لاستمالتهم إلى مناوشات كلامية حتى يتطور الوضع إلى مناوشات جسدية أو شغب، لكن المغاربة ظلوا يقظين، حريصين على البقاء متحدين في جماعات، وتفادي الوقوع في أي فخ كونغولي.
طريق محفوف بالمخاطر
في الطريق من المطار إلى الملعب، على مثن عشرات الحافلات وفرتها جامعة الكرة للجماهير المغربية، يمكن أن تعيش الجحيم بأم عينه، فقبل الانطلاقة، وقف سائق إحدى الحافلات أمام الركاب وحذرهم قائلا: "كونوا حريصين على هواتفكم"، لم ينتبه البعض لتحذيره، أو لم يأخذوه على محمل الجد، فحدث بالفعل ما كان يخشى منه، إذ أن أحد المشجعين المغاربة كان يصور حشود الجماهير الكونغولية ويعتقد أنه في مأمن، وفجأة اختفى هاتفه من يديه في لمح البصر، خطفه منه "نسر" كونغولي جارح في جزء من الثانية، وطار مع الريح هاربا حتى اختفى عن الأنظار.
أراد المشجع المغربي النزول من الحافلة، طالب السائق بالتوقف للحاق بالسارق، فمنعه بعض زملائه بالقوة، خشية تعرضه لما لا يحمد عقباه، قال له أحد من رفاقه: "ضاع الهاتف، يمكن تعويضه، لكن إذا نزلت ستضيع أنت أيضا".
طالب البعض بإغلاق النوافذ، تفاديا لأي مشاكل أخرى، رغم أن المكيف لم يكن يعمل، فتحولت الحافلة إلى بركان يغلي، وكاد يغمى على البعض من شدة الاختناق.
على مدار الطريق، لا يسمع إلا صياح الكونغوليين، بعضهم حاول إيقاف الحافلات بالقوة، وآخرون يستغلون الفرصة لتهديد المغاربة، يشيرون لهم إلى أنهم سيلقون حتفهم على أرضهم، أحدهم قال لصحفي مغربي كان يصور بهاتفه، ما مفاده: "أعطني هاتفك وإلا سأذبحك".
مشاغبون هائجون
المئات من الأطفال الصغار، والشبان بملابسهم الرثة، حافيي الأقدام، يجرون نحو الحافلات، وبين الفينة والأخرى، يرشقونهم بالحجارة، ويطالبون المغاربة بتقديم أي شيء، أكل، نقود، ملابس، لا يخشوا حتى رجال أمن بلادهم القلائل الذين رافقوا الحافلات.
لم يكن رجال الأمن القلائل الذين رافقوا الحافلات، قادرين على ردع الجماهير الكونغولية وإبعادها عن المغاربة، ظهر أن المشاغبين متعودون على المواجهات مع أمن بلادهم، إذ أنهم لا يخشونهم ولا يعيرونهم أي اهتمام، فمثلا، يأتي مشاغب كونغولي ليقف أمام المغاربة وتهديدهم أمام مرأى رجال أمن بلاده، الذين كانوا يكتفون بمطالبهم بالابتعاد عن مسار الحافلة.
جحيم في الملعب
استغرق الأمر حوالي ساعتين من أجل الوصول إلى الملعب، حيث كان رجال الأمن وقوات من الجيش، بأسلحتهم الرشاشة، يحاولون تنظيم ولوج الجماهير إلى الملعب، وحيث كان بعض الكونغوليين يحاولون التودد إلى المغاربة، ويتربصون بهم لسرقة حاجياتهم.
أحد باعة السجائر طلب من مشجع مغربي عناق أخوي، تعبيرا عن الصداقة والأخوة بين المنتخبين، وما إن عانقه المغربي، حتى أدخل يديه في جيبه محاولا سرقة حاجياته، فانتبه المغربي إلى الأمر بسرعة، ودفع الكونغولي بقوة حتى أسقطه أرضا، وكاد يتطور الأمر إلى اشتباك بين الطرفين لولا تدخل رجال الأمن.
في ملعب الشهداء، خلال المباراة، كانت الأوضاع عادية جدا بين الجماهير المغربية والكونغولية، لكن مباشرة بعد إعلان الحكم عن نهاية المباراة بالتعادل، حتى بدأت الجماهير الكونغولية ترشق المغاربة بالحجارة والقنينات.
جحيم رحلة العودة
خلال رحلة العودة، من الملعب إلى المطار، عاشت الجماهير المغربية، المعاناة نفسها التي عاشتها في رحلة الذهاب، المئات، أو الآلاف من الكونغوليين، حاولوا اعتراض الحافلات، واستفزاز الجماهير المغربية ورشقهم بالقنينات والحجارة.
بعد الوصول إلى مطار "ندجيلي"، والذي لا تتعدى مساحته محطة "الدار البيضاء الميناء" في المغرب، اعتقد الجمهور المغربي، أن مسلسل الجحيم الذي عاشه طيلة اليوم، قد انتهى، لكن الواقع كان غير ذلك تماما، فقد كان في انتظار المغاربة مسلسل جديد من المعاناة، وهذه المرة في ما يتعلق بتنظيم رحلات طيران العودة.
على مدار ساعات طويلة، تحولت صالة الانتظار في مطار "ندجيلي" إلى ما يشبه سوق أسبوعي أو حمام شعبي، رائحة العرق تزكم الأنفاس في كل مكان، مراحيض متعفنة، ازدحام شديد، دفع الكثيرين إلى افتراش الأرض والاستسلام للنوم.
تأخرت الرحلات عن موعدها، ولم يطق الجمهور المغربي انتظارا، فتحول المطار إلى فوضى عارمة، لا أمن، ولا تنظيم، ولا برنامج محدد للرحلات، ذهب رجال الأمن الكونغوليين وتركوا المغاربة يواجهون مصيرهم لوحدهم في المطار.
وفي هكذا وضع، لم يطق الجمهور صبرا، وبسبب الضغط والأجواء المشحونة، اندلعت الكثير من المشاحنات والاشتباكات بين المغاربة، وكادت الأوضاع تسوء أكثر لو استمرت على هذا الحال، لولا تدخل ربابنة طائرات الرحلات المتأخرة عن موعدها، لمطالبة الجماهير بالتوجه مباشرة، سيرا على الأقدام، إلى الطائرات التي تحمل أرقام رحلاتهم.
حاول بعض المتطوعين، من الجماهير، التكلف بتنظيم صعود المغاربة إلى الطائرة، من خلال مراقبة تذاكرهم وأرقام رحلاتهم قبل الصعود، لكن الفوضى كانت عارمة جدا، إذ أن أزيد من 300 مسافر، في الرحلة رقم 2226، صعدوا بالقوة إلى الطائرة.
بعض المسافرين لم يجدوا لهم مكانا شاغرا في الطائرة، فعمل الطاقم، برفقة بعض المسؤولين الرياضيين المغاربة، كانوا على متن الرحلة نفسها، على فحص ومراقبة تذاكر المسافرين فردا فردا، فاكتشفوا 5 أشخاص كانوا متسللين إلى الطائرة، فطلب منهم أحد رجال الأمن المغادرة، والالتحاق برحلتهم في طائرة أخرى.
ما إن أقلعت الطائرة عائدة نحو المغرب، حتى بدأ كثير من المشجعين في الصلاة والتكبير والشكر لله على سلامتهم من فخاخ الكونغوليين ونجاتهم من جحيم كينساشا.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة