اقتصاد
السيادة الغذائية بالمغرب .. هاجس مُلح في ظل ندرة المياه
28/04/2023 - 08:29
وئام فراج
يراهن المغرب على تحقيق سيادة غذائية مستدامة تتعدى مفهوم الأمن الغذائي الذي يروم توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع، إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى دعم الإنتاج المحلي وتثمين موارد المملكة السمكية والفلاحية. إلا أن هذا المسار لا يخلو من تحديات تطرحها خصوصا التغيرات المناخية التي تسببت في سنوات من الجفاف وندرة المياه.
يرفع الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس 2023، الذي يعود بعد غياب دام ثلاثة أعوام، شعار السيادة الغذائية والاستدامة ومكانتها في الاستراتيجية الفلاحية "الجيل الأخضر".
هم علمي
وينتظر أن يسعى الملتقى، الذي يعقد بين الثاني والسابع من ماي المقبل، إلى بحث سبل توجيه السياسة الفلاحية نحو تحقيق هدف السيادة الغذائية، التي تجلت أهميتها في ظل المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الأزمة الصحية والجفاف وتداعيات الحرب في أوكرانيا.
وينتظر أن يحضر هدف السيادة الغذائية بقوة في عقود البرامج المرتقب إبرامها بمناسبة الملتقى، كما سيخصص البرنامج العلمي المواكب لتلك التظاهرة حيزا مهما للتداول حول القضايا المرتبطة بتحقيق هذا الهدف، حيث سيتم تناول موضوع السيادة الغذائية في سياق الخصاص المائي، علما أن التقرير الصادر عن البنك الدولي، يوم الخميس 27 أبريل 2023، حول "اقتصاديات شح المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يؤكد أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتاحة في المنطقة سينخفض إلى ما دون الحد المطلق لشح المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا.
وسيتم خلال الملتقى التركيز على رهانات التحكم في مياه السقي وتأثير التغيرات المناخية على الزراعة وصمود واستدامة أنشطة الإنتاج، وتعزيز سلاسل القيم الفلاحية عبر التثمين وتحديث مسالك التوزيع.
ندرة واستهلاك
وفي هذا الإطار، يرى العربي الزكدوني، خبير في الاقتصاد الفلاحي والتنمية القروية أن الإشكاليات الكبرى التي تواجه المملكة في مسار تحقيق السيادة الغذائية تتجلى أساسا في التقلبات المناخية وندرة المياه، مبرزا أن قلة التساقطات المطرية والثلجية تعيق نمو العديد من الزراعات، خاصة أن مناخ المغرب يعتبر جافا إلى شبه جاف بنسبة 90 في المائة.
وأوضح الزكدوني، في تصريح لـSNRTnews، أن الاختيارات السياسية الفلاحية زادت، بدورها، من سرعة إشكالية ندرة المياه؛ "بحيث لم يتم اعتماد نظرة استشرافية لتوفير الموارد المائية، وذلك في ظل تزايد الطلب على الماء الصالح للشرب بفعل النمو الديمغرافي والاقتصادي للمغرب".
وقارن الخبير الاقتصادي والأستاذ السابق بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بين سنوات الجفاف التي مر منها المغرب في أوائل الثمانينات والأربع سنوات الأخيرة، مبرزا أن السنوات الأخيرة أكثر خطورة نظرا لتسجيل نقص مهول في نسبة ملء السدود واستنزاف الفرشة المائية، فيما جفاف الثمانينات تميز بالحفاظ على الفرشة المائية رغم تراجع حقينة السدود.
ويرى الزكدوني أن هذا الاستنزاف يأتي "نتيجة لاختيارات سياسية لم تكن موفقة، مع بوادر قوية للتقلبات المناخية وشح الأمطار وارتفاع درجة الحرارة"، لافتا إلى أن هذه المعطيات لم تستحضر بشكل كبير منذ سنة 2008.
من جهة أخرى، أكد الخبير في الاقتصاد الفلاحي والتنمية القروية، أن نمط الاستهلاك الفردي يشكل، كذلك، أحد التحديات المطروحة أمام تحقيق السيادة الغذائية، موضحا، على سبيل المثال، أن معدل استهلاك الفرد السنوي من السكر يضاعف المعدل العالمي.
وشدد الزكدوني، في هذا الإطار، على أهمية تحسيس المستهلك المغربي بالعمل على الاقتصاد النسبي في استهلاك السكر من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي بالمنتوج الوطني الحالي، مشيرا إلى أن المغرب يغطي حاليا 50 في المائة من حاجيات السوق المحلية، إلا أن المواطنين يستهلكون ضعف ما يتم إنتاجه، ما يستدعي استيراد كميات أخرى.
تحديد الأولويات؟
وفي ما يتعلق بأهم الإجراءات الواجب اتخاذها لتعزيز السيادة الغذائية للمملكة، أوضح المتحدث ذاته، أن جلالة الملك محمد السادس كان واضحا في دعوته إلى بلورة جميع السياسات القطاعية على ضوء الوضعية المائية بالمغرب، خلال افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، والتي تطرق فيها إلى محورين أساسين وهما الماء والاستثمار.
وشدد الزكدوني، في هذا الإطار، على ضرورة إعادة النظر في الاختيارات السياسية القطاعية ابتداء من القطاع الفلاحي نظرا لأهميته في استهلاك الماء.
وأكد على ضرورة معرفة أي نموذج يجب الاعتماد عليه لتحقيق هذه السيادة الغذائية؛ "هل الاستمرار في التصدير أو إعطاء الأولوية لما يستجيب لحاجيات السوق الداخلية من المواد الأساسية".
كما شدد الخبير الاقتصادي على أهمية سن سياسة على المدى الطويل، وابتداء من اليوم، للعمل على تغيير النموذج الاستهلاكي المغربي، واعتماد نموذج آخر من الاستهلاك يتناسب مع خصائص الجيل المقبل.
وأكدت الحكومة في الفترة الأخيرة أنها تهدف إلى خلق توازن بين التصدير وتزويد السوق الوطنية. وأوضح وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات محمد صديقي، أن الهدف هو تحقيق السيادة الغذائية، التي يراها الطريق نحو بلوغ الأمن الغذائي عن طريق تقنين الإنتاج الوطني (استعمال أقل للأدوية، استعمال أقل كمية من المياه، اختيار الزراعات..)، بالإضافة إلى التحكم في الاستيراد، والتوفر على طاقات التخزين، وتغطية ما نستورده عن طريق التصدير بطريقة معقلنة.
ويشدد صديقي على أن الأزمة الصحية أفرزت معطى جديدا متمثلا في السيادة الفلاحية، مؤكدا على أن استراتيجية المغرب تتجلى في ضمان الأمن الغذائي، عبر التحكم فيه على طول السنة وجعله مستداما، مشيرا في الوقت نفسه، إلى تحقيق الأهداف ذات الصلة بالإنتاجية والتصدير والرفع من الناتج الفلاحي الخام.
كما اعتبر أن التحديات المطروحة اليوم ترتبط بقنوات التسويق والتوزيع والأسواق، لافتا إلى أن هذه التحديات مسؤولية تهم جميع القطاعات.
الحبوب نموذجا
من جهته، يرى الباحث في القطاع الزراعي ورئيس الجمعية المغربية للتنمية الزراعية بجهة الدار البيضاء سطات الفاطمي بوركيزية، أن الأسئلة المطروحة حاليا تتعلق بتوجه الحكومة في ظل هذه التغيرات المناخية، متسائلا إن كانت ستشتغل على تحقيق الاكتفاء الذاتي التدريجي في بعض الأنواع والسلاسل الفلاحية، وعن الآليات التي يمكن استعمالها لتحقيق هذا الاكتفاء.
وأكد بوركيزية، في تصريح لـSNRTnews، أن ندرة المياه تعد أبرز إشكال يواجه المملكة في مسار تحقيق السيادة الغذائية، مشددا على ضرورة التفكير في طرق إيجاد موارد مائية مستقبلا تمكن من الاشتغال على مجموعة من السلاسل الإنتاجية.
وأشار إلى أن "سلسلة الحبوب التي تعد من أهم السلاسل الإنتاجية سجلت تراجعا ملحوظا في المحصول بعدما مرت عملية الإنبات بسلام بفضل التساقطات المطرية التي تزامنت مع بداية السنة الحالية"، مبرزا أن عدم هطول أمطار الربيع أدى إلى تسجيل نقص مهول وصل في بعض المناطق إلى ما بين 90 و100 في المائة.
ويرى الباحث في القطاع الزراعي أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب يستدعي العمل على دمج بعض المناطق البورية وتحويلها إلى مناطق مسقية، في إطار السقي التكميلي، لافتا إلى أن هذا النوع من السقي لا يتطلب الكثير من الماء ويعطي نتائج جيدة، "خصوصا أن كمية الهكتارات الصالحة للزراعة في المغرب كبيرة وشاسعة وبإمكانها تحقيق الاكتفاء الذاتي في سلسلة الحبوب".
تشجيع البحث العلمي الزراعي
الأمر ذاته بالنسبة للخضر، يضيف بوركيزية، "إذ يجب العمل على آلية الماء لتفادي تقليص المساحة المزروعة، مشيرا إلى أن تقليص هذه المساحة بالإضافة إلى أثمنة المدخلات الفلاحية أثر بشكل واضح على الإنتاج الفلاحي وعلى المردودية.
كما أكد المتحدث ذاته أن تشجيع البحث العلمي في المجال الزراعي من شأنه المساهمة في تحقيق السيادة الغذائية المنشودة، وذلك عبر إنشاء بنك للبذور خاص بالمغرب من أجل التقليل من استيرادها.
ويشدد الباحثون على أهمية تشجيع البحث الزراعي من أجل الاستمرار في استنباط أصناف جديدة من الحبوب المقاومة للجفاف نظرا لحاجة المملكة إلى توفير مخزون استراتيجي من الحبوب يساهم في ضمان الأمن الغذائي.
وعبر الباحث في القطاع الزراعي عن أمل المزارعين في إيجاد حلول وآليات جديدة كفيلة بدعم القطاع الفلاحي خلال فعاليات الملتقى الدولي للفلاحة المنظم ما بين الثاني والسابع من ماي المقبل في مدينة مكناس، والذي يحمل شعار "الجيل الأخضر: لأجل سيادة غذائية مستدامة"، آملين أن تنتج عنه قرارات واضحة خصوصا في مسألة الموارد المائية والمدخلات الفلاحية.

مقالات ذات صلة
اقتصاد
إفريقيا
اقتصاد
اقتصاد