مجتمع
أول مدرسة للبستنة في المغرب .. تكوين بيئي وتوعية بالتغيرات المناخية
26/12/2023 - 20:17
وئام فراج | محمد شافعي"لم أكن أعلم أن النباتات كائنات حية أيضا تتطلب رعاية وعناية خاصة، الآن أصبحت لدي نظرة مغايرة لعالم النباتات". هكذا عبر يوسف الزروالي، شاب في الـ18 من عمره، عن شغفه الجديد بعالم النباتات وبدراسة البستنة، وذلك بعدما انقطع عن الدراسة في السنة الثالثة إعدادي.
تكوين في المجال البيئي
يتحدر يوسف من أسرة ذات دخل محدود، ما جعله يستفي شروط ولوج مدرسة البستنة أبي رقراق ميد وميد التي تعد أول مدرسة للبستنة في المغرب، وتوفر تكوينا مجانيا يمتد لثلاث سنوات، شريطة أن يكون المستفيد يجيد القراءة والكتابة ومن بين المهددين بالتهميش أو المنقطعين عن الدراسة.
وللتأكد من صحة هذه المعلومات، يتم إخضاع المتدربين لاختبار قبل انطلاق الموسم التكويني، كما تمكن هذه العملية من معرفة مدى اهتمام المستفيدين بمجال البستنة ومدى رغبتهم في التعلم، وفق ما أكدته منسقة المشروع إيناس ألكسبورو.
تقع مدرسة البستنة على الضفة الشمالية لنهر أبي رقراق، وتعد جزءً من الشبكة الدولية ميد وميد، "مناظر ثقافية من البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط"، التي تضم 23 بلدا، ويهدف هذا المشروع المغربي-الإسباني، الذي تم إنشاؤه وإدارته من قبل مؤسسة الثقافة الإسلامية (FUNCI) بمبادرة من رئيسها شريف عبد الرحمان جاه، إلى تعزيز تكوين وتنمية الشباب المغربي في المجال البيئي.
ووفق منسقة المشروع ومسؤولة التواصل بمؤسسة الثقافة الإسلامية، إيناس ألكسبورو، يستفيد المتدربون من شهادات معتمدة من طرف وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، لتتكلف بعد ذلك المدرسة بإدماج هؤلاء الشباب في سوق الشغل.
وأكدت ألكسبورو أن حوالي 75 في المائة من الشباب والشابات الذين تخرجوا من مدرسة البستنة أبي رقراق حصلوا على فرص شغل ويشتغلون في مؤسسات راقية وفي أماكن مختلفة.
كما شددت منسقة المشروع على أهمية مقاربة النوع في التعلم، إذ يتم تكوين حوالي 80 إلى 90 متدربا في السنة، 20 إلى 25 في المائة منهم نساء شابات.
تحدي الظروف
تقطن نسيمة بلفرحوني (20 سنة) في قرية نواحي مدينة سلا، ويتطلب منها الوصول إلى مركز التكوين بالتدرج ركوب ثلاث حافلات.. مسار لم تكن لتقطعه لولا المساعدة الاجتماعية التي يوفرها المركز عبر تسديد ثمن بطاقة الحافلة وتوفير الطعام بالمجان لجميع المتدربين.
تقول نسيمة بابتسامة عريضة وحماس كبير، "كل شيء هنا متوفر، لا يطلبون منا سوى الجدية في العمل والدراسة"، مضيفة أن الالتحاق بأول درس على الساعة التاسعة صباحا يتطلب منها الاستيقاظ في حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحا، ورغم ذلك تؤكد نسيمة بلفرحوني أنها قررت إتمام دراستها نظرا لشغفها بالميدان ورغبتها في تحقيق استقلاليتها المادية.
يرتدي جميع المتدربين زيا أخضر اللون يحمل اسم المؤسسة، فيما يرتدي المكونون زيا مشابها له باللون الأزرق، وهي ألوان ترمز للطبيعة لتناسب بيئة العمل الذي يقومون به، وتحرص بذلك المدرسة على تحقيق المساواة بين جميع المتدربين باختلاف ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.
عماد بوحمامة شاب في الـ29 من عمره، حصل على شهادة البكالوريا سنة 2013، واشتغل في ميادين مختلفة إلا أنه لم يستقر فيها، وخلال مسيرة بحثه عن العمل قصد مدرسة البستنة أبي رقراق ظنا منه أنها شركة لعله يجد فيها فرصة شغل.
يقول بوحمامة: "التحقت بمركز التكوين بالتدرج هذا بالصدفة، فقد قادتني رحلة البحث عن عمل إلى الاستفادة من تكوين مجاني في ميدان عمل أبي وأجدادي، فأبي فلاح وحبنا للأرض متوارث".
كان عماد بوحمامة من أوائل المستفيدين من التكوين في الفوج الأول الذي يعود لسنة 2018، وبعد حصوله على شهادة عامل مؤهل في البستنة، قررت المؤسسة الاستفادة من خبرته لتكوين الأجيال القادمة من المتدربين.
"مثلما وجدت من مد لي يد العون، أريد أيضا مساعدة الشباب الجدد من أجل الحصول على تكوين جيد وتحسيسهم بأهمية الحفاظ على بيئة نظيفة وخالية من التلوث"، يقول بوحمامة، متابعا أن "الاعتناء بالنباتات وتعليم المتدربين كيفية الاهتمام بالبيئة فيه أجرين، الأول رباني والثاني يتقاضاه من مركز التكوين".
"كلنا إخوة"
رغم الانسجام الذي يظهر بين المتدربين خلال زيارة SNRTnews لمقر المدرسة، إلا أن التعامل مع شباب في سن المراهقة وفي وضعية هشة، لم يكن سهلا على المكونين، وهو الأمر الذي يؤكده لحسن شقيق، مكون بمدرسة البستنة أبي رقراق، مبرزا أن التكوين هنا يتطلب تعاملا خاصا.
يقول شقيق: "علاقة المكونين بالمتدربين ليست كعلاقة الأستاذ بالتلميذ بل كالأخ الأكبر مع إخوته.. نحاول العمل في جو تسوده الأخوة وأن نكون أذنا صاغية لمشاكل هؤلاء الشباب والشابات قبل أن نكون مكونين يلقنونهم الدروس".
وأكد شقيق أن هذه الاستراتيجية أتت أكلها، بحيث لمس المكونون تغيرا كبيرا في سلوك العديد من المتدربين الذين كانوا في السنة الأولى لا يكترثون للتعلم ولا لأهمية الحفاظ على البيئة، وتخرجوا بعد نهاية التكوين بوعي تام بضرورة حماية البيئة وعدم المساهمة في تلويثها.
وتتوزع ساعات التكوين بين ما هو نظري (20 في المائة) وما هو تطبيقي وعملي (80 في المائة)، ويتكون التكوين من ثلاثة مستويات يحصل خلالها المتدرب على 3 شهادات؛ وهي شهادة الكفاءة المهنية وشهادة التخصص المهني، وشهادة التأهيل المهني ليصبح بذلك عاملا مؤهلا في البستنة.
التوعية بالتغيرات المناخية
يعد نشر الوعي بالتغيرات المناخية وأهمية الحفاظ على البيئة من بين مبررات إنشاء مركز تكوين بالتدرج مختص في البستنة، وذلك بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد من المدن بإنشاء وصيانة المساحات الخضراء والاستراتيجية الوطنية التي تركز على التنمية المستدامة والنقص المسجل في المهارات التشغيلية في مجال البستنة.
ويحتوي المركز، الذي يمتد على مساحة 8 هكتارات، على مشتل خاص بالنباتات ذات الأصل المغربي، والذي يعد مصدر دخل بالنسبة للمركز، ويساهم من خلاله في الحد من التغيرات المناخية عبر اقتراح نموذج للبستنة 100 بالمائة إيكولوجي ويتأقلم مع وضعية الجفاف التي تمر منها المملكة، حسب ما أكدته ألكسبورو.
وأبرزت أن مسيري المدرسة يعملون كثيرا على هذا الجانب التحسيسي عبر تنظيم ندوات ومؤتمرات وأنشطة مسرحية، فضلا عن استقبال تلاميذ المؤسسات التعليمية، وتخصيص ورشات تعنى بالبيئة لفائدة هؤلاء التلاميذ، "وهو ما ساهم في تتويج المركز في شهر نونبر الماضي بجائزة "المهارات الخضراء" التابعة للاتحاد الأوروبي".
كما يشكل هذا المركز، الذي يستفيد من تمويل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووزارة الإدماج الاقتصادي ومنظمات إسبانية، متنفسا للأسر الراغبة في التنزه واقتناء المزهريات والاستمتاع بالمساحات الخضراء، بحيث يتوفر على مطعم ومقهى لتناول الطعام ومكان مخصص لألعاب الأطفال.
تمسك بالطموح
"أصبحتُ الآن أعلم كيف تعيش النباتات، وكيف يجب رعايتها، فأحببت هذا الميدان وأريد التخصص فيه بعد إتمام التكوين"، يقول يوسف الزروالي، معبرا عن إمكانية تحقيق هدفه بفضل تزايد المساحات الخضراء بمدينة الرباط والتي أصبحت تعد أول مدينة مغربية على صعيد هذه المساحات.
أما نسيمة بلفرحوني فتدعو كل شاب وشابة إلى التمسك بطموحه رغم مروره بظروف اجتماعية صعبة، فمن لم يتمكن من المضي قدما في مسار أكاديمي يمكنه التوجه إلى مسارات التكوين المهني المختلفة لمحاربة البطالة وتحقيق الاستقلالية المادية التي يسعى إليها المتدربون.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
عالم
مجتمع