تكنولوجيا
نهاية الإنسان وبداية الإنسان المحسن
05/02/2024 - 16:27
جمال الخنوسي
تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبرا، خلال الأسبوع الماضي، لم يحض بالاهتمام الذي يستحق. فعند الاطلاع على فحواه باللغة الفرنسية، يثير القليل من الفضول، بينما قراءته باللغة العربية تجعله لا يعني لأغلبنا شيئا، لا من حيث مضمونه ولا من حيث المفردات المستعملة.
جاء في الخبر أن الملياردير إيلون ماسك أعلن أن شركة "نيورالينك" الناشئة التي شارك في تأسيسها أجرت أول زرع لشريحة دماغية لمريض، وهي عملية سبق أن نفذت مثلها أكثر من مرة جهات أخرى، من شركات وباحثين.
وكانت "نيورالينك"، التي يقع مقرها بضواحي سان فرانسيسكو، ولاية كاليفورنيا، نالت، في ماي الماضي، من الهيئة الأمريكية المسؤولة عن الترخيص للأدوية والأجهزة الطبية الإذن باختبار الشرائح الدماغية على البشر.
وقبل تجربة الابتكار الجديد على الإنسان، سبق للشركة أن زرعت هذه الشريحة المعادلة بحجمها لقطعة نقود معدنية في دماغ قرد تمكن من "اللعب" بلعبة فيديو من دون جهاز تحكم أو لوحة مفاتيح.
وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن "نيورالينك"، التي تأسست عام 2016، ليست أول شركة تزرع لإنسان مثل هذه الشريحة الدماغية التي تُطلق عليها تسمية "واجهة الدماغ والآلة".
ففي شتنبر الماضي، أعلنت "أونوورد" الهولندية أنها تختبر ربط شريحة دماغية بأخرى تحفز الحبل الشوكي، بهدف تمكين مريض مصاب بالشلل الرباعي من استعادة القدرة على الحركة.
وفي 2019، أعلن باحثون من معهد "كليناتِك" في مدينة غرونوبل الفرنسية عن ابتكار شريحة تُمكّن الشخص المصاب بالشلل الرباعي من تشغيل هيكل خارجي يتم تركيبه فوق جسمه، بما يتيح له تحريك ذراعيه أو التنقل.
هذا الحدث "البسيط" الذي تحدث عنه ماسك، والقاضي بنقل التجارب من الحيوان إلى الانسان، مؤشر على خطوة كبيرة تقوم بها البشرية نحو خلاصها، كما يقول البعض أو نحو نهايتها، كما يتكهن بذلك آخرون.
فإن كان هذا "العبقري المعتوه" يقول إن شركته "نيورالينك" تسعى، من خلال ابتكار هاته التقنيات، إلى تحقيق معجزات في مجالات مختلفة؛ مثل تمكين المرضى المصابين بالشلل من المشي مجددا، وتتيح للمكفوفين استعادة البصر، وتستطيع حتى معالجة الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، يطمح إيلون ماسك أيضاً إلى إتاحة "شريحته" للجميع، ما يحسن التواصل مع أجهزة الكمبيوتر، ويساهم، على حد قوله، في احتواء "الخطر" الذي يشكله الذكاء الاصطناعي على الحضارة البشرية.
ومن خلال هذه الدعاية لابتكاراته، فإن ماسك يقوم فقط بنوع من الماركوتينغ المضلل لاختراع ستكون له عواقب وخيمة على البشرية: ألم يكن لاختراع الديناميت من قبل العالم السويدي ألفريد نوبل في 1867 تأثير مباشر على تطور المتفجرات، وفي نهاية المطاف، على تصميم القنابل المدمرة؟ ألم يكن دور الفيزياء الكوانتية في ابتكار القنبلة النووية جوهرياً ومحورياً، وقدمت الأساس النظري الذي جعل تطوير الأسلحة النووية ممكناً؟
واليوم، مع بدء تجارب شركة ماسك على الإنسان، فإن التخوف من الآثار الأخلاقية والاجتماعية لمثل هذه التغييرات اكتسب كل المشروعية، بما في ذلك الخوف من إمكانية خلق فجوات جديدة بين "المحسنين" بيولوجيا وأولئك الذين لا يمكنهم الوصول أو يختارون عدم الوصول إلى هذه التكنولوجيات.
كما أن الشريحة التي يتحدث عنها الميلياردير قادرة على زرع ذكريات لم نعشها، ووضع معلومات في دماغنا على أنها يقين مطلق، وارتباطها بكومبيوتر خارج الدماغ يجعل منا كائنات قابلة للاختراق والتحكم عن بعد، ولم لا حثنا على اختيارات معينة، واستهلاك منتجات بعينها أو التصويت على شخص محدد وكأنه اختيار تلقائي وطبيعي.
هذا ابتكار يفتح الباب على مصراعيه لعهد جديد يسمى ما بعد الإنسانية Transhumanisme؛ تسعى فيه بعض الشركات الناشئة إلى استخدام التكنولوجيا والعلوم المتقدمة لتحسين القدرات الجسدية والذهنية للإنسان من أجل تجاوز القيود البيولوجية الطبيعية، بما في ذلك الشيخوخة والمرض.
وتتطلع هذه الشركات إلى إمكانية تعديل البشر بيولوجياً، من خلال التكنولوجيات مثل الهندسة الوراثية، والتكنولوجيا النانوية، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، لتحسين الأداء الجسدي والذهني وحتى لتحقيق الخلود البيولوجي.
إنه نقاش بعيد عنا وعن اهتمامنا، جاء به رجل ثري معروف ببخله الشديد، فيما قصمت ظهرنا التحولات البيئية والجفاف وندرة المياه... إنه الرجل نفسه الذي تنبأ بأن كوكب الأرض يسير نحو الزوال ونهايته المحتومة، وفكر في نقل البشرية أو صفوة البشر للعيش في الكواكب البعيدة، وهو المشروع الذي تتكفل به شركته "سبايس اكس"... وتلك حكاية أخرى.

مقالات ذات صلة
تكنولوجيا
تكنولوجيا
عالم
سياسة