رياضة
البقالي .. عود الريح الذهبي
03/08/2021 - 21:36
صلاح الكومريشاءت الأقدار ألا يعزف النشيد الوطني في الألعاب الأولمبية منذ سنة 2004، وأن يظل الجمهور المغربي ينتظر لـ17 سنة، إلى أن يحقق البقالي، ذاك الفتى الصغير، ابن مدينة فاس، حلمه الطفولي، بالسير على خطى الكروج، ويكون سببا في عزف لحن "منبث الأحرار .. مشرق الأنوار"، من جديد، في أرقى تظاهرة عالمية، خلال فوزه بالميدالية الذهبية لسباق 3000 متر موانع في أولمبياد "طوكيو 2020".
موهبة الطفولة
ظهرت موهبة البقالي في الجري منذ طفولته، في أحد الدروب العتيقة لحي "المرجة" بمدينة فاس، وبالضبط منذ سنوات دراسته الابتدائية، حين كان يسابق أقرانه ورفاقه في الدراسة، في الأزقة، وأيضا في بعض الملتقيات المدرسية، وقتها اكتشف من طرف مدربه الحالي كريم التلمساني، الذي رأى فيه بطلا للمستقبل، فقرر تبنيه رياضيا، وإلحاقه بنادي أهل فاس لألعاب القوى سنة 2009، في إطار تنقيبه عن المواهب.
وهو يسابق أقرانه ويتفوق عليهم بخفة ورشاقة، في حي "المرجة" والملتقيات المدرسية، كان بعض أساتذته وأفراد عائلته يطلقون عليه لقب "عود الريح"، بينما بعض شيوخ الحي، كانوا ينادونه فقط بلقب "عويطة"، تيمنا بالبطل العالمي السابق سعيد عويطة، أول من أهدى المغرب ميدالية ذهبية إلى جانب نوال المتوكل.
دعوات الوالدة
آمن والدا البقالي بقدرة ابنهما على النجاح في مساره الرياضي حينما اختير للممارسة في نادي "أهل فاس"، في حي "المرجة"، فوالدته، وبحدسها الأمومي، كانت تتوسم فيه خيرا وترعاه بحنان، وتراه بطلا صغيرا يكبر بتدرج، لهذا كانت تحرص على إيقاظه في الصباح الباكر لخوض تداريبه، وكانت تحرص أيضا على تجهيز حقيبته بما يلزم من ملابس رياضية ومأكل حين كان يسافر بعيدا عن فاس للمشاركة في بعض الملتقيات الوطنية والجهوية بداية من سنة 2010.
أول سباق شارك فيه البقالي خارج مدينة فاس، كان في مدينة الدار البيضاء، في فئة الفتيان، وكان يتكون من بطولتين، بطولة المغرب وبطولة شمال إفريقيا، وكان في سباق 2000 متر موانع، حيث حقق أول توقيت له 5 دقائق و53 ثانية.
بداية العالمية
بعدما تفوق في مجموعة من الملتقيات الوطنية الجهوية، وفي سباقات 2000 متر موانع، و3000 متر موانع و1500 متر، التحق البقالي بالمعهد الوطني لألعاب القوى، حيث بدأ في رسم أولى خطواته الدولية، وخاض أول تحد دولي له سنة 2014، حين شارك في بطولة العالم للناشئين في مدينة "يوجين"، بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث احتل المركز الرابع، متخلفا بأجزاء من الثانية عن البحريني إيفانز روتو شيماتوت، الذي اختفى عن المسابقات في السنوات الأخيرة.
وعن هذه المشاركة يقول البقالي، في لقاء على المباشر مع عبد الإله أوبا، أحد أعضاء الإدارة التقنية في الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى: "كنت قريبا جدا من احتلال المركز الثالث، كان الفارق بيني وبين صاحب المركز الثالث أجزاء قليلة من المائة، أصبت بخيبة أمل، وقتها، لكني قررت المضي قدما، لأن هذه الرتبة فتحت لي آفاق الالتحاق بالمنتخب الوطني".
في السنة ذاتها، شارك البقالي في بطولة إفريقيا لألعاب القوى، في مدينة مراكش، حيث حل في المركز العاشر، ووقتها بدأ يتسلل إليه الشك حول قدرته على المنافسة في المستقبل، لكن مدربه كريم التلسماني بقي مؤمنا بقدرته على التطور التدريجي، وحثه على الصبر ومواصلة الاجتهاد.
في سنة 2015، شارك البقالي في بطولة العالم للعدو الريفي، في مدينة "غوييانغ" الصينية، حيث حل في المركز السابع، كما شارك في العديد من الملتقيات الوطنية والقارية في مسافتي 1500 و3000 متر موانع، وأيضا في بطولة "برواي لا بويسير" في فرنسا، وفي السنة ذاتها، حقق أولى أحلامه، بأن ضمن المشاركة في الألعاب الأولمبية "ريو2016"، بالبرازيل، حيث حل في المركز الرابع في السباق النهائي لـ3000 متر موانع.
الألعاب الأولمبية
شارك البقالي في الألعاب الأولمبية وهو في التاسعة عشر من عمره، كان يهدف من هذه المشاركة اكتشاف أجواء هذه التظاهرة العالمية، والتعرف على المنافسين، ومحاولة الاحتكاك بهم.
يقول البقالي في هذا السياق: "كان هدفي من المشاركة في الألعاب الأولمبية 2016 خوض السباق النهائي، تأهلت محتلا المركز الثاني في الدور الأول، حينها أزحت ثقلا كبيرا كان على كاهلي، لكن في السباق النهائي، واجهت خصوما أقوياء، كان السباق مشتعلا، دخلت في المركز الخامس، وبعد ذلك منحوني المركز الرابع، لأنه على بعد 300 متر من خط النهاية، ارتكب العداء الذي كان في المركز الثالث خطأ، فعوقب بالإبعاد".
التطور التدريجي
سنة 2017، كان للبقالي موعد مع التألق في التظاهرات الدولية، البداية كانت يوم 8 يونيو، في ملتقى روما، حيث حل في المركز الثاني خلف الكيني كونسيسلوس كيبروتو، بطل أولمبياد 2016، وبعدها، في 16 يوليوز، شارك في ملتقى الرباط، أحد دورات العصبة الماسية، حيث حل في المركز الأول، وتفوق، لأول مرة، على خصمه الإثيوبي كيبروتو، بعدها شارك في بطولة العالم في لندن، حيث فاز بالميدالية الفضية، خلف خصمه الكيني، محققا أولى ميدالياته في ثاني أكبر تظاهرة لألعاب القوى في الأولمبياد.
وعن تألقه في هذه السنة، تقول اللجنة الأولمبية الدولية، في تقرير عنه: "لقد كانت سنة رائعة للبقالي، فبعد أن عاد بالمركز الرابع من أولمبياد ريو، لم يركن في الجانب، بل عاد إلى العمل سريعا لتطوير قدراته"، مضيفة: "لن ينسى سفيان البقالي تألقه في هذه السنة".
واصل سفيان تطوير أدائه في سنة 2018، وبدأ في حصد أولى النتائج شهر يونيو، حين فاز بالمدالية الذهبية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في مدينة "تاراغونا" الإسبانية، وفي الشهر الموالي، شارك في ملتقى موناكو، حيث حل في المركز الأول، ونزل، لأول مرة، عن 8 دقائق، محققا أفضل توقيت شخصي له، إلى غاية الآن، "7:58:15"، ليصبح عاشر أفضل عداء في سباق 3000 متر حواجز، وفي شهر غشت من السنة ذاتها، حصل على الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا في مدينة "أسابا" النيجيرية.
في سنة 2019، فاز البقالي بالميدالية البرونزية في بطولة العالم التي أقيمت في العاصمة القطرية الدوحة، إذ حل في المركز الثالث خلف الكيني كيبروتو والإثيوبي جيرما لاماشيا، ثم حل في المركز الثالث أيضا، في دورة الألعاب الإفريقية بالرباط، خلف الكيني بنجامين كيغن، والإثيوبي جيتنيت والي.
المدرب القدوة
كريم التلمساني ليس مدربا فقط لسفيان البقالي، بل إنه مصدر إلهامه وتألقه، كما أنه الرجل الثاني وراء الفوز بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية "طوكيو 2020"، إذ أنه أقرب للبقالي من والديه، وحريص على كل كبيرة وصغيرة في مساره الرياضي، وحتى في حياته الشخصية.
في هذا السياق، يقول البقالي في لقائه مع عبد الإله أوبا: "أتذكر أنه حين كنا نتدرب في مدينة إفران استعدادا للمشاركة في بطولة العالم، كان، أحيانا، يغضب، لأني لا أحقق توقيتا جيدا في التداريب، فيرمي العداد، ويعاتبني قائلا إني أحمل ميدالية عالمية بين قدمي، وأني إذا لم أفز بها فإنه سيغادر نهائيا ألعاب القوى، حينها كان يرفع من معنوياتي ويحمسني أكثر".
بولامي: البقالي مجتهد
عن هذا المسار التصاعدي للبقالي وتطور أدائه سنة بعد أخرى، يقول إبراهيم بولامي، في حديث مع SNRTnews: "إنه مسار مثالي من عداء متفان ومجتهد وحريص على الالتزام"، مضيفا: "مسار سفيان البقالي في التطور سنة بعد أخرى، يجب أن يكون مثالا وعبرة في تحفيز العدائين الشباب".
في سنه الخامسة والعشرين، أمام البقالي متسع من الوقت لكي يحقق المزيد من الميداليات في التظاهرات الدولية المقبلة، بداية ببطولة العالم، المرتقبة في مدينة يوجين في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 15 و24 يوليوز 2022، وأيضا في بطولة العالم لسنة 2023، المرتقبة في العاصمة الهنغارية بوادبست، إضافة إلى ملتقيات الدوري الماسي.
ويبقى أكبر رهان للبقالي، حاليا، المشاركة في الألعاب الأولمبية لسنة 2024، المرتقبة في العاصمة الفرنسية باريس ما بين 26 يوليوز و11 غشت، حينها سيكون في قمة نضجه الرياضي، وبالتالي سيكون قادرا على رفع الراية المغربية عاليا، مجددا، وعزف النشيد الوطني في "ستاد دو فرانس" الدولي.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة