مجتمع
ربورطاج.. التبرع بالدم يزداد ندرة مع "كورونا"
03/11/2020 - 10:11
مريم الجابريقليلون هم المتبرعون بالدم أصلا، لكن في ظل انتشار جائحة "كوفيد-19"، تفاقم الوضع، لتزداد معاناة المحتاجين إلى قطرات دم من ضحايا حوادث السير والأمراض المزمنة والفتاكة...
"فقد ابني الوحيد، البالغ من العمر 24 سنة، رجليه جراء حادثة سير، والآن لديه نزيف حاد في رأسه، مما يستدعي كمية كبيرة من الدم. أحس بغصة في قلبي لأن ابني على فراش الموت. وأنا أبحث عن الدم له، وأود أن أكون بجانبه" تقول، بصوت متحشرج، ينم على حزن وآسى عميقين، وتدافع الدمع، أم أحد ضحية حادثة سير يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2020، بسيدي رحال، قرب العاصمة الاقتصادية.
قرب سوق الورود الذي تفوح منه الروائح الزكية، التي تبعث الأمل إلى جانب مستشفى الأطفال عبد الرحيم الهاروشي، الباعث عن الأمل التابع للمركز الاستشفائي للمملكة، ينتصب مركز تحاقن الدم.
المكان مكتظ، خارجه من ينتظرون ويترقبون وآخرون بالداخل يتبرعون بقسط من دمائهم من الذين زادهم الله بسطة في صحتهم وفي رحمة قلوبهم. وإلى جانبهم آخر من يتسولون ويستغل طيبة قلوب البعض لاغتنام دريهمات، لا قطرات دم، في فضاء ملئه جو عنوانه التضامن.
قلوب الرحمة
الخمسيني "سعيد" يعاني من مرض القصور الكلوي، وبحرقة شديدة يصف لـ"SNRTnews" مستوى إمكانياته البسيطة، مقارنة بتكلفة علاج قد تصل الى 350 درهما، مشددا "أتيت البارحة ولم أجد فصيلة دمي واليوم رجعت"...
من جانبها، تقول "فريدة"، ذات الخمسة والأربعبن سنة، إن ابنتها الحامل تعاني من مرض فقر الدم المَنْجلي، الأمر الذي يجعل عملية الولادة جد صعبة. وبحرقة شديدة، هي الأخرى، تضيف "جئت لأشتري لها بعض الأكياس البارحة. لقد كنت هنا، وكان الوضع كارثيا، فالاكتظاظ شديد والخصاص حاد. واليوم رجعت هنا وابنتي الآن معرضة للموت في أي لحظة".
وأعربت الخمسينية "بهيجة" عن أسفها الشديد على زوجها المصاب بالسرطان، وتوضح للموقع "من السابعة صباحا البارحة إلى
حدود الحادية عشر ليلا وأنا هنا أنتظر ولم نجد فصيلة دمه (+O)، واليوم رجعت ولم أجد أكياس دم لعلاجه".
صيحة استغاثة أم صيحة في واد؟
الانخفاض ملحوظ في أعداد المتبرعين بالدم منذ بداية الجائحة، ما أدى إلى تراجع المخزون الاحتياطي بمراكز تحاقن الدم، التي تعرف خصاصا في فترات من السنة، خاصة خلال العطلة الصيفية والأعياد والمناسبات، حيث يغفل الناس هذا الجانب من العمل التطوعي التضامني، لا سيما وأن عددا كبيرا من المصابين يعانون من أمراض مزمنة.
من المسؤول؟
في اتصال، لـ"SNRTnews"، بالمركز الوطني لتحاقن الدم بالرباط، قالت ناجية العمراوي، الطبية ومسؤولة قسم التواصل والتحسيس، بالمركز الوطني لتحاقن الدم بالرباط، أن "الوضع قبل تفشي فيروس كورونا كان عاديا، وكان المخزون يكفي أكثر من عشرة أيام. لكن منذ بداية الجائحة انخفض المخزون تدريجيا، ولحدود الساعة، يغطي المخزون الموجود احتياج 4 أيام فقط، مع العلم أن الاحتياج يصل إلى 900 كيس يومي، لأن الأكياس الدموية لها مدة صلاحية محددة، حيث أن الكريات الدموية تنتهي صلاحية استعمالها، في 42 يوما، والصفائح لديها خمسة أيام كأمد حياة، لذلك يكون الاحتياج للمتبرعين دائما. وفي مايخص البلازما التي لا تعرف خصاصا كسابقتيها، فلأن مدة صلاحيتها تصل إلى سنة".
وأرجعت العمراوي سبب العجز الذي تعيشه مراكز تحاقن الدم بالمملكة، إلى كون الناس لا يتوجهون للتبرع خوفا من خطر الإصابة بالفيروس، واعتقادا منهم أنه لا يتم تعقيم الحقن وأدوات العمل بالمركز، وعلى عكس ذلك تقول الطبيبة "نحن كأطر بالمركز ملتزمون بالإجراءات التي توصي بها وزارة الصحة، وأهمها المعقمات والكمامات والتباعد الاجتماعي، تماشيا مع الأوضاع".
وأشارت مسؤولة التواصل أن المدن الكبرى تعرف خصاصا كبيرا، وعلى رأسها الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس وطنجة ووجدة، بحكم تموقع مستشفيات جامعية ومصحات خاصة بشكل كبير بها، إلى جانب مستشفيات مرضى السرطان، الذي يشكل فيه حقن الدم، خلال مرحلة العلاج الأخيرة، الحاسم الأكبر بحقن الصفائح والكريات الحمراء. الشيء الذي يجعل التبرع بالدم ضرورة وواجب.
وأكدت المتحدثة "أن هناك عدة موانع للمتبرعين بالدم أهمها: الوزن الذي لا يقل على 50 كيلوغراما، والسن الذي لا يمكن أن يتزاوج فيه المتبرع 60 سنة، ومن يعاني من الأمراض المزمنة، أو يتناول أدوية معينة، ومن الأفضل أن يكون المتبرع صريحا مع الطبيب لأنه قبل عملية التبرع يعرض عليه الطبيب مجموعة من الأسئلة حول الوضعية الصحية لديه".
وأعربت العمراوي عن أسفها الشديد، لما تعانيه مراكز تحاقن الدم بالمملكة، وقالت "يجب على الإعلام أن يخصص بعض الوصلات التحسيسية، والأفلام القصيرة لتوعية المواطنين بأهمية التبرع بالدم وطريقة التي يتم تبرع بها".
نداء متبرعين
المتبرعة "آية"، التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة عقود، تقول "التبرع بالدم هو خدمة جليلة، نقدمها كمواطنين لإنقاذ حياة الآخرين. وكل عملية تبرع يمكنها أن تنقذ حياة ثلاثة أشخاص، مع العلم أنه في كل ثانيتين يحتاج كل شخص لنقل الدم بصورة استعجالية، لأن جسم كل إنسان قادر على إنتاج 250 مليونا من كريات الدم الحمراء كل يوم، والمرضى في حاجة ماسة لهذه الكريات التي لا يمكن تصنيعها".
رأي لا تخالفه المتبرعة "سارة"، ذات الـ25 ربيعا وتؤكد "هذه الخدمة الإنسانية يمكنها إنقاذ حياة الأشخاص عند الحوادث وأثناء العمليات الجراحية وعلاج المرضى المحتاجين للدم، والمصابين بأمراض الدم الوراثية والأورام السرطانية، وهذا ما يشجعني على التبرع بصفة دائمة".
وأوضح "ياسر"، 35 سنة، إن "التبرع لا يسبب أي خطر، على جسم الإنسان، بل يساعد على تجديد خلايا الدم الحمراء، ويخفض نسبة الإصابة بأمراض القلب، كما يسهل سيولة الدم بالنسبة للأشخاص المصابين بـ'الشقيقة'، وينشط عملية إنتاج الدم داخل النخاع العظمي، فضلا عن الفوز بالثواب العظيم والأجر الكبير لأنه يساهم في إنقاذ العديد من الأرواح، مصداقا لقوله تعالى 'ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا' صدق الله العظيم".
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التبرع بالدم تخضع لنظام محكم يؤطره المركز الوطني للتحاقن الدموي، باعتباره المرجع العلمي على المستوى الوطني، الذي يقوم بتزويد مجموع مراكز التحاقن بالدم بالوثائق والأجهزة، والكواشف واللوازم الطبية الضرورية لأخذ الدم، وكذا الوسائل البيداغوجية للتوعية بأهمية التبرع بالدم، مع مراقبة وتوجيه وتنسيق أنشطة مراكز تحاقن الدم.
بالإضافة إلى تجزئة الدم إلى مشتقاته المختلفة، ووضع كشف الصنف الدموي وتوزيعه على كل مراكز تحاقن الدم بالمغرب، وتوطيد علاقات التعاون مع مراكز تحاقن الدم بالخارج، وإقامة جهاز مراقبة انتشار الأمراض المتنقلة عبر الدم، عبر تكوين ملف وطني لمراقبة المتبرعين بالدم، والمستفيدين منه، وإنعاش البحث العلمي مع السهر على العمل بنظام، اليقظة عند استعمال الدم على الصعيد الوطني.
ماذا يقول القانون؟
ينص القانون رقم 03.94 المتعلق بالتبرع بالدم وأخذه واستخدامه على أن التبرع بالدم مجاني، ولا يجوز أن تدفع عنه للمتبرع أي مقابل كيفما كان نوعه، ولا يجوز أيضا أن يؤخذ الدم على سبيل التبرع من أشخاص يزيد عمرهم على 65 سنة ويقل عن 18 سنة، ما لم تصدر بذلك تعليمات طبية مخالفة.