عالم
شولتز .. مستشار لم يتوقعه الألمان
08/12/2021 - 16:04
مصطفى أزوكاحانتخب الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتس، اليوم الأربعاء الثامن من دجنبر، مستشارا لألمانيا من قبل البوندستاغ، كي يخلف أنغيلا ميركل التي تولت ذلك المنصب على مدى 16 عاما.
في انتخابات السادس والعشرين من شتنبر الماضي، حصل حزبه على 25,7 في المائة من الأصوات، متقدما على حزب المستشارة أنغيلا ميركل الذي نال 24,1 في المائة من الأصوات، بينما استحق حزب الخضر 14,8 في المائة من الأصوات.
ولم يتمكن أرمين لاشيت من الحزب الديمقراطي المسيحي من المنافسة من أجل تشكيل ائتلاف حكومي، فقد أدرك الجميع أن أولاف شولتس هو من سيخلف المستشارة ميركل، التي تولت أمر الحكم في ألمانيا على مدى 16 عاما.
المفاوضات التي انخرط فيها شولتز مع حزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي، أفضت إلى توقيع ميثاق الحكومة، الذي صادق عليه منخرطو الأحزاب الثلاثة بين السبت والاثنين الماضيين، حيث تجلى أن المكونات الثلاث قدمت تنازلات متبادلة.
ولد المحامي أولاف شولتز البالغ من العمر 63 عاما، بأوسبروك بمنطقة ساكسونيا السفلى، وكبر بمعية أخويه بهامبورغ في وسط بسيط، في كنف والديه العاملين في النسيج. التحق بالحزب الاشتراكي في سن السابعة عشرة، حيث عرف عنه نضاله ضد الصواريخ الأمريكية بيرشينغ التي احتضنتها ألمانيا في فترة الحرب الباردة، غير أنه ما لبثت أن أظهر الجانب البراغماتي فيه عندما تشبع بأفكار الوسطي هيلموت سميث.
انتخب أولاف شولتز مستشارا لألمانيا، هو الذي تجاهله خصومه قبل الانتخابات، غير أنه بدا مطمئنا للألمان، الذين خبروا إمكانياته في التعاطي مع الأزمات، فقد أضطلع، باعتباره نائبا للمستشارة ميركل في التحالف الثاني السابق ووزير المالية، بدور هام في تدبير الأزمة والفيضانات التي شهدتها منطقة رينانيا في يوليوز الماضي، بل إنه تخلى عن تلك الصرامة المالية التي عرف بها وزيرا للمالية وساهم في بلورة الخطة التي أرادتها المفوضية الأوروبية، عبر ضخ 750 مليار أورو كقروض ومساعدات.
لم يكن يحظى بشعبية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تبعث على توقع أن يصبح مستشارا لألمانيا. فعندما كان سكرتيرا للحزب في عهد غيرهارد شرويدر بين 2002 و2004، دعم قانون هارتز القاضي بتحرير سوق العمل، ورغم انتخابه في خمس مناسبات نائبا لرئيس الحزب في 2009، إلا أن ذلك كان يتأتى له بفضل نتائج تبرز ضعف الحظوة التي يتمتع بها داخل عائلته السياسية.
وقد تعرض لهزيمة مدوية عندما تقدم لانتخابات رئيس الحزب في 2019، في مواجهة ساسكيا إسكن ونوربرت والتر بورجان، اللذين كانا ينتقدان السياسة التي كان يقودها باعتباره وزيرا للمالية في الائتلاف الحكومة الذي كانت تديره المستشارة أنغيلا ميركل. تلك هزيمة دفعت المراقبين إلى توقع أفول نجمه ومغادرته للحكومة.
واجه الكثير من الصعوبات كعمدة لمدينة هامبورغ، ثاني مدينة، من حيث عدد السكان بألمانيا. فقد طالب جزء من معارضيه في المدينة باستقالته، بعد فشل ترشح المدينة لاحتضان الألعاب الأولمبية وبعد العنف الذي عرفته، إثر انعقاد قمة مجموعة العشرين. لقد كان تدبيره للملفين دليل ضعف يعاني منه شولتس، في نظر البعض.
غير أنه يعترف لشولتز الذي يتأسى بسيرة هيلموت شميث زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي تميز أولا منتخبا محليا بهامبورغ، قبل أن يصبح مستشارا لألمانيا بين 1974 و1982، بدفاعه في 2011 عن مجانبة حضانات الأطفال بهامبورغ، ما دعم شعبيته، التي زادت بفعل اقتراحه بناء 10 آلاف سكن، من بينها 3 آلاف مسكن اجتماعي.
بعد فوزه بهامبورغ في الانتخابات في 2011، تجلى في شخصيته البعد الذي نفاه عنه حتى رفاقه في الحزب، حيث كانوا يرونه خائنا لمبادئه. ففي هامبورغ، سيكشف عن توجه يساري في المشاريع ذات الطابع الاجتماعي، ما دفع الصحفي مارك ويدمان، بأسبوعية " DIE ZEIT"، إلى القوله إنه "عكس الفكرة السائدة، فقد اهتم دائما بالناس من أصحاب الدخول المتواضعة".
ارتبط اسمه بالدفاع عن فكرة الحد الأدنى للأجور، قبل الشروع بالعمل به في 2015، كما ارتبط بقانون العمل الجزئي، الذي اعتمد عندما كان وزيرا للعمل بين 2007 و2009، حيث يذهب مراقبون إلى ذلك ساهم في إنقاذ العديد من مناصب الشغل بعد الأزمة المالية لعام 2008.
ستسعف الجائحة المسار السياسي لأولاف شولتز، أشهرا بعد فشله في تولى رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث سيتخفف من حرصه على الاستقرار المالي ويضخ المليارات بهدف دعم الاقتصاد كما سيقبل بخطة الإنعاش الاقتصادي الأوروبية التي وصلت إلى 750 مليار أورو.
ستساعد الحظوة التي أضحى يتمتع بها في ألمانيا وأوروبا، على أن يكون في الصيف الماضي مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمستشارية. ترشيح ووجه بالسخرية من قبل الخصوم وحتى غير الخصوم، غير أنه تمكن، -بفضل أسلوبه في تدبير مالية الدولة وبسبب فقدان الحزب الديمقراطي المسيحي للجاذبية التي كانت تأتيه من أنغيلا ميركل- من الصعود في استطلاعات الرأي، حيث أضحى منافسا قويا لأرميد لاشيت مرشح حزب ميركل.
تمكن من الوصول إلي اتفاق للحكم مع الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي، حيث فرض الوعد الذي قدمه للناخبين بزيادة الحد الأدنى للأجور من 9,6 أورو في الساعة إلى 12 أورو، غير أنه تخلى عن فرض ضريبة على الثروة وزيادة الضريبة على الشركات، في الوقت نفسه، الذي جرى في الاتفاق تبني مطلب الخضر بخروج "محتمل" من الفحم في 2030 عوض 2038، والقبول بمطلب الحزب الليبرالي الديمقراطي القاضي بكبح المديونية وبلوغ صفر عجز موازني في أفق 2023.
لم يقدم وعودا فقط، بل إنه حرص على إشاعة صورة المرشح الذي سيواصل المسار الذي سارت عليه المستشارة أنغيلا ميركل. يذهب الصحفي الألماني لارس هايدر، إلى أنه " كل استراتيجيته بنيت على الشبه بينه وبين المستشارة". فكما ميركل هادىء وكتوم، حيث لا يعرف شيء عن حياته الخاص، باستثناء علاقته بزوجته منذ 1998 بريتا أرنست، وزيرة التربية بمنطقة براندبورغ.
سيشكل تدبير الموجة الخامسة من الجائحة ببلده ألمانيا اختبارا حقيقيا لخليفة أنغيلا ميركل، هو الذي يدعم التلقيح الإجباري. ذلك ملف حاسم في المائة يوم من عمر الحكومة، التي سيكون عليها بعد ذلك توضيح رؤيتها لطريقة التعاطي مع روسيا والصين، غير أن إعادة ترتيب البيت الأوروبي، الذي يرتهن لألمانيا سيكون ضمن أولويات الزيارة التقليدية الأولى له خارج بلده إلى فرنسا.
مقالات ذات صلة
عالم
عالم
عالم
عالم