مجتمع
"لينكولن".. شيخ الفنادق يأبى النسيان
18/12/2020 - 16:39
مهدي حبشيليست هذه أول مرة ينزف فيها "لينكولن" قطعة من جسده العجوز، إذ يتواصل أنين الفندق أمام وقوف المسؤولين عنه مكتوفي الأيدي. بالرغم من التفاؤل بشأن إنقاذه من مصيره المحتوم، منذ انتقال ملكيته إلى "الوكالة الحضرية للدار البيضاء" رسمياً عام 2012.
"نعتذر، لا أحد يرغب في الحديث حول الموضوع"، بهذه العبارة واجهت الوكالة الحضرية للدار البيضاء "SNRTnews"، وهو يستفسرها عن الانهيارات المتتالية، وعن الإهمال الذي طال أمده، حتى تحول قيدوم مباني "شارع محمد الخامس"، من شاهد على حاضرة عايش طفولتها ونموها المستمر، إلى وحش بشع يهابه أبناؤها ويتحاشونه خوفاً من رمية حجارة قاتلة، كما حدث عام 2015 حين أودى بحياة شخص كان يحتمي به من صقيع الشتاء.
كأن "لينكولن" يسأم من تركه آيلا للنسيان، ويأبى في كل مرة إلا أن يطلق صرخة مدوية، لعله يلفت الاهتمام إلى وضعه المزري. فقد أخذ يتدحرج صوب الجحيم منذ سنة 1984، التي شهدت أول انهيار لأحد أسواره. ثم تكرر المشهد سنوات 1989، 2009، 2011، 2015، ثم 2019... وكل سنة تقضم من "لينكولن" مُحوّلة إياه إلى طلل مشوه يسوء الناظرين.
وزارة الثقافة "أشفقت" عليه منذ عام 2000، وأًصدرت قرارا يقضي باعتبار واجهاته مبان تاريخية وآثاراً وطنية، قرارٌ جعل هدمه نهائياً خياراً غير مطروح. بعد ذلك بخمسة أعوام، وتحديداً عام 2005، ستعتمد الجماعة الحضرية مسطرة نزع الملكية، بعدما نشب نزاع بين مالك الفندق ووزارة الثقافة. نزاع انتقل إلى ردهات المحكمة طيلة سبعة أعوام، قبل أن تقول الأخيرة كلمتها عام 2012، آمرة بانتقال ملكية الفندق "للوكالة الحضرية للدار البيضاء"، التي تعهدت منذ ذلك الحين ببعث المبنى من رماده.
سينتظر البيضاويون سنة 2019، ليبرم اتفاق بين الوكالة الحضرية للمدينة وشركة "رياليت" الفرنسية من أجل إعادة تهيئة الفندق، تجديده واستغلاله. اتفاق كان يروم إخضاعه لعملية تجميل وتحويله لفندق ذي نجوم خمس، دون المساس بطابعه التراثي، أي بالتصميم الأولي الذي يعود لعام 1917 على يد المهندس الفرنسي "هيبير بريد"، لكن ذلك كله لم يتعدّ إلى اليوم، الحبر على الورق.
الصور البراقة التي نشرتها الشركة المكلفة بإعادة البسمة للفندق الباكي، بشرت الساكنة بنهاية كابوس بات يُهدد حياتهم في كل دقيقة وثانية. إذ يقع الفندق المهجور بمحاذاة العديد من المساكن والمحلات التجارية، ويتوعد بالأذى مستخدمي "الترامواي"، الذين يقدرون بمئات الآلاف يومياً، بحيث تتواجد محطة "مارشي سنطرال" على "مرمى حجر" من الفندق.
نظرة بسيطة على الفوضى التي خلفها انهيار دعائم المبنى، مساء أول أمس الخميس 17 دجنبر 2020، لا يترك مجالا للشك في أن الأقدار كانت رحيمة بأرواح الناس، أن حدث الانهيار في زمن "الحجر الليلي" تصدياً لتفشي الوباء. لكن شهادات المواطنين لا تخفي قلقهم من أن يكف القدر عن حمايتهم ذات يوم، أمام عدم الإسراع بإصلاح الفندق حفاظاً على قبسٍ من ذاكرة المدينة...
مقالات ذات صلة
مجتمع
اقتصاد
مجتمع