سياسة
من عيد التذكار إلى عيد العرش
30/07/2021 - 11:18
موسى متروف
في يوم 26 أكتوبر 1934، في عهد المغفور له السلطان سيدي محمد بن يوسف، والمقيم العام هنري بونسو، أصدر الصدر الأعظم محمد المقري قرارا وزيريا "يؤسس لعيد التذكار".
ينص القرار الوزيري، في فصله الأول، على أنه "يؤسس اليوم الثامن عشر من شهر نونبر عيدا لتذكار صعود جلالة السلطان على عرش أسلافه المقدسين ابتداء من هذه السنة فصاعدا".

فكرة الوطنيين
يحكي الأستاذ عبد الحق المريني٬ مؤرخ المملكة٬ أن فكرة عيد العرش أنشأتها جماعة من الشباب الوطنيين المتحمسين الذين كانوا يقفون في وجه الاحتلال الفرنسي للمغرب ويحررون المقالات تلو الأخرى في الصحف الوطنية كـ"الأطلس" و"المغرب" و"عمل الشعب" وغيرها٬ ويدافعون فيها عن كيان المغرب ووحدته الدينية والترابية.
وقال المريني٬ في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة تخليد الشعب المغربي الذكرى 13 لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه الميامين٬ إن أول احتفال بذكرى عيد العرش بصفة غير رسمية٬ يستحضر الأستاذ المريني٬ هو يوم 18 نونبر 1933 بمنتزه جنان السبيل بفاس٬ وبمدينة سلا بمعية جماعة من شباب الرباط٬ بمقر "المكتب الإسلامي"، الذي صار يدعى في ما بعد مدرسة النهضة٬ وجرى كذلك هذا الاحتفال بمراكش بقيسارية السمارين. وأقيمت هذه الاحتفالات بعد أن مرت ست سنوات على تربع سيدي محمد بن يوسف على العرش المغربي يوم الجمعة 23 جمادى الأولى سنة 1346 هجرية موافق لـ18 نونبر 1927، خلفا لوالده السلطان المولى يوسف، الذي توفي يوم 17 نونبر 1927، بعد أن قضى 15 سنة في السلطة.
وكان من المفروض٬ يقول الأستاذ المريني٬ أن يتبوأ العرش المغربي من بعد المولى يوسف أكبر أبنائه وهو مولاي إدريس، إلا أن الاختيار وقع على أصغر أبنائه ألا وهو سيدي محمد وعمره آنذاك 22 عاما، وذلك لتميزه بذكاء وقاد ونباهة نادرة.
وأخذت له البيعة من طرف علماء ووجهاء وقضاة مدينة فاس ورجال المخزن اليوسفي بعد صلاة الجمعة بمشور الدكاكين بفاس (باب المكينة). وبعد ذلك، انتقل إلى مدينة الرباط يوم 21 نونبر 1927، هذه المدينة التي جعل منها الجنرال ليوطي٬ أول مقيم عام فرنسي بالمغرب من سنة 1912 إلى سنة 1925، عاصمة للمغرب لموقعها الاستراتيجي على شاطئ المحيط الأطلسي٬ وإشرافها على الطرق الرئيسية المؤدية لفاس ووجدة ومراكش وأكادير.
ثم أقام جلالته حفلا كبيرا بالقصر الملكي بالرباط بحضور رجال المخزن ووجهاء الدولة والمقيم العام الفرنسي الثاني تيودور ستيغ، الذي خلف الجنرال ليوطي سنة 1925 قبيل نهاية الحرب الريفية٬ وتبادلا الخطب بهذه المناسبة.
الطابع الرسمي
وأضاف المريني أنه في سنة 1934، أي سنة الذكرى السابعة لجلوس سيدي محمد بن يوسف على عرش أسلافه المنعمين٬ أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية٬ إذ صدر قرار وزاري أصدره الحاج محمد المقري الصدر الأعظم (وهذا اللقب الذي كان يطلق على الوزير الأول في الحكومة المخزنية٬ وقد عاشر هذا الرجل خمسة ملوك من الحسن الأول إلى محمد الخامس وواكب عهد الحماية من مبتدئها إلى خبرها)، بتاريخ 16 رجب الخير 1353 هجرية موافق 26 أكتوبر 1934 بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي وقتئذ وهو هنري بونسو، الذي مكث في هذا المنصب من سنة 1933 إلى سنة 1936.
وكان هذا القرار الوزاري٬ المؤرخ بـ31 أكتوبر 1934، الذي نشر بالجريدة الرسمية يوم 2 نونبر 1934، مؤلفا من عدة بنود أهمها أن يقوم باشا كل مدينة من المدن المغربية بتنظيم الأفراح والحفلات الموسيقية٬ وتزيين المدن٬ وتوزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية٬ وأن يكون يوم عيد العرش هو يوم 18 نونبر من كل سنة٬ ويكون يوم عطلة بشرط ألا تلقى فيه الخطب السامية (بوصية من رجال الحماية).
ومنذ سنة 1934، يقول الأستاذ عبد الحق المريني٬ أصبح الشعب المغربي يحتفل بذكرى عيد العرش المجيد في المدارس والمعاهد ومراكز الأحزاب السياسية والجمعيات وفي الأسواق والمنتزهات٬ وتلقى فيها الخطب والقصائد الشعرية الطافحة بتمجيد الجالس على العرش المغربي وبمسعاه الحميد للعمل على رقي شعبه وإنقاذه من مخالب الاستعمار.
وأضاف مؤرخ المملكة أنه لما حلت الذكرى الفضية لعيد العرش التي صادفت يوم 18 نونبر 1952 ألقى جلالة السلطان سيدي محمد بن يوسف خطابا ساميا بالقصر الملكي بالرباط٬ كان بمثابة الشرارة القوية التي سبقت "ثورة الملك والشعب" يوم 20 غشت من سنة 1953، إذ قال فيه٬ رحمه الله٬ جملة فاصلة أحدثت اضطرابا كبيرا في وسط أركان الحماية الفرنسية ومن كان في ركبهم٬ وهي أن "الحماية مثلها كمثل قميص لطفل صغير٬ كبر الطفل ونما وترعرع وبقي القميص على حاله وبذلك أصبح غير صالح، لأن يلبسه هذا الرجل الراشد" (أي المغرب).
ولما عاد جلالة الملك محمد الخامس٬ طيب الله ثراه٬ من منفاه السحيق هو وأسرته الشريفة سنة 1955، أصبح يوم عيد العرش واحدا من الأعياد المجيدة الثلاثة: عيد العودة وهو يوم 16 نونبر، وعيد الانبعاث وهو يوم 17 نونبر، وعيد العرش وهو يوم 18 نونبر.
ولما تولى جلالة الملك الراحل الحسن الثاني أصبح عيد العرش هو يوم 3 مارس وأصبح يوم 18 نونبر هو عيد الاستقلال.

مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
سياسة