سياسة
وثائق المطالبة بالاستقلال.. الديمقراطية ثانية!
10/01/2021 - 22:31
موسى متروفيحتفل الشعب المغربي في يوم 11 يناير من كل سنة بذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية (في الواقع)، التي لم تكن الوحيدة من نوعها.
وضعت وثيقة المطالبة بالاستقلال باتفاق مع جلالة الملك محمد الخامس الذي عرف خبرها ومضمونها من لدن قادة حزب الاستقلال، قبل أن يقدمها لممثل السلطات الاستعمارية في 11 يناير 1944.
وقد اعتبر علال الفاسي، الذي كان آنذاك بالمنفى بالغابون، "أن هذا العمل كان بداية عهد انسجمت فيه إرادة الملك بإرادة شعبه. فكانت المعجزة التي يرجع لحزب الاستقلال فضل إبرازها".
لم يتقبل المستعمر ذلك الاتحاد العظيم والانسجام الكبير والتام بين الملك والقيادة والقاعدة الشعبية الاستقلالية. يقول علال عن محمد الخامس: "... بعد عودتي من المنفى بيومين، استقبلني جلالة الملك وتحدث لي عن المرحلة التي مرت بعد تقديم عريضة الاستقلال، والجهود العظيمة التي بذلها جلالته، ولم يكتم عن استعداده للتضحية بكل شيء ولو بالعرش إذا كان ذلك في صالح القضية المغربية. وخرجتُ من هذا الاستقبال وكلي يقينٌ بأن المغرب سينال مبتغاه ما دام على رأسه ملك عظيم مثل سيدي محمد نصره الله".
وتبدأ الوثيقة بقولها "إن حزب الاستقلال الذي يضم أعضاء الحزب الوطني السابق وشخصيات حرة.."، وبعبارة أوضح يقول علال الفاسي: "وهذه الوثيقة التاريخية هي البيان الأول لحزب الاستقلال العتيد وتحتوي على مطلبين رئيسيين: الأول: المطالبة باستقلال المغرب في جميع حدوده. الثاني: رعاية صاحب الجلالة لحركة الإصلاح التي تمضي بالبلاد للحياة الدستورية".
وقد وصف علال الفاسي التفاعل مع الوثيقة بقوله: "حتى استحقت هذه الظاهرة أن يعطيها مؤلفون فرنسيون عن اجتماعيات البلاد المستعمرة دليلا على وعي في الأهالي جدير بأن يقتدي به كل العاملين للتحرير في إفريقيا والشرق،(...) فكانت وثيقة 11 يناير المنارة التي ستقودنا في أحلك الأيام إلى الغاية التي نسعى لها دون خوف أو تردد".
علال الفاسي والمطالبة بالاستقلال
كان علال الفاسي، وهو في منفاه بالغابون الذي استمر لتسع سنوات منذ 1937، يكافح من أجل استقلال وطنه. وقد عبرعن هذا الفعل بقوله: "والحق أنني منذ اعتقلت حتى إعلان ثورة دوغول، لم يكن بالممكن لي أن أقوم بأي عمل.... لكن الهدنة الفيشية (Vichy) وثورة الجنرال دوغول أتاحتا لي سبيلا لرفع صوت المغرب وبذل مجهود متواضع في خدمته"، هذه الفرصة أتيحت ابتداء من 1940-1941 بعد احتلال جيوش دوغول لقرية مويلا في جنوب الغابون وهي مقر نفي علال الفاسي.
بدأت النقاشات مع رئيس العمالة الجديد الكومندان روجي الذي بشَّره بأن الحال سيتبدل وأن الثورة الغولية ستعمل على قلب السياسة الاستعمارية الفرنسية.
وبعد نقاشات طويلة طلب علال الفاسي من الكومندان روجي أن يخبرهم "إني كرئيس للحزب الوطني لا أريد إلا الوصول لما يصبو إليه الحزب من تطور وتحرير"، وبعد عودة الكومندان روجي من ، حيث بلغ رسالة علال الفاسي، بدأت محادثات جديدة أدت إلى أن طُلب منه بصراحة أن يكتب رسالة إلى الجنرال دوغول يعبر فيها عن مساندته له في قضية الخلاف الواقع بين هذا الأخير وبين فيشي ومقاومة الألمان وكذلك حول القضية المغربية. فرفض علال الفاسي التدخل في قضية فرنسية فرنسية.
أما في ما يخص مقاومة الألمان فقد أجاب علال الفاسي بقوله: " يمكنني أن أؤكد أنه ليس في المغاربة أحد يريد أن يصبح محكوما لألمانيا أو إيطاليا".
أما بالنسبة للقضية المغربية، فقال إنه مستعد للتعاون مع الجنرال إذا كان راغبا في أن يحقق أماني الشعب المغربي. فطُلب منه أن يكتب رسالة بنفس المضمون إلى الجنرال دوغول يتكلف هو(الكومندان روجي) بتبليغها إلى الجنرال بمناسبة حلوله ببرازافيل.
بين الفاسي ودوغول
يقول علال الفاسي: "كتبت رسالة للجنرال دوغول، بواسطة الجنرال سيسي، أقص عليه ما وقع بيني وبين الكومندان روجي وأقول له: إن المغرب الأقصى المرغم على استمراره في نظام من العصور الوسطى، والذي يرغب في تطور شبيه بما وصلت إليه مصر والعراق لا يمكنه أن يقبل تجديد الاحتلال من ألمانيا أو إيطاليا، وهو يعتقد أن حكومة حقيقية لفرنسا الحقيقية جديرة بأن ترضيه بتحقيق أمانيه القومية. لست أريد أيها الجنرال أن أحدد في هذه الرسالة مطالبنا، ولكني أريد أن أؤكد أنني شخصيا لا أرغب في جاه ولا مال، وإنما أرغب في مصالح وطني وحقوقه. ورئيس الحزب الوطني، المبعد منذ خمسة أعوام، لا يريد إلا أن يعرف السياسة الجديدة التي ستدشنونها في ما يخص المغرب الأقصى. إنني لا أمثل شيئا من ذاتي، وإنما قيمتي فيما أتمتع به من ثقة الشعب، وفيما أحمله لأمتي من نتائج عملكم الرسمي. إن ليوطي الذي تحترمونه لم يرتكب أخطاء نوغيس وأمثاله، وقد أعرب عن ندمه على كثير من أنواع السياسة التي اتبعها بنفسه. ولقد أيد الكثير من الفرنسيين حركتنا، فإذا كانت سياسة سعادتكم تتفق مع سياستنا نحن، فإنه من الممكن لي أن أفعل".
وصلت الرسالة إلى الجنرال الذي وعد بدراستها. بعد ذلك، كانت المذاكرات تتمحور حول إعلان الاستقلال مع إرجاء النقط الأخرى إلى وقت المذاكرة الرسمية بعد الاستقلال والتحرير. وجه المفاوض برقية لحكومة فرنسا الحرة تتضمن خلاصة المذاكرة.
في ما يلي نص البرقية: " تفاوضت مع الأستاذ علال الفاسي، وهو يقبل التعاون مع فرنسا الحرة على تحرير شمال إفريقيا من ضغط المحور بشرط الاعتراف الناجز باستقلال المغرب، والسيد علال صريح ويتكلم في استقامة ووضوح ويتمتع، زيادة على نفوذه في المغرب، بثقة كثير من زعماء العرب". مباشرة بعد ذلك، تم استدعاء علال الفاسي إلى برازافيل. وبمجرد وصوله اجتمع مع الكاتب العام بالولاية العامة. وبصدد هذا الاجتماع يقول علال الفاسي: "وكان محور حديثي يدور كله على ضرورة إعلان الاستقلال لإرجاع الثقة في فرنسا، وعلى أن ثورة الجنرال دوغول يجب أن تكون في الوقت نفسه ثورة للمغرب الأقصى لتحريره في ظل العرش العلوي من النظام الاستعماري الحاضر".
بقي علال الفاسي في برازافيل سبعة أشهر كانت فيها كثير من الاتصالات إلى أن جاء المسيو لورانسيي بهذا الخبر: "إن الجنرال دوغول غضوب مثلكم ، فقد كان يريد وضع حل للقضية المغربية باتفاق معكم، ولكن طلب الأنجليز والأمريكان إطلاق سراحكم وإعلان استقلال المغرب أحدث في نفسه تخوفات، وبعث روح الرجل الذي لا يحب أن يعمل تحت الضغط".
رغم قلة أو انعدام التواصل مع إخوانه في النضال، فقد كان علال الفاسي يستطيع أن يفكر بنفس تفكيرهم. فما قام به من مجهود ومحاولة لوضع استقلال المغرب ضمن النقاش الذي فتحه معه ممثلو فرنسا الحرة، كان بمثابة الإرهاصات الأولى وبداية التهيئ لوضع عريضة 11 يناير 1944 التي كان المطلب الأساسي فيها ولأول مرة هو الاستقلال.
وثيقة الشورى والاستقلال
بعدما تقدم الاستقلاليون يوم 11 يناير 1944 بوثيقة المطالبة بالاستقلال، جاءت الإقامة العامة إلى الملك وقالت له إن هذه الوثيقة لا تمثل الأمة كلها، لذلك نادى محمد الخامس على عبد الهادي بوطالب، الذي كان مدرسا بالمدرسة المولوية، وأخبره بما دار بينه وبين المقيم العام، والتمس منه توقيع عريضة مماثلة في أجل وجيز.
وفي صباح يوم 13 يناير، حضر وفد من الحركة القومية (الذي سيصبح اسمه خزب الشورى والاستقلال) إلى القصر حاملا عريضة خاصة موقعة من فروع الحركة بالمغرب وهي تواقيع تم جمعها في أقل من 48 ساعة، وتقدم بها إلى جلالة السلطان الذي قال لقادة الحزب: هذه العريضة لها أهمية كبيرة عندي سأستدعي المقيم العام لأقول له: ها هي عريضة الجماعة الوطنية التي قلت لي إنها غير موافقة على المطالبة بالاستقلال.
وثيقة المطالبة بالاستقلال والوحدة
ظهر مفهوم الحركة الوطنية في مدينة تطوان، وذلك من خلال تأسيس "الرابطة المغربية" في غشت 1926، عقب انتهاء حرب الريف، وكان البعد الوحدوي واضحا في هذه الوثيقة التي ضمت أعضاء من الجنوب من أمثال أحمد بلا فريج والمكي الناصري. البعد الوحدوي سيتجلى أكثر في وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تقدم بها رفاق عبد الخالق الطريس إلى الإقامة العامة الاسبانية، في فبراير 1943، والتي أطلقوا عليها: "وثيقة المطالبة بالاستقلال والوحدة".
في كتابه: "اسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية" يتحدث المؤرخ عبد الرحيم برادة عن سياق هذه الوثيقة قائلا: "عرفت المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية، أي قبل الإنزال الأطلسي في نونبر 1942 عدة تطورات منها: احتلال اسبانيا لطنجة، وإظهار ألمانيا تعاطفا مصطنعا مع الحركات الوطنية المغربية… وفي هذا الصدد، بادر الوطنيون في المنطقة، بعد إبرام الميثاق الوطني، إلى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال والوحدة في 14 فبراير 1943″.
مقالات ذات صلة
رياضة
سياسة
سياسة