رياضة
الاستقلال.. الرياضة البنت البكر للمقاومة
18/11/2020 - 21:26
يونس الخراشيإذا كانت الرياضة المغربية الحديثة فرنسية المنشأ، بإجماع المهتمين، فلا اختلاف حول مساهمتها الكبيرة في النضال في سبيل الخروج من شرنقة الاستعمار الفرنسي بالأساس.
يجمع المهتمون بتاريخ الرياضة المغربية الحديثة على أنها فرنسية المنشأ. وبغض النظر عما إذا كانت ولدت من وجدة، حيث أحدث أول ملعب لكرة القدم سنة 1907، أو في عين تاوجطات، حيث جرت أول مباراة، سنة 1913، بين الفاسيين والمكناسيين، أو من غيرها، فلا اختلاف حول مساهمتها الكبيرة في النضال من أجل التحرر من الاستعمار.
النشأة فرنسية
يؤكد الدكتور منصف اليازغي، المختص في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن المغرب لم يكن أرضا قاحلة على المستوى الرياضي، إلى أن احتله الفرنسيون. ويوضح في كتابه "مخزنة الرياضة.. كرة القدم نموذجا"، أن المغرب "ازدهرت بداخله ممارسات رياضية شعبية، لكن ملامحها ستندثر وتتلاشى بفعل إقحام رياضات عصرية".
ويسايره في هذا الطرح الباحث عبد الله رشد، في كتابه "تاريخ الرياضة بالمغرب"، حين يقول إن المستعمر الفرنسي عمد إلى "منع الرياضات المتجذرة في المجتمع المغربي، مثل المصارعة والمسايفة والرماية، معتبرا إياها رياضات حربية. وجعل من الفروسية شكلا من أشكال الفانتازيا لإطلاق البارود، وقيام الفرسان بحركات بهلوانية على ظهر الخيل، وذلك لتسلية ضباط الاستعمار".
ورغم أن الفرنسيين احتكروا الفعل الرياضي، تنظيميا، بحيث كان تأسيس الفرق يمر عبر ترخيص من السلطات الفرنسية، ووفق شروط خاصة جدا، إلا أن عددا من الأشخاص المنتمين إلى النخبة المثقفة آنذاك، تحايلوا على القوانين، مؤسسين بذلك أولى الفرق الرياضية، مؤملين تأطير الشباب المغربي، وتوعيته بالظرفية التي تعيشها البلاد، في أفق انخراطه في المجهود المبذول لأجل التحرر من الاستعمار.
ولئن كانت مدن المغرب الكبرى، حيث تركز الوجود الفرنسي بقوة، قد شهدت نشأة أولى الفرق الرياضية، وبخاصة فرق كرة القدم، بالنظر إلى شعبيتها، حينها، عبر العالم، فإن أبرز الفرق كانت تلك التي أسسست بمدينة الدار البيضاء، وصار لها شأن كبير في كل المنافسات الرسمية، وأبرزها فريق الوداد الرياضي؛ الذي أنشأه كل من محمد بنجلون التويمي ومحمد بلحسن العفاني (الشهير بالأب جيكو).
فقد تحول هذا الفريق، حسب ما يرويه كثير من المهتمين، إلى معضلة بالنسبة إلى الفرنسيين، خاصة أنه كان يفوز بالألقاب، ويلقى الترحاب في ملاعب منافسيه، بحيث تجده مرحبا به في ملعب مدينة أخرى غير الدار البيضاء، فقط لأنه يمثل، في الوعي الجمعي للمغاربة، أمة بأكملها تتوق إلى التحرر، في حين يمثل الفريق الذي يستقبله، بعناصره الفرنسية والأجنبية، صورة للمحتل.
وبينما حاول الفرنسيون جهدهم إدماج بعض اللاعبين والرياضيين المغاربة في النسيج الرياضي الفرنسي، مثلما حدث مع العربي بنمبارك وعبد الرحمن بلمحجوب وسالم دندون وإبراهيم طاطوم، وغيرهم، من النجوم الذين لعبوا إما لفرق فرنسية أو حملوا قميص المنتخب الوطني الفرنسي؛ مثل بنمبارك وبلمحجوب، فإن ذلك لم ينجح، بحيث ظل التشبث بالوطن متمكنا، حتى شاهد المغاربة بنمبارك أول ناخب وطني بعد الاستقلال، وبلمحجوب مدربا للوداد، وعبد السلام الراضي وباكير بنعيسى يمثلان وطنهما في الألعاب الأولمبية لروما سنة 1960.
فرق مناضلة
لم يظن الفرنسيون بأن الرياضة الحديثة، التي أنشأوا قواعدها في المغرب، ستشكل حاضنة قوية للنضال والمقاومة ضد استعمارهم، وستسهم بقسط وافر في إجلائهم من البلد. والحال أن أغلب، إن لم نقل كل الفرق الرياضية التي أنشئت بالمغرب (حتى في المنطقة الخليفية) كان وراءها رجال ينتمون إلى النخبة المثقفة، وبالتالي النخبة المناضلة.
وكان طبيعيا جدا أن يهدف هؤلاء الرجال إلى توعية الشباب؛ وهم الرياضيون في هذه الحالة، بضرورة الانخراط في المجهود الوطني من أجل التحرر. ويكفي أن نعرف بأن المؤسسين الفعليين للعصبة الوطنية الحرة لكرة القدم، التي جاءت ردة فعل قوية على الجامعة الفرنسية لكرة القدم؛ صاحبة البطولة الرسمية حينها، هم أحمد اليزيدي وعبد السلام بناني وعبد الرحمن اليوسفي، وكلهم أصحاب سبق في النضال والمقاومة.
يقول لحسن العسبي، في كتابه "الشهيد محمد الزرقطوني.. سيرة حياة"، "على هذا المستوى يمكن فهم الدور الكبير الذي لعبته الرياضة في حركة المقاومة المغربية. وبالتالي، إدراك معنى تأسيس الشهيد الزرقطوني لفريقه مولودية بوطويل. هو الذي كان رفقة ثلة من المقاومين يشرفون على تنظيم المباريات، والذين سيصبحون من أعضاء المقاومة المسلحة الكبار، مثل حميدو الوطني، ومولاي موح، ومحمد صدقي"، ثم يضيف:"مثلما يمكن فهم أن يكون من الوطنيين الذين أعدمتهم فرنسا لاعبون لكرة القدم، مثل الشهيد لحسن بوعيدة، لاعب مولودية مراكش، الذي صدر في حقه خلال شهر أبريل 1954، شهران قبل استشهاد الزرقطوني، حكم بالإعدام رفقة ثلاثة من مسيري ولاعبي المولودية المراكشية".
ويذهب بلخير سلام، الصحافي والباحث في تاريخ الرياضة المغربية، في كتابه "نادي الكوكب الرياضي المراكشي.. تاريخ ومسار"، في الاتجاه ذاته، إذ يقول:"في خضم الصراع الوطني ضد الوجود الاستعماري... أولت مدينة مراكش اهتماما كبيرا وعناية خاصة للميدان الرياضي كواجهة كفاحية هادفة. وكانت تزخر بالعديد من الفرق الرياضية، ومن بينها فريق النجاح الذي يعد الفريق الأصل، بل نقطة البداية والنواة الأولى لفريق الكوكب المراكشي، الذي تم إنشاؤه في إطار تنظيم رياضي مراكشي وطني محض".
كأس للعرش
انبثقت فكرة إنشاء وتنظيم منافسات كأس العرش لكرة القدم، وباقي الرياضات، من وحي وطني نضالي خالص. ذلك أن المناضلين الوطنيين، يتقدمهم عبد الرحمن اليوسفي وعبد السلام بناني، اقترحوا منافسة رياضية مغربية خالصة، تجمع العرش والشعب، معلنين بذلك الحرب على المؤسسات الفرنسية، ومؤكدين تمسك المغاربة بملكهم، وبوطنهم، وبحقهم في العيش بحرية.
ويؤكد هذا المنحى الباحث عبد الله رشد، في كتابه "تاريخ الرياضة بالمغرب"، حين يقول:"كان الهدف من تأسيس الأندية الحرة هو التجنيد المستمر للشباب المغربي، وتلقيح أكبر عدد منه ضد الاتجاهات المائعة والتفسخ واللامبالاة التي كانت تنبني عليها السياسة الاستعمارية فيما يتعلق بالشبيبة والرياضة"، مشيرا بذلك إلى العصبة الحرة، التي ستنظم منافسات كأس العرش، بحيث ستفتح المجال لتأسيس عدد كبير جدا من الفرق، وتمنحها فرصة التنافس، ولعب المباراة النهائية بالمشور السعيد بالقصر الملكي، في تجسيد مثالي للترابط الوثيق بين العرش والشعب، ونضالهما الموحد من أجل الاستقلال.
وكان ملحوظا أن الإعلام الفرنسي، والموالي له أيضا، يتجاهلان منافسات كأس العرش، في وقت تمنحها الصحافة الوطنية، التي تخضع لرقابة قبلية؛ قد تمنع بعض مقالاتها، أو تمنعها كلية، عناية فائقة جدا. وهكذا نجد، مثلا، في صحيفة العلم، ليوم 16 نونبر 1946، مقالا بارزا تحت عنوان :"تحت إشراف ولي العهد المحبوب. ستجرى الدورة النهائية لإحراز كأس العرش بين فرقة المغرب البيضاوية وجمعية النهضة الرباطية".
ويتضح من الأسماء التي كانت تسمى بها الفرق الرياضية، ومن الشعارات، مدى الارتباط الوثيق بين الرياضة المغربية حينها والنضال من أجل التحرر، بحيث كانت أغلب الفرق تسمى نفسها النهضة، والمغرب، والمجد، والهلال، وترى جملة من اللاعبين يضعون على رؤوسهم الطاقية، معلنين بذلك تشبثهم بمغربيتهم، فضلا عن أن الأقمصة كانت توشى بالهلال أو بالنجمة، في تعبير واضح وصريح عن حب الوطن والعمل لأجل تحرره.
رياضة مناضلة
يحسم حكيم غزاوي، الباحث في تاريخ الرياضة المغربية، أمره، وهو يؤكد، في كتابه "أنطولوجيا الرياضة المغربية"، بأن الفعل الرياضي المغربي ولد مناضلا، بسبب الظرفية التي جاء فيها إلى الوجود، وبفعل الغبن الذي لقيه من المستعمر. ويقول:"في تلك الأوقات العصيبة، حيث كان المغرب يطمح إلى التحرر من الحماية ليحلق بجناحيه الأصليين، قدمت الرياضة منصة هائلة للتعبير عن المطالب الوطنية... فلم تنفع العراقيل، ولا الشكليات التي وجدت لتحد من ضم مغاربة الطبقات الشعبية إلى المنظمات الرياضية. ولا الأجهزة الأمنية الرهيبة، الموضوعة في الملاعب الرياضية، تمكنت من توقيف مسيرة منتصرة لشعب بأكمله".
سأل كاتب هذه السطور باكير بنعيسى، وهو أحد أبرز رواد ألعاب القوى المغربية، ومن الذين مثلوا فرنسا دوليا في الأربعينات، إذ كان يمارس باسم نادي راسينغ كلوب باريس، في حوار سابق معه، عن عودته إلى المغرب. فقال إنه كان دائما مغربيا، حتى حين كان يركض باسم فرنسا. وحالما طلب منه تمثيل بلاده في المنافسات الدولية، لبى النداء، ولم يتأخر. وقال إن ذلك ما حدث مع غيره من الرياضيين، الذين لم يكونوا سوى واجهة نضالية لحق مغربي ناله شعب عظيم، بقيادة ملك عظيم.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
سياسة