مجتمع
الاعتدال والاجتهاد والتشاور .. مفاتيح ملكية لتعديل مدونة الأسرة
28/09/2023 - 09:20
وئام فراج
وشدد جلالة الملك، في خطاب عيد العرش لسنة 2022، على ضرورة النهوض بوضعية المرأة وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، معتبرا أن مدونة الأسرة التي شكلت قفزة إلى الأمام عند اعتمادها سنة 2004، أصبحت غير كافية، "لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها".
مدونة تقوم على التوازن
ومن بين هذه العوائق، التي جاءت في خطاب جلالة الملك، عدم تطبيق المدونة بشكل صحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة، "لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء".
و"الواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة"؛ يقول جلالته في خطابه السامي، "وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال"، يضيف جلالة الملك.
وشدد جلالة الملك على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية، "كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك"، وفق ما جاء في نص الخطاب.
وفي هذا الإطار، قال صاحب الجلالة: "وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية"، مشددا جلالته على ضرورة أن يتم هذا التعديل في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
تعميم محاكم الأسرة
كما دعا جلالة الملك إلى العمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب، مبرزا أن تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل؛ ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة.
وختم جلالته الحديث عن مدونة الأسرة، في خطابه السامي، بالتأكيد على أن تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية.
وفتح الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس سنة 2022 المجال أمام المؤسسات الحكومية المعنية وهيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين في المجال من أجل تقديم مقترحاتهم والحديث عن أبرز التعديلات التي يمكن أن تشملها مدونة الأسرة.
بدوره سبق أن أنجز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريرا، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة سنة 2022، يوصي فيه بإجراء مراجعة طموحة لمدونة الأسرة، كفيلة بحماية النساء وضمان حقوقهن.
واعتبر المجلس أنه آن الأوان لمراجعة المدونة بما يتلاءم مع مقتضيات الدستور ومضامين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبما ينسجم مع طموحات تحقيق التمكين للنساء المغربيات وتعزيز المساواة بين الجنسين المعبر عنها في النموذج التنموي الجديد.
مقاربة تشاركية
ويتعلق الأمر خصوصا، وفق ما جاء في رأي المجلس، بإعادة النظر في مسألة الولاية على الأطفال، والزواج المبكر، والأموال المكتسبة من لدن الزوجين خلال فترة الزواج، فضلا عن آجال الفصل في دعوى طلب التطليق بسبب الشقاق وغيرها من القضايا التي تتطلب مراجعة شاملة.
واعتمد المغرب، منذ سنة 2004 مدونة جديدة للأسرة مكنت من تحقيق تقدم ملموس في مجال حقوق المرأة، مقارنة مع ما كان عليه الأمر في السابق. وقد كان لهذه المدونة الجديدة أثر إيجابي ساهم في تطوير العقليات في مجال المساواة بين النساء والرجال.
وصادق المغرب، على مدى السنوات الـ19 من اعتماد هذا النص القانوني، على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما اعتمد دستورا جديدا ينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وعلى ملاءمة القوانين الجاري بها العمل مع الالتزامات الدولية للمملكة.
وبعد المكتسبات التي تحققت بفضل المدونة، يجمع المتدخلون على أنه حان الوقت لتطوير مدونة الأسرة من أجل ملاءمتها مع المعايير القانونية الوطنية والدولية.
ولهذه الغاية، وجه أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رسالة سامية إلى رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.
وأسند جلالته الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.
كما دعا صاحب الجلالة المؤسسات المذكورة إلى أن تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين.
ويرتقب أن تقوم الحكومة بإعداد مشروع قانون يتضمن هذه التعديلات، بعد عرضها على جلالة الملك محمد السادس، وتقديمه إلى البرلمان قصد المصادقة عليه.

مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
مجتمع
مجتمع