مجتمع
الهجرة.. بحث محفوف بالمخاطر عن غد أفضل
30/11/2020 - 14:30
مريم الجابريحصدت "كورونا" أرواح عدة، وكانت للهجرة السرية، كذلك، حصتها من أرواح شباب حلم بإكمال حياته في الضفة الشمالية، حيث سجلت كثافة كبيرة في محاولات الهجرة خلال أسابيع الأشهر الأخيرة من سنة 2020. وعرف شمال المغرب وجنوبه نشاطا كبيرا، خلال هذه الفترة، بحكم الموقع الجغرافي لها، حيث أجهضت المصالح الأمنية بكل من شاطئ "سيدي مغايت" و"لالة رحمة" بـأصيلة وبالعيون وطرفاية عدة محاولات، رغم ما تبع تفشي الفيروس من إجراءات احترازية، منها إغلاق الحدود.
كان السبب وراء هذه المحاولات، حسب شهادات استقاها "SNRTnews"، هو ما ترتبت عنه الأزمة الصحية والاقتصادية التي عاشها المغرب، بعد فرض الحجر الصحي في مارس المنصرم، مما أدى إلى توقيف مجموعة من الأعمال، وفقدان مجموعة من المشتغلين في المصانع والمقاهي والقطاعات غير المهيكلة لمهنهم.
جحافل أمل
في تصريح لـ"عمر"، شاب ثلاثيني، لـ"SNRTnews "، بصوت ينم على خيبة أمل يقول: "أنا أب لطفلين. فقدت عملي بعدما توقفت أنا وزملائي عن الشغل بمعمل للأنسجة كنا نشتغل فيه، بطنجة. والآن أفكر في الهجرة للخارج. لا توجد أية فرصة للعمل هنا بالمغرب. الأبواب مقفلة في وجهي، ولا خيار لي".
من جهته، يقول "عصام"، شاب عشريني، وعلى وجهه ملامح الإصرار "سنحت لي فترة رفع الحجر الصحي بإكمال مخطط الهجرة، الذي كنت أحضر له من قبل. هدفي هو تحسين وضعيتي الاجتماعية، وما يهمني الآن هو الوصول إلى الأراضي الإسبانية. سأكرر المحاولات بالرغم من كل المخاطر".
وبالمقابل، أعرب "مرتضى"، 19 سنة، عن حزنه بسبب توقف الدراسة وحرمانه من المنحة الدراسية، خصوصا أن الحالة المادية لوالديه جد ضعيفة، على حد تعبيره. وبنبرة صوت تنم عن الأمل يقول: "يوما ما، سأصل إلى الضفة الأوروبية، وسأحقق حلمي وذاتي، وسأحسن وضعية أسرتي".
حالات حية
"حرر علي العيشة"، بدموع منهمرة تقول أمينة، أم لأربعة أطفال بمدينة طنجة، لـ"SNRTnews": "ابني الأكبر يبلغ من العمر 18 سنة. أصبح لا يرى إلا أوروبا، خلال فترة الحجر الصحي، وخصوصا بعد انتشار مقاطع فيديو لبعض الشباب الذين نجحوا في عملية 'الحريك', كل يوم يذهب للميناء باحثا عن فجوة للخروج من المغرب. لم أعد أقدر على منعه".
وتقول "رحيمة"، الخمسينية، بحرقة شديدة "أنا امرأة مطلقة ولدي ابنان؛ الأكبر فيهما لديه 25 سنة. كان يشتغل مع صاحب محل لبيع مستلزمات البيت، بعدما طرده في ظل الجائحة، أُقفلت الأبواب في وجهه، وترافق مع بعض الشباب، أصبح همهم الوحيد هو الوصول إلى أوروبا".
وتعرب "نعيمة"، 45 سنة، عن حزنها وألمها بسبب إلحاح ابنها لتوفيرها المال له، وتقول "أنا أم لخمس أبناء. حياتي أصبحت جحيما، بعدما نجح صديقان لابني 'حاتم' في الوصول إلى إسبانيا، على متن زورق. الآن يطلب مني مليونين، وانا في ظل هذه الظروف لا أتوفر حتى على قوتي اليومي، علما أن والده متوفى وأنا المعيلة الوحيدة للأسرة".
آراء مختصين
صرح عبد الكبير تاغية، رئيس جمعية الساقية الحمراء للهجرة والتنمية، "أن عمليات الهجرة السرية يتم التخطيط لها بشكل شبكي، مع وجود مواطنين مغاربة يشتغلون داخل هذه الشبكات، التي تعتمد على أحدث التقنيات والتجهيزات والاتصالات على أعلى مستوى مما يساهم في إنجاح في مجموعة منها".
وأضاف تاغية "أنه رغم مجهودات السلطات الأمنية لتفكيك شبكات الهجرة، عرفت منطقة الشمال والجنوب ارتفاعا في عدد العمليات، فالسجن المحلي بالعيون يضم العشرات من جنسيات إفريقية، تم القبض عليهم في إطار تكوين الخلايا. ناهيك عن المناطق الجنوبية التي تعرف نشاطا كبيرا جدا، بحكم موقعها الجغرافي وقربها من جزر الكناري".
وقال رئيس جمعية الساقية الحمراء: "حسب ما أفادت به جمارك العيون، تم إنقاذ مجموعة من القوارب التي ظلت عالقة في الشواطئ المغربية، ومنها عمليات كانت داخل الجنوب المغربي وأخرى من دول إفريقية أخرى. فأكثر من 2500 مهاجر من العيون وطرفاية نجحوا في الوصول إلى جزر الكناري الإسبانية، خلال هذه السنة، خصوصا في ظل الأشهر الأخيرة. كما تم اقتحام بعض المنازل التي تمثل شبكات تخطط للهجرة السرية، وتمكنت السلطات من توقيف مجموعة من المهاجرين، كما صودرت مجموعة من المعدات التقنية الحديثة".
وأرجع رئيس جمعية الساقية الحمراء الأسباب المؤدية للهجرة، خلال هذه السنة، إلى الجائحة التي خربت المهن الحرة والبسيطة، والتي تضررت بشكل كبير. الأمر الذي أدى إلى تفكير مجموعة منهم في الهجرة، رغم مساعدات السلطات المدنية والجمعيات والتي لم تكن كافية، فاضطر الكثير منهم إلى الهجرة بحثا عن غد أفق أفضل وعن بديل للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي عاشه. وأكد تاغية على ضرورة إنعاش الاقتصاد، وتشجيع وتحفيز الشباب على استثمار قدراتهم وإمكانياتهم داخل البلد، مع فتح فرص للشغل.
وفي السياق ذاته يقول رضى امحاسني، أخصائي في علم النفس وأستاذ علم النفس في الجامعة الدولية بالدارالبيضاء "إن الهجرة السرية هي ظاهرة كانت منذ بداية التسعينات، عندما بدأ فرض التأشيرات على المغاربة وعلى بلدان شمال إفريقيا، ويعتبر فصل الصيف والخريف من الفصول التي تعرف حدة في المحاولات، لكن الآن، استفحلت بشكل أكبر بسبب 'كورونا' وما خلفته من فقدان مناصب شغل وانتشار للبطالة، الأمر الذي أدى بالكثير من الشباب إلى اضطرابات نفسية خطيرة".
واعتبر امحاسني أن أثمنة عملية الهجرة السرية باهظة جدا ومكلفة. وتتم بطريقة غير قانونية مما يعرض حياة مجموعة من المهاجرين السريين للخطر، باعتبار البحر الأبيض المتوسط هو الأكثر إماتة للعنصر البشري في العالم بأسره، بعد تسجيل الالاف من الأرواح التي لقيت حذفها في محاولات للوصول إلى الضفة الأوروبية".
وأوصى المتحدث "بضرورة تفكير الشباب بطريقة عقلانية ومنطقية، وأن يتم البحث على فرص داخل البلد"، مؤكدا أن "الضفة الأوروبية ليست بالفردوس، كما يعتبر الكثير، فالأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا الآن كبيرة، خنقت المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين".
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع