مجتمع
بائعو النيازك.. البحث عن ذهب السماء
25/07/2021 - 23:51
يونس أباعلي
رغم مرور شهور على "غزو" عشرات المواطنين خلاءً تقسو فيه الطبيعة على الشجر والحجر، إلا أن الأمل ظل قائما في لحظة يُذاع فيها الخبر من جديد، فكان ذلك، ليتجدد موعد اقتفاء أثر "ثروة" مزعومة.
"لم نستطع تحديد المكان بالضبط، لكننا قدّرنا حدوده، إنه يمتد لحوالي أربع كلمترات مربعة. كان يجب علينا التحرك في أسرع وقت إن أردنا إيجاد بقايا النيزك الثمينة. عند وصولنا كنا بضع أشخاص، ثم أصبحنا بالمئات في ظرف يومين. لم يكونوا فقط من الذين ألفوا البحث، فقد حجّ الجميع إلى ذلك الخلاء بين مدينتي الرشيدية وكلميمة حيث انتهى مسار شريط ضوئي قادم من الفضاء محدثا دويا"، يقول شاب اعتاد البحث عن المعادن في المنطقة.
ما حدث في شهر شتنبر الماضي لم يتكرر بنفس السيناريو، لكن الأمل دفع مواطنين، أخيرا، إلى التوجه نحو المكان نفسه لما سمعوا أن نيزكا سقط من السماء. فقد توافد إلى الطريق الوطنية رقم 10، الرابطة بين كلميمة والرشيدية، بعض الباحثين عن هذه الثروة؛ منهم من افترض سقوط نيزك جديد، فيما البعض أراد البحث عن معدن غفلته الأعين والأيادي التي مشطت المكان من قبل.
مسار تائه
قيظ ولهيب تصعب مقاومته، إذ تحس بأشعة الشمس فوق رأسك مباشرة، في تلك الأرض القاحلة العارية إلا من أعشاب وحدها القادرة على هذا المناخ الصحراوي، الذي تفاجئك رياحه الجافة في بعض الأحيان، ما يجعل جنبات الطريق تختفي في بعض المقاطع بسبب حبات الرمل.
لذلك ترى الباحثين عن هذه الأحجار النيزكية يلثمون وجوههم، قليل منهم يرتدون نظارات، لكن يعصبون جميعا رؤوسهم وأعناقهم بـ"شال" صحراوي لعله يقي من ضربات الرمل والشمس.
غير بعيد، وقفت بضع سيارات، جلها رباعية الدفع، أوصلت هؤلاء الشباب إلى المكان، تصبح ملاذا لكل من أراد الاستظلال قبل استكمال البحث، إلى أن يحل الظلام، حينها يأوي إليها أصحابها، أو يعودون بها إلى حيث أتوا.
عندما قدّر أن في تلك الرقعة قد توجد بعض بقايا النيزك، تسلّح الشاب بعصا ثبّت في طرفها مغناطيسا صغيرا، قبل أن ينطلق مقوسا ظهره بخطوات ثقيلة، ليتبع مسارا تائها في الخلاء. يركز نظره في كل ملامح الأرض التي تغلي حرّا، بحثا عن كل قطعة حجر شديد السواد بحجم صغير يلمع ليضع فوقه عصاه لعل المغناطيس يجذبه، فهذا يعني أنه فعلا حجر معدني، وإلا فيكمل مسيره الذي لا يُنهيه إلا الليل أو استنفاد طاقة الجسم. وتزداد صعوبة العملية لأن الأرض بطبيعتها الصحراوية ذات لون بني مائل للاصفرار، بشكل يجعل كل حجر يظهر أسود ويلمع بفعل لهيب الحرارة.
أمل البطالة وفسوة كورونا
بينما انطلق الشاب في رحلة بحثه، غير بعيد ظهر شابان في عقدهما الثالث، أكثر تجهيزا وجاهزية؛ سيارة ذات دفع رباعي، عليها ملصق يشير إلى أنها لمرشدين سياحيين. ليسا من أهل المنطقة، فقد أتيا من نواحي ورزازات كما يقولان: "أزمة كورونا أوقفت نشاطنا، نحن هنا بسبب ذلك، ولأننا سمعنا أن نيزكا صغيرا سقط هنا، وبما أن السياحة مازالت لم تنتعش بعد ولم يبدأ بعدُ ذلك الإقبال الذي نعتاد، قررنا أن نأتي إلى هنا مجددا، لعلنا نجد شيئا كما حدث معنا قبل أسابيع"، يقول أحدهم.
يصف الشابان كيف كانت تلك الرقعة القصية في شهر غشت الماضي؛ قدّرا عدد الذين حجّوا إليها بالمئات، أقلتهم عشرات السيارات مباشرة بعد انتشار الخبر، كانوا شيبا وشبابا، تفرقوا كلّ حسب تقديره أين سيكون ذلك الكنز. إلى أن تحولت جنبات الطريق إلى ما يشبه سوقا أسبوعية، خصوصا أن منهم من جلب معه خيمته البلاستيكية ليبيت بها في الليل ويزود فيها جسمه بما يلزم من طاقة تُستنزف بسرعة.
كانت طريقة البحث تعتمد على الانحناء إلى أقصى مستوى نحو الأرض للتحقق منها، وجمع كل حجر أسود يلمع ووضعه في الجيب أو الحقيبة، في انتظار التأكد من معدنيته. أما الذين خبروا عملية البحث فكانوا يعتمدون على عصا في طرفها مغناطيس، لجلب الحجر المعدني، وهي الطريقة التي بدأ الكل في العمل بها مع مرور الأيام.
لم يتأخر الذين كانوا أول الواصلين في إيجاد بقايا النيزك، وكذلك تكللّ الذين استمروا في البحث دون توقف، أما الذين لم يُقدّروا المكان جيدا فكان نصيبهم بضعة كيلوغرامات. ومع مرور الأيام قلّ ما يجدونه إلى أن اختفت هذه البقايا.
سعر المحنة و"النوار"
تم بيع الكيلوغرام الواحد بحوالي 1000 درهم، لكن كان ذلك في الأيام الأولى من سقوط هذه البقايا النيزكية، إذ انخفض إلى 200 درهم كأقصى سعر حاليا. وقد تمت عمليات البيع والشراء خارج الضوابط القانونية، لأن هؤلاء لا يتوفرون على رخص.
"في الأسبوع الأول من سقوط النيزك، بِعنا بثمنٍ يقارب الألف درهم، نظرا لحجم القطعة، المتوسطة الحجم، وسريعا كنا نجد ما نبحث عنه، قبل أن يقل عددها مع مرور الأيام"، يقول أحد هؤلاء الشباب الذين قصدوا المنطقة.
ويفرض القانون المنظم أداء حوالي 20 غراما من كتلة الحجر النيزكي لوزارة الطاقة والمعادن بالإضافة لرسوم التصدير. ويتوجب على كل راغب في الحصول على رخصة إيداع طلب لدى وزارة الطاقة والمعادن مرفق بنسخة من وثيقة تُمكن تحديد هوية طالب الترخيص، وصور توضح حالة موقع أشغال الاستخراج والجمع موضوع طلب الترخيص. مدة صلاحية الترخيص محددة في خمس سنوات قابلة للتجديد بطلب من صاحب الترخيص.
وبخصوص تسويق الأحجار النيزكية، إذ سواء كان الشخص مصدرا أو مستوردا، يجب عليه أن يودع لدى وزارة الطاقة والمعادن بطاقة تعريفية للنيزك وعينة منه ليحصل على وصل يدلي به عند التصريح بالتصدير أو الاستيراد لدى الجمارك.
وهو ما يدفع عددا كبيرا إلى محاولة تفادي هذا الأداء، وبالتالي الاشتغال في "النوار"، كما يشرح عبد العزيز منتصر، رئيس التنسيقية الجهوية للفاعلين المعدنيين في درعة تافيلالت، في اتصال بـSNRTnews. ويسترسل منتصر، الذي يشغل أيضا منسقا وطنيا للجمعيات المعدنية بالمغرب، قائلا إن هناك مناطق يشتغل فيها جل المعدنيين في "النوار" وتتم عملية البيع بدون مراقبة، كما حدث في منطقة كلميمة، إذ حضر أجنبي وبدأ يجول بسيارته وميزانه، لشراء ما يجده الباحثون عن بقايا النيزك، بأثمنة يُقدرها هو.
وأَضاف "لم تكن لدينا سلطة أمام تحرك عشرات الأشخاص نحو ذلك الخلاء، لكن سجلنا أن السلطات المعنية والجهوية وسلطة المعادن لم تتحرك للوقوف على العملية، وأن تبحث عن هوية ذلك الأجنبي الذي كان الجميع يلجأ إليه للبيع، لأننا نتحدث عن ثروة طبيعية وطنية يرفض القانون احتكارها".
وأكد أن جل ما عُثر عليه بيع لذلك الرجل الفرنسي (في عقده الخامس، بسيارة رباعية الدفع) فيما كثيرٌ من أصحاب الحظ حملوا ما وجدوه إلى مدن أخرى لبيعه للسياح أو للقادرين على تهريبه.

مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
واش بصح