مجتمع
"كورونا".. حين لا يطيب العيش لـ"طيَّابة"!
16/11/2020 - 08:30
مهدي حبشي"غسلتُ أدران الناس طوال أعوام، فمن يغسل همّي اليوم؟"، تساءلت عيونُها المفجوعة، وهي تنتظر بيأسٍ خبراً عن لقاح يُخترع، أو قراراً بفتح الحمامات رغم أنف الوباء.
من ينظر لجسدها النحيف، ويسمع أنينها الذي يكسر خاطر الكون كلما ضغطت وقوفاً على ركبتها المريضة، قد يستغرب كيف لها أن تنتظر عودةَ حِرفة مُنهِكة و"مُقرِفة"، كتلك التي أكسبتها قوت يومها لأربع عشرة عاماً.
ولا يحتاج المرء لأن يكون أحد الذين ولدوا بملعقة من ذهب في أفواههم كي يتساءل بجد، هل تستحق تلك الدريهماتُ التي كانت تجنيها، دون كلمة امتنانٍ في بعض الأحيان، عناءَ استخراج الأوساخ من أجساد القاصي والداني؟
"قدر الله"، بنبرة تكتنز ما في قلبها من أوجاع، قالت وهي تتساءل عن سر سوء حظها المضاعف... ففي وقتٍ خفف رفع الحجر الصحي وطأة الضائقة على نفوسٍ شتى في مستواها الاجتماعي، بقيت الحمامات ومن يقتاتون على اقتصادها موبوئين بالأزمة إلى يومنا هذا.
"النفس الحارة"، هكذا تسمي تلك الطاقة التي تحفزها على الاستيقاظ كل صباح، في وقت أحيلت قريناتها على التقاعد. طاقة تنفجر في شرايينها لدى كل نظرة أسىً تجاه ابنها المريض، وهو عاطل عن الشغل بسبب اشتداد المرض عليه وتوالي نوبات الصرع، وذلك منذ توفي والده قبل شهور.
فاضت عيناها دمعاً وهي تصف حرفتها السليبة بالـ"تسول المقنع"، فسعر الخدمة ليس له حد أدنى ولا سقف، بل يخضع لإنسانية المغتسِلة وكرمها. ومنذ أنزلت الجائحة الضيم على الحمامات، أخذت "مي رشيدة"، تتصل بزبوناتها بحثاً عن شغل كخادمة بيوت لديهن، إلى أن أقعدتها ركبتها بفعل هشاشة العظام، فصارت اتصالاتها عبارة عن استجداء عطف وصدقات..
والدعم الذي خصصته الدولة لمنكوبي "كوفيد-19"؟ لم تستفد منه، فهي أمية ومن أصول بدوية، فلم تجد من يساعدها على رفع طلب للاستفادة منه.
انطلق آذان صلاة المغرب، فقامت لتصلي، "إذا نسيني العالم فلن ينساني رب العالمين"، قالت بعبارة جازمة لا تشوبها وهلة شك. أما فضاء غرفتها التي تكتريها بحي سباتة، فيضيق عن كل نشاط، إلا عن سجدة تعظم بها ربها وتسأله اللطف في أقدارها.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
مجتمع