رياضة
ملعب محمد الخامس.. تاريخ "إصلاح الإصلاح"
09/01/2021 - 22:14
صلاح الكومريفليلة الثلاثاء الأخير، 05 يناير 2021، تحولت أرضية ملعب محمد الخامس إلى برك مائية، على هامش مباراة الرجاء الرياضي و"تونغيت" السينغالي، وصارت وحلا ثقيلا، أعادت إلى أذهان المتتبعين ما كان يسمى بـ"فضيحة ملعب الكراطة"، حين تحولت أرضية ملعب مجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط، إلى "مسبح" في 13 دجنبر 2014، على هامش مباراة "كروز أزول" المكسيكي" و"ويسترن سيدني" الأسترالي، برسم الدور الثاني لمنافسة مونديال الأندية.
أما بعض المهتمين "بالتفاصيل"، فقد استحضروا تلك الليلة الباردة ليوم الأحد 17 نونبر سنة 2002، حين صارت أرضية ملعب محمد الخامس، بكامل مساحتها، وحلا ثقيلا على الأقدام، على هامش مباراة الرجاء و"أسيك ميموزا" الإيفواري، برسم نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا، وتساءلوا مستنكرين، "ماذا تغير اليوم عن الأمس"؟
ما بين 2002 و2021، خضع ملعب محمد الخامس لإصلاحات كثيرة، ورصدت له مبالغ مالية كبيرة، ووضعت له برامج إعادة صيانة وتأهيل من شركات متعددة، وفي سنة 2016 تقرر إخضاعه لـ"إصلاحات شاملة"، لجعله قادرا على استيعاب ضغط المباريات، وجُهز بتقنيات حديثة تحول دون تلف أرضيته، فساد الاعتقاد أن الملعب أصبحت لديه مناعة ضد الإكراهات، خاصة المناخية، وأنه صار مؤهلا لاحتضان مباريات في بطولات عالمية، لكن بعد سويعات فقط من تساقط الأمطار يوم الثلاثاء الأخير، صارت أرضيته كما كانت عليه قبل 19 سنة، حين وصفها إدريسا طراوري، مدرب "أسيك ميموزا" الإيفواري بـ"حقل بطاطس".
بداية الإصلاح
يوم الثلاثاء 02 فبراير 2016 توصل فريقا الوداد والرجاء الرياضيين بمراسلة من شركة "الدار البيضاء للتنشيط والتظاهرات"، تخبرهما بعدم إمكانية خوض مبارياتهما في ملعب محمد الخامس، بداعي خضوعه لأشغال "إعادة التأهيل والإصلاح" تحت إشراف شركة "الدار البيضاء للتهيئة"، وفي الأسبوع ذاته من السنة ذاتها باشرت الشركة الأخيرة المرحلة الأولى من "الإصلاح الشامل"، باقتلاع الكراسي السابقة ذات اللونين الأحمر والأخضر، وهي الكراسي التي تم تركيبها خلال فترة إصلاح الملعب سنة 1999، في إطار ترشح المغرب لاستضافة نهائيات كأس العالم "مونديال 2006".
لم يتقبل الوداد والرجاء قرار إغلاق الملعب، فسمحت الشركة، مكرهة، للرجاء بخوض مباراة أمام ضيفه شباب الريف الحسيمي في 19 مارس 2016، حينها، وجد جمهور الفريق الأخضر نفسه في مدرجات مليئة بالأسلاك الحديدية ومعدات حادة وخردة وفوضى الأشغال، وكان من نتائج اندلاع أعمال شغب خطيرة بين أنصار الفريق وفاة شخصين وإصابة العشرات.
بعد أربعة أيام من هذه المباراة، وبالضبط في 23 مارس 2016، أصدرت وزارة الداخلية بلاغا حازما، أعلنت فيه حل "الإلتراس" المساندة للفرق، وأشارت فيه إلى إغلاق ملعب مركب محمد الخامس من أجل "إعادة تأهيله لإصلاح بنيته التحتية وتحديث مرافقه الرياضية والإدارية"، حسب ما جاء في البلاغ، واضطر، حينها، فريقا الوداد والرجاء إلى الاغتراب عن المدينة، وخوض مبارياتهما في طنجة ومراكش والرباط.
الإصلاح الشامل
بعد بلاغ وزارة الداخلية في 23 مارس 2016، وجدت شركة "الدار البيضاء للتهيئة" نفسها أمام ميدان فسيح للعمل دون ضغوط من الوداد والرجاء أو جماهيرهما، وباشرت برنامج "إصلاح شامل"، يمتد على 3 مراحل، لمدة 3 سنوات، وقررت أنه بعد نهاية كل مرحلة يفتح الملعب أبوابه أمام الفريقين البيضاويين، مؤقتا، في انتظار انطلاق أشغال المرحلة الموالية.
المرحلة الأولى من الإصلاح كلفت مبلغ 10 ملايير سنتيم، حسب ما سبق وكشفته جهة الدار البيضاء-سطات في بلاغ نشرته في 07 أبريل 2017، وتميزت بترميم البنية الإسمنتية للمدرجات، وتركيب مقاعد جديدة (48 ألف كرسي)، وتركيب لوحتين إعلانيتين (الساعتين)، وتركيب نظام لمراقبة وتدبير الولوج إلى الملعب، وتركيب كاميرات المراقبة (90 كاميرا)، وتحسين التجهيزات الكهربائية والسمعية البصرية، وإعادة تهيئة وتجهيز قاعة للندوات الصحفية، وإعادة صيانة وتجهيز المستودعات ومرافق أخرى.
والمرحلة الثانية من الإصلاح شهدت تركيب إضاءة جديدة للملعب، وإعادة تعشيبه، وتهيئة جنباته الخارجية، وتركيب النظام الصوتي داخل الملعب، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد شملت تهيئة المسبح الأولمبي، وتهيئة قاعة متعددة الرياضات، وبناء المبنى الشرقي، ومركز الإيواء، والمطعم، والفندق، وتركيب معدات تقنية.
220 مليون درهم
في 30 نونبر 2015 أصدرت ولاية جهة الدار البيضاء سطات، بلاغا، أشارت فيه إلى أن ملعب مركب محمد الخامس، سيخضع لإصلاحات شاملة بتكلفة مالية تناهز 220 مليون درهما.
وجاء في البلاغ ذاته: "تم رصد ما يزيد عن 220 مليون درهم لتحديث مرافقه (ملعب محمد الخامس)، وإصلاح بنيته التحتية وتحديث تجهيزاته الرياضية والإدارية، وتأهيل الموارد البشرية لضمان حسن تسيير وتدبير وتأهيل الفضاء الرياضي والحلبة المطاطية لألعاب القوى وتتبع وصيانة تعشيب الملعب".
واستنادا إلى شركة "الدار البيضاء للتهيئة"، فإن مشروع إعادة تأهيل ملعب محمد الخامس تم تمويله بمساهمة كل من وزارة الداخلية (المديرية العامة للجماعات المحلية)، بـ40 مليون درهم، ووزارة الشباب والرياضة (الصندوق الوطني لتنمية الرياضة)، بـ130 مليون درهم، وجماعة الدار البيضاء بـ30 مليون درهم، والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بـ20 مليون درهم.
جودة الإصلاحات
ما فتئ محمد الجواهري، مدير شركة "الدار البيضاء للتنشيط والتظاهرات"، ومولاي إدريس رشيد، مدير شركة "الدار البيضاء للتهيئة"، يشددان على جودة الإصلاحات التي خضع لها ملعب محمد الخامس، وأنها قابلة للصمود لسنوات طويلة.
وفي هذا السياق، استحضر، أخيرا، بعض المهتمين في مواقع التواصل الاجتماعي، تصريحا لمحمد الجواهري، يقول فيه: "ملعب محمد الخامس هو الوحيد في إفريقيا الذي يتوفر على تقنية التصفية الذاتية للماء الموجود على عشب الأرضية، وقد تعمدنا أن نجعل أرضية الملعب مائلة بدرجة بسيطة من أجل تسرب المياه نحو حواف الملعب ثم إلى المجاري، إذن أضمن لكم عدم وجود، ولو قطرة واحدة، على أرضية الملعب الجديدة".
وحول البرك المائية، التي ظهرت في الملعب، ليلة الثلاثاء الأخير، قال محمد الجواهري، في تصريح لـ"SNRTnews"، إن كمية الأمطار التي تهاطلت يوم الثلاثاء كانت كثيرة جدا، ولم يسبق للمدينة أن شهدتها منذ سنوات، مشيرا إلى أن كمية التساقطات ما بين الرابعة عصرا والتاسعة ليلا من اليوم نفسه، تجاوزت 30 مليميتر، وهذه الكمية تفوق طاقة تحمل نظام تصريف المياه الخاص بالعشب، لهذا، يقول المتحدث ذاته، فإن أرضية الملعب كانت تحتاج لسويعات حتى تجف وتعود لحالتها الطبيعية. وأضاف المتحدث ذاته: "بما أن هذه الكمية الكبيرة من الأمطار تزامنت مع إجراء مباراة لكرة قدم، إذن فقد كان من الطبيعي أن تتضرر أرضية الملعب".
واتصل "SNRTnews" بمولاي إدريس رشيد، مدير شركة "الدار البيضاء للتهيئة"، المشرفة على إصلاح وتتبع حالة ملعب محمد الخامس، غير أن هاتفه ظل يرن دون مجيب.
إصلاحات متوالية.. لكن!
في 06 مارس 1955، أعلن، رسميا، الانتهاء من تشييد الملعب تحت اسم الملاكم الفرسي/الجزائري "مارسيل سيردان"، وفي السنة الموالية، بعد استقلال المغرب، تم تغيير اسمه لـ"الملعب الشرفي"، (سطاد دونور)، وقتها، كانت طاقته الاستيعابية تتسع لـ30 ألف متفرج فقط، وبعد ذلك تم رفعها لـ67 ألف متفرج، خلال بناء المدرجات، في أكبر عملية تحديث شهدها الملعب، في الفترة الممتدة ما بين 1970 و1981، استعدادا لتنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983.
سنة 1999، سيدخل الملعب ثاني أكبر مرحلة إصلاح وتحديث، وهذه المرة في إطار الترويج لملف ترشح المملكة لاحتضان نهائيات كأس العالم "مونديال 2006"، إذ سيتم تزويده بكراسي مرقمة، ذات لونين أحمر وأخضر، وستعاد تكسية أرضيته بعشب، قيل وقتها، إنه عالي الجودة، وسيتم إصلاح وتحديث جميع مرافقه، حتى يصبح مطابقا للمعايير الدولية، ولكي يكون في أبهى حلة خلال زيارة وفد من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، قام بها في أواخر سنة 1999، على هامش مباراة "الديربي" بين الوداد والرجاء، برسم الجولة 10 من منافسات البطولة، وانتهت بالتعادل (0-0).
خلال هذه المباراة، التي حضرتها عشرات وسائل الإعلام الدولية، لاحظ مسؤولو "فيفا" بعد أرضية الملعب عن المدرجات، وأخبروا المسؤولين المغاربة أن المسافة بين الأرضية والجمهور لا تتطابق مع المعايير المعمول بها دوليا، كما نبهوهم إلى أن الأعمدة الكهربائية الأربعة (تم إزالتها في الإصلاح الأخير) تحجب الرؤية عن المتفرجين.
بعد إصلاح 1999، وبعد زيارة وفد "فيفا"، وبعد توالي استضافته للمباريات، سيكتشف مسؤولو مجلس المدينة أن الملعب به عيوب واختلالات تقنية، خاصة في أرضيته، إذ أن الشركة التي تكلفت بالعشب، وكانت أجنبية، ضغطت على التربة زيادة عن اللزوم، واستعملت عشبا نبت في بيئة مناخية مغايرة لمناخ المغرب، ولا يحتمل حرارة فصل الصيف، لهذا تقرر إخضاعه لإصلاحات جديدة بتغيير أرضيته، من جديد، وأعيد افتتاحه سنة 2001، على هامش مباراة "الديربي" مرة أخرى.
في انتظار الملعب الكبير
في كل مرة تقرر السلطات إغلاق ملعب محمد الخامس من أجل الإصلاح، يعود الحديث عن الملعب البديل، أي مشروع ملعب البيضاء الكبير، الذي قيل إن أشغال بنائه ستنطلق سواء فاز المغرب بتنظيم المونديال أو لا، وقيل، في ملف ترشح المغرب لاستضافة نهائيات 2026، إنه سيكون متنفس الفرق البيضاوية لخوض مبارياتها.
وحسب ما تضمنه ملف ترشح المغرب لاستضافة مونديال 2026، فإن أشغال بناء ملعب البيضاء الكبير، كان من المفترض أن تنطلق في يوليوز 2018، على أن تنتهي ويصبح الملعب جاهزا، تماما، في مارس 2025، بل إن اللجنة التي عُهد لها بتمثيل الملف المغربي، أصدرت بيانا، منتصف شهر يونيو 2018، تؤكد فيه أن "المملكة ملتزمة بإنجاز جميع المشاريع التي قدمتها في دفتر تحملاتها إلى الاتحاد الدولي".
ومن بين ما جاء في بيان اللجنة ذاتها: "في ظل القيادة المستنيرة لجلالة الملك، فإن المملكة المغربية مصممة على مواصلة مسارها، وسوف يتم إنجاز المشاريع التي سطرناها في ملف الترشح".
وللتذكير، فقد ظهر مشروع الملعب الكبير للدار البيضاء سنة 1998، خلال ترشح المغرب لاستضافة كأس العالم 2026، وتقرر، وقتها، تشيده في بوسكورة، ضواحي المدينة، وبعد الفشل في سباق احتضان النهائيات، أهمل المشروع، وعللت السلطات ذلك بأنه من غير الممكن تشييده في بوسكورة بسبب فرشاة مائية تمر تحت المنطقة، وبعد الترشح لتنظيم مونديال 2010، تزحزح الملف من مكانه من جديد، وتقرر تشييد الملعب في منطقة سيدي مومن، على أرض ليست محفظة، وبسبب مشاكل إدارية، تم تحويل وجهته نحو الهراويين، ثم إلى بنسيليمان، في منطقة "البسابس".
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
رياضة