رياضة
دونور .. ملعب الأساطير
29/03/2022 - 16:09
يونس الخراشيولد ملعب الدار البيضاء كبيرا، بداية الخمسينات من القرن العشرين. ورغم أنه أنشئ في منطقة كانت عبارة عن حقول وأحراش، في ما سيصبح لاحقا مركز حي المعاريف، إلا أنه سرعان ما صار موضع جذب لكل عشاق الرياضة، وغيرهم أيضا.
فقد كان البيضاويون، ومن يأتون إلى العاصمة الاقتصادية، في تلك السنوات، يقصدون ملعب "فيليب"، وسط المدينة، ليشاهدوا مباريات كرة القدم. ثم إذا هم يغيرون وجهتهم نحو ملعب "مارسيل سيردان"، وهو الاسم الأول الذي أطلق على ملعب مركب محمد الخامس حاليا (في عدد الجريدة الرسمية رقم 819، بتاريخ 7 أبريل 1950، يوجد الحديث عن "ملعب شرفي"، وفي العدد 11736 من يومية "لو بوتي ماروكان" (Le Petit Marocain)، بتاريخ 07 مارس 1955، يوجد الحديث عن ملعب مارسيل سيرددان (Marcel Cerdan)". .
في شريط فيديو قصير، ونادر، بالأبيض والأسود، على موقع "يوتيوب"، يظهر بناؤون وهم يغطون قضبان الحديد الصلب الغليظة والمتشابكة بالإسمنت المخلوط بـ"الكياص" (الخرسانة). ثم تظهر العلامات الأولى لإقامة غطاء المدرجات الشرفية، والتي كانت الوحيدة، حينها، في الملعب.
لقد كان بناء ملعب بذلك الحجم، وبتلك الطريقة، في تلك الأثناء، تعبيرا عن الرغبة في تأبيد الحماية. وبالنسبة إلى محمد لبصير، اللاعب الدولي السابق، وأحد الذاكرات الرياضية البارزة في المغرب، فالقطعة الأرضية التي بني عليها ملعب الدار البيضاء تعود إلى الملاكم الفرنسي الشهير، "مارسيل سيردان". يقول لبصير:"السر في التسمية لا نقاش فيه، وهو أن الملعب سمي بمارسيل سيردان تكريما للملاكم الشهير، ابن مدينة الدار البيضاء، الذي توفي في حادثة سقوط طائرة سنة 1949، خاصة أنه هو من كان اشترى القطعة الأرضية، ومنحها للسلطات المحلية لكي تقيم عليها ملعبا".
الوثائق الرسمية تقول العكس. ويؤكد القرار الوزيري، المنشور في العدد 819، بتاريخ 7 أبريل 1950، والموقع من قبل محمد الحجوي، نيابة عن الصدر الأعظم (الذي اطلع عليه وأذن بنشره، بتاريخ 12 أبريل 1950)، وكذا الوزير المفوض، المعتمد بالإقامة العامة، فرانس لاكوست، بأن القطعة الأرضية، التي بني عليها ملعب مارسيل سيردان، تعود إلى كل من السيد ميشال كاسطون وومدام ميشيل كيي، الزوجة، وفابر بيير، ومدام كالسيا طيريز، الأرملة، ووأميكليو، وألبيرطين لوشفانطون إيم أميكليو وأولادها، رولان وجوزيان، ومفيلو، زوجة لوشفانطيون.
ولم يكن ملعب الدار البيضاء وحده الذي سمي، حينها، باسم الملاكم الشهير، "مارسيل سيردان"، بل ملعب الجزائر أيضا. فالملاكم "سيردان"، صديق الجوهرة السوداء، العربي بنمبارك، وأحد من حملوا قميص المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، كان قد أصبح بطلا عالميا، بتغلبه، يوم 21 شتنبر 1948، على الأمريكي، "طوني زيل"، في "جيرزي سيتي"، بالولايات المتحدة الأمريكية. وصار اسمه، بالتالي، رديفا للشهرة عبر العالم.
أما وفاته، وبتلك الطريقة المأساوية، وقد سقطت الطائرة التي كانت تقله من أمريكا إلى فرنسا، إذ استعجلته حبيبته المغنية، إيديث بياف، ليلقى حتفه بجزر الآصور، ويدفن بمقبرة ابن مسيك، فزادت من شهرته، بل حولته إلى واحدة من الأساطير.
طرْحُ السؤال عن السبب وراء بناء ملعب محمد الخامس، أو مارسيل سيردان في البداية، يعد أمرا مشروعا لأسباب وجيهة، ضمنها على الخصوص أن فرنسا كانت منهكة، في تلك الأثناء، بفعل خروجها من الحرب العالمية الثانية، بعد أن كان جزء كبير منها مستعمرا من قبل النازيين، فضلا عن عثراتها الكبيرة في الهند الصينية، والضربات الموجعة التي لقنتها لها المقاومة في المغرب (ستنفجر المقاومة المغربية سنة 1953 إثر نفي الملك الشرعي المغفور له محمد الخامس).
يقول الدكتور منصف اليازغي، المختص في المجال، إن السبب الوحيد، والوجيه، الذي تقدمه الوثيقة التاريخية، هو ذلك الذي ترتب عن خسارة الحرب ضد النازيين، واحتلالهم لجزء كبير من فرنسا. ويضيف: "الواقعة طرحت على الفرنسيين سؤال كيف وقع هذا؟ ولماذا؟ وما هي الأمور التي يتعين فعلها لتجاوز الوضع، ولكي لا يتكرر أبدا. وهنا، توصل الفرنسيون إلى أن ما وقع جاء نتيجة ركون الشباب إلى اللهو، وإحجامهم عن التريض". (يمكن الرجوع إلى كتابه "السياسة الرياضية بالمغرب (1912-2012). 2017، مطبعة الريف بسلا، ط 1، ص 38 و39 و173).
ويوضح اليازغي في السياق نفسه، قائلا: "جاءت زيارة المندوب العام للتربية العامة والرياضة، جون بوروترا، إلى المغرب، ما بين 18 و23 أبريل من سنة 1941، من أجل الترويج لمشروع "الميثاق الرياضي". هذا الأخير تم اعتماده بفرنسا سنة 1940، تحت إشراف رئيس حكومة فيشي الفرنسية الماريشال فيليب بيتان، وتقرر اعتماده في المستعمرات الفرنسية ما وراء البحار"، ويضيف: "وتميزت هذه الزيارة، التي اندرجت ضمن حملة الدعاية الفرنسية للدور الجديد للرياضة، بلقاء جون بوروترا بالراحل محمد الخامس بالدارالبيضاء، وزيارته لكل من الرباط والدارالبيضاء ومراكش ومكناس وفاس، وهي المدن التي شهدت تنظيم احتفالات ومنافسات رياضية جمعت منتخبات مغربية مكونة من بعض الفرنسيين المقيمين بمنتخبات فرنسية في مختلف الرياضات".
وتقرر عقب زيارة بوروترا، حسب اليازغي، "تخصيص ميزانية للتجهيزات الرياضية بمدن الدارالبيضاء والرباط وفاس ومكناس ومراكش على الخصوص، من بينها 60 مليون فرنك فرنسي لمدينة الدارالبيضاء ونواحيها، على مدى ثلاث سنوات، إذ تم توجيه العمل صوب الملاعب المدرسية في إطار سياسة القرب من المؤسسات التعليمية، وبناء ملاعب متوسطة وقواعد بحرية للرياضات المائية. وأفصح حينها غلاسير، المدير العام للتجهيزات الرياضية الفرنسية، بأن هذه الميزانية لن توجه إلى شراء المعدات الرياضية نظرا لقلة الوسائل الضرورية، بقدر ما ستوجه للبنيات التحتية، مشيدا بالدور الذي تلعبه المبادرة الخاصة في السد الجزئي للنقص الحاصل في هذا المجال".
في السياق ذاته، يوضح الدكتور منصف اليازغي بأن الحماية كانت حاسمة في الموضوع، ويقول: "من جهة ثانية، وضمن مخطط العصرنة، الممتد ما بين 1949-1953 بالمغرب، تحت إشراف الحماية الفرنسية، تم التنصيص على توفير بنية تحتية رياضية تتماشى مع الأهمية التي يأخذها القطاع الرياضي في البلاد. وتمثلت حصيلة هذا المخطط في تهيئة 56 ملعبا رياضيا و43 ملعبا لكرة القدم و67 مسبحا".
لقد جاء إنشاء ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء في سياق معين، وهو سياق مرتبط أساسا برغبة فرنسا في استرجاع قوتها، على ترابها، وفي ما كانت تعتبره امتدادا لها (مستعمراتها). وما يؤيد ذلك هو المبرر الذي قدم، من خلال الجريدة القرار الوزيري القاضي بإنشاء الملعب، إذ يقول:"في التصريح بأنه من المصلحة العمومية والأمور المستعجلة إحداث ملعب شرفي بالدار البيضاء، وفي نزع قطعتي أرض لازمة لهذا الغرض... بمقتضى الظهير الشريف، المؤرخ في 09 شواء 1332، الموافق 31 غشت 1914، المتعلق بنزع الملكية لأجل المصلحة العمومية".
فوق أنه كان أحد أبرز الإنشاءات في زمنه، مستهل الخمسينات من القرن الماضي، بالدار البيضاء، وبالمغرب، فإن تصميمه، وشكله، وبناءه، والمواد التي خصصت لإنشائه، كلها أشياء جعلت من ملعب محمد الخامس معلمة بالفعل. ويكفي دليلا على ذلك أن وثيقة فرنسية (محصل عليها من موقع gallicia.bnr.fr)، توضح بأن الإنشاء شكل، في وقته، رقما قياسيا عالميا، بـ36 ألف متر مربع بنيت من الخرسانة، وهمت غطاء المدرجات، و34 مترا من الحاملات الفوقية، التي تتحمل الغطاء.
ولم يكن مهندس المشروع الكبير، الذي بدأت الأشغال الخاصة بإنشائه شهر مارس 1950، سوى أشيل دانكلتير (Achille Dangleterre)، من مواليد مدينة الدار البيضاء، بتاريخ 29 نونبر 1907، الذي صمم كنيسة نوتر دام الشهيرة بالعاصمة الاقتصادية (الموجودة بشارع المقاومة الذي يمده شارع الزرقطوني)، وينسب إليه، أيضا، تصميم برج الساعة، الموجود على مدخل المدينة القديمة (كان موجودا وسط الشارع في ما سبق).
وخصص المهندس دانكلتير 30000 مقعدا للجمهور، في ملعب محمد الخامس (صممه من البداية على أساس أن يكون ميدانا يحتضن مباريات كرة القدم والريكبي وألعاب القوى، فضلا عن تظاهرات أخرى). وجعل له مرآبا خاصا بالسيارات الرسمية، فضلا عن "محطة طرقية" تخص الحافلات العمومية. كما صمم ملاعب أخرى، لإجراء مباريات في التنس، وكرة السلة، والكرة الطائرة، والمسايفة، والملاكمة، محاطا بميادين، وملاعب مخصصة للتصفيات.
ووسط المدرجات، التي صممها المهندس دانكلتير على شكل "أمفيتياثر" (Amphithéâtre)، خصص 700 مقعد لتكون عبارة عن منصة شرفية، توجد فيها منصة خاصة بالصحافيين، متكونة من 70 مقعدا، تفضي إلى فاصل عميق ما بين المدرجات والملعب، وضعت لكي تحمي اللاعبين، والرياضيين عموما، من حماس الجمهور.
وكان مقررا للإنشاءات، كما قدر لها المهندس دانكلتير، على أساس دراسة ساعده فيها كل من لوسيي، ومكتب هينيبيك وزييغلير، أن تقام بما قدره 5500 متر مكعب من الخرسانة، التي ستعتمد على 790 طنا من الصلب، على أن يعهد بالشطر الأول من الإنشاء إلى شركة وييري، وتهم "المحطة الطرقية"، والمدرجات، والحوامل (الأعمدة الحاملة للسقف / الغطاء).
عندما افتتحت المنشأة الكبيرة؛ ملعب محمد الخامس (مارسيل سيردان / ملعب الشرف / الملعب الشرفي)، يوم 06 مارس 1955، وضعت جريدة "Le Petit Marocain" صورة جوية للمجال، تفي بالغرض، وهو توضيح مدى شساعة الميدان، وعظمة البنيان. بحيث يظهر الملعب، فضلا عن محيطه، ولا سيما مرآب السيارات، حيث تصطف المئات منها جنبا إلى جنب، بما يوحي أن هناك جماهير غفيرة جاءت تتابع المباراة الافتتاحية.
كان الخبر رئيسيا، ويوضح بأن الأمر يتعلق بحضور 20 ألف متفرج، جاؤوا لكي يحضروا يوما تاريخيا، يتعلق بافتتاح ملعب غير مسبوق من حيث إنشاؤه، ومن حيث قيمته أيضا، وهو يذكر بملاكم، ورياضي، ملأ الدنيا وشغل الناس، سواء بمسيرته الرياضية، أو بحياته الخاصة، أو بنهايته المأساوية، وهو مارسيل سيردان.
يقول عبد القادر زيدان، مؤرشف للرياضة المغربية، إن أغلبية الذين حضروا نهاية مسابقة كأس العرش الأولى في مرحلة الاستقلال، وكان معظمهم نسوة، جاؤوا لغرض واحد، "مشاهدة الملك محمد الخامس". ثم يشرح : "كان النهائي تحت الإشراف الشخصي لجلالة الملك حينها، وكانت تلك مناسبة فريدة بالنسبة إلى سكان الدار البيضاء، وخاصة الذين لم يتمكنوا من مشاهدته أثناء العودة من المنفى. كان يوما لا ينسى، فحتى المباراة بين الوداد الرياضي ومولودية وجدة دخلت التاريخ من بابه الواسع، ورسخت ذكراها في ملعب مركب محمد الخامس، الذي كان اسمه مارسيل سيردان، ثم الملعب الشرفي".
لا خلاف بأن المباراة الأولى التي احتضنها الملعب، عند افتتاحه، يوم 06 مارس 1955، هي التي جمعت بين الفريقين الفرنسيين نيم ونانسي، عن كأس فرنسا. ويقول زيدان: "وفي مباراة رفع الستار واجه منتخب الشاوية نظيره منتخب الغرب، وهي المباراة التي آلت إلى منتخب الشاوية بثلاثة لواحد، سجل منها ديدي هدفين وهريرة هدفا واحدا"، ثم يستطرد: "في سنة 1956 سيصبح الاسم الجديد للملعب هو الملعب الشرفي. ما زلت أذكر جيدا أننا كنا نصطحب معنا شيئا نجلس عليه في الجهة المواجهة للمنصة الشرفية، فلم يكن تمة إلا التراب. فلا مدرجات، ولا أي شيء".
محمد لبصير، أحد الذين كتب لهم القدر أن يلعبوا في الميدان حين كان يحمل اسم "الملعب الشرفي"، يقول: "كانت مباراة لا تنسى. كنت ألعب حينها بقميص نادي الفتح الرباطي، وأجرينا المباراة النهائية لمسابقة كأس العرش ضد نادي المولودية الوجدية"، يتوقف ليتذكر شيئا بعينه، ثم يواصل: "جرى ذلك النهائي بالحضور الشخصي لجلالة الملك محمد الخامس، وولي عهده الأمير مولاي الحسن، وبحضور ضيف المغرب الكبير الملك الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية. غير أننا لم نكن محظوظين، فقد ضيع اللاعب العلمي ضربة جزاء، في حين أفلح اللاعب الوجدي، عبد الغني المدني، في إحراز ضربة الجزاء لفائدة المولودية. وهكذا ضاعت منا الكأس الغالية، وإن سجلنا اسمنا في السجل الذهبي للمسابقة، مثلما سجلناه في مركب محمد الخامس، في يوم لا ينسى أبدا".
ويأتي ملعب مركب محمد الخامس بالدار البيضاء في المرتبة الثانية من حيث احتضانه لنهاية مسابقة كأس العرش، بمجموع 24 نهاية، يلي في ذلك ملعب مركب مولاي عبد الله بالرباط الذي احتضن 27 نهاية. غير أنه الأول من حيث المباريات المتوالية، ذلك أنه احتضن 15 نهاية متتالية بدءا من نهائي موسم 56-57 وحتى نهائي موسم 70-71. أما آخر نهاية جرت على أرضيته، فهي تلك التي كانت عن موسم 93-94 بين الوداد الرياضي وأولمبيك خريبكة، وانتهت لفائدة الوداد بهدف لصفر، وقعه اللاعب مصطفى المستوري.
مباريات أخرى كثيرة تشرفت بأن تُجرى في ملعب مركب محمد الخامس، وأسهمت في صنع الأسطورة البيضاوية. وهي فوق أن تعد وتحصى، لعل من أبرزها تلك التي جرت ضمن منافسات دوري كأس محمد الخامس ودوري كأس الحسن الثاني، مضافا إليها مباريات دولية مهمة للمنتخب الوطني، ومباريات تكريمية للاعبين من الطراز الرفيع، دون أن ننسى مباريات الديربي البيضاوي، وضمنها تلك التي جرت شهر نونبر 2019.
في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وحين شهد الملعب توسعة همت المدرجات، فضلا عن إنشاء قاعتين مغطيين في الجهة المقابلة، استعدادا لاحتضان الدار البيضاء لألعاب البحر الأبيض المتوسط، سنة 1983، سيشهد تغييرا آخر لاسمه، ليحمل هذه المرة اسم الملك الراحل محمد الخامس (أكدت مصادر من مجلس المدينة، التي تدبر شؤون ملعب مركب محمد الخامس، بأن المهندس الذي عهد إليه بإنشاءات التوسعة، اسمه لويس غيو، وهو من مواليد 18 أبريل 1919، وكانت له بصمات كثيرة في مدينة أكادير على الخصوص، فضلا عن بصمات أخررى في مدينة الدار البيضاء).
يقول فريد لمير، المدير السابق للملعب:"كان الملعب في بدايته، حين حمل اسم مارسيل سيردان، تكريما للملاكم الشهير، يقوم، بالأساس، على "الكاسكيطة" (المدرجات المغطاة، المسماة المنصة الشرفية). وكلما كان الأمر يستدعي استقبال جمهور كبير، لجأ المعنيون إلى إضافة مدرجات مؤقتة. ثم جاءت التوسعة الأهم نهاية السبعينات، وأصبح الملعب بحلته المعروفة إلى حدود اليوم (إضافة المدرجات الجانبية، ومدرجات الكرياج)".
يقوم المركب على مساحة تقدر بـ12 هكتار (12262 متر مربع بالضبط/ الرسم العقاري 5387 د)، وهي المساحة التي تتضمن ملعب كرة القدم، والملعب الملحق، فضلا عن القاعتين المغطيين (إحداهما للرياضات المتعددة؛ كرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة، وفنون القتال، والجمباز، والمسايفة وغيرها، والثانية للسباحة والغطس)، وإن كانت الأخيرتان تتبعان من حيث الملكية والتدبير المباشر لوزارة الشباب والرياضة، فيما يتبع الملعب في ملكيته لمجلس المدينة، وفي تدبير أنشطته لشركة التنمية "كازا إيفنت".
أما أرضية ملعب كرة القدم، الخاصة بملعب مركب محمد الخامس، فتقوم على 105 أمتار في طولها وعلى 68 مترا في عرضها، وهي المساحة المتضمنة للعشب، حيث تجري المباريات. وأما فيما يخص السعة الجماهيرية، التي بدأ مشروعها بما يصل 30 ألف متفرج (التصميم الأولي للمهندس أشيل دانجلتير يؤكد رقم 30 ألف)، فصارت اليوم تبلغ 43 ألفا و800 بالضبط، وهو عدد الكراسي الموضوعة عبر مدرجات الملعب (الكراسي المرقمة).
يقول فريد لمير، المدير السابق للملعب، موضحا:"همت التوسعة الطاقة الاستيعابية، بحيث أضيفت المدرجات الجانبية، وأصلحت المنصة، كما بني الملحق، فضلا عن القاعة المغطاة التحتية (تلعب فيها رياضات متعددة، وتحتمل ألفا من الجمهور). فهذا الملعب له تاريخ كبير جدا، لا سيما أنه يحمل اسم ملك عظيم، زد على أنه شهد عدة مباريات وأحداث كبيرة جدا، يصعب على المرء أن يحصرها. ويحضرني هنا، مثلا، الألعاب العربية لسنة 1961، فضلا عن ألعاب البحر الأبيض المتوسط لسنة 1983، ومباريات كأس محمد الخامس، ومباريات كأس الحسن الثاني، وأحداث كبرى، مثل استضافته لخطاب الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني وضيفه البابا يوحنا بولس الثاني يوم 20 غشت 1985 (بحضور 80 ألفا)، وغير ذلك كثير للغاية، وعلى جانب كبير من الأهمية".
وتجدر الإشارة إلى أن دورة الدار البيضاء لألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنها ملعب مركب محمد الخامس سنة 1983، كان لها الأثر الكبير على تطور الممارسة الرياضية في المغرب، فضلا عن جماهيريتها، إذ قربت الشارع الرياضي المغربي من أنواع رياضية كثيرة لم يكن له بها دراية كافية، سيما أنها برزت بقوة في الدورة، ووصلت إلى منصات التتويج، وكان مسك الختام ذهبية كرة القدم، بفوز المنتخب الوطني على المنتخب التركي بثلاثية تاريخية.
للوصول إلى رؤية شاملة للملعب وما حوله، يتعين الصعود فوق "الكاسكيطة"؛ أي سقف المنصة الشرفية، بشبكتها الخرسانية التي تحمل السقف نفسه، حيث يبرز الملعب بمدرجاته، وعشبه، وشباكه، وكرسيي الاحتياط، وكرسي المراقبين، ومرافق أخرى كثيرة. أما في الخارج، فتظهر منطقة غاندي بعماراتها وفيلاتها، تبرز منها أشجار الأرز، ثم بقية الحي بعماراته. ولا صوت يعلو على صوت الصمت، تخدشه بين الفينة والأخرى أصوات النورس. يقول محمد بسيم، أحد المسؤولين عن تدبير شؤون الملعب:"هذا الطائر سيء، ولا يهدأ أبدا". ثم يوضح لنا الطريق إلى الأسفل، بحيث ننزل القهقرى عبر سلم حديدي صغير، لنصل إلى الطابق الثاني.
"هنا توجد قاعة المراقبة بالكاميرات، فضلا عن قاعة تدبير الصوت والإضاءة في الملعب". فأما قاعة المراقبة فمتوسطة، تفضي بزجاجها الكبير إلى الملعب، بينما شاشاتها الكبيرة، على اليسار، فتستقبل صورا من عدة مواقع، سواء من الخارج أو من الداخل، إذ يتعلق الأمر ب93 كاميرا تسعف في مراقبة المداخل، والأبهاء، فضلا عن المدرجات، وغيرها. أما قاعة تدبير الصوت والإضاءة (شريط الإشهارات أيضا)، فأصغر نسبيا، وتضم آليات الصوت والإضاءة، التي قال بسيم إنها جددت، وصارت من الطراز الرفيع (أطلقت الإنارة لأول مرة في الملعب سنة 1959، ودشنت الأمسية بمباراة بين الجيش الملكي وفريق بريطاني من جبل طارق، وآلت للجيش بخمسة مقابل اثنين). القاعة الأخيرة تطل بدورها على الملعب، عبر إطار زجاجي كبير.
للنزول إلى الطابق الأول، يتعين العبور، هذه المرة، من مدرجات خشبية ملولبة. وهناك، سنجد قاعة الإعلام، وهي قاعة طويلة وممتدة، تضم فضلا عن مدرجات وكراس، مجموعة من الواجهات المثلثة، التي تفضي بمن يجلس عندها مباشرة إلى الملعب، لتسهيل عمل الصحافيين، وبخاصة منهم صحافيو الإذاعة والتلفزيون، على اعتبار أن المنطقة عازلة للصوت. يقول بسيم: "هنا يكون صوت الجمهور أقل حدة، وهنا يشتغل صحافيون القنوات الفضائية براحة أكثر".
قال بسيم، أحد المسؤولين عن تدبير شؤون الملعب، ونحن نعبر فوق المضمار، الذي سابق فوقه كل من سعيد عويطة ونوال المتوكل وخالد السكاح ومحمد إسنكار والراحلة فاطمة العوام، وغيرهم، إن "ما وقع، مؤخرا، للرجاء، في عصبة الأبطال لا يعني أن العشب سيء، أو أن البنية مفلسة. كل ما في الأمر أن ذلك اليوم، بالذات، شهد تساقطات غير مسبوقة، مقدارها 100 ملمتر. ولو أن الفريق لعب مباراته في اليوم التالي، لكان حظه أحسن. والدليل على ذلك أن الوداد، الذي لعب في اليوم الموالي، استطاع الفوز بحصة جيدة".
وبينما كان طائر جارح يستعد للطيران، ثم راح ظله يكبر وهو يعلو بحثا عن نورس غير بعيد على سقف المنصة، ثم تقلص إلى أن صار أشبه بشعرة، بدا العشب وضاء. سألت بسيم:"ألم يكن ممكنا تغطية الأرضية لبعض الوقت؟"، قال لي، وهو يعيد تثبيت كمامته: "كلا، لم يكن ذلك جيدا. فالعشب يحتاج إلى الهواء، وأي تغطية في غير محلها، قد تودي به". ثم تركنا، وانصرف في اتجاه مقر الإدارة.
في ذلك الاتجاه بالذات، توجد مرافق كثيرة أخرى، يحتضنها الملعب، دون أن تبرز أثناء المباريات التي تنقل على شاشات التلفزيون. فهناك مركز استقبال يتكون من 28 غرفة، فضلا عن مطعم، بمطبخه، ومصبنة. وهناك أيضا مقرات لعدة جامعات رياضية (مثل الريكبي، والملاكمة، والشطرنج، والجيدو، والبادمنتون، والسباحة، والتاي جيتسو، وغيرها)، بالإضافة إلى مقرات لجمعيات رياضية (مثل جمعية تنمية ورياضة، جمعية درب غلف، وجمعية ماراثون الدار البيضاء، وغيرها). وعدا القاعة المغطاة، فهناك مسبح أولمبي، يتكون من 8 ممرات.
مسؤول بالملعب قال لنا إن عملية الإصلاح التي شاهدنا جزءا منها، في بعض جنباته، وأسفل المضافات، وعلى العشب، ستتواصل، وستهم المرافق الخاصة، مثل المسبح، والإقامة، وغيرها. وأوضح لنا، في حديثنا معه، بأن العملية تدخل في إطار الإصلاح الشامل، الذي انطلق منذ سنوات، بغلاف مالي يقدر ب21 مليار سنتيم، بمساهمة من جماعة الدار البيضاء ومديرية الجماعات المحلية، التابعة لوزارة الداخلية، ووزارة الشباب والرياضة، وجامعة كرة القدم، فضلا عن جهة الدار البيضاء سطات، وهمَّ تثبيت الكراسي، وتوسيع المنصة الرسمية، وإصلاح المستودعات، وتجهيز الشاشات الإلكترونية، وإقامة السياج المحيط بالملعب، وإنشاء الأبواب الالكترونية، وكذا تجديد الإنارة وتقويتها.
عندما كنا نغادر الملعب، تحت وابل من أشعة الشمس، وهو خال إلا من أساطيره الكثيرة، سيما تلك التي صنعتها جماهير المنتخب الوطني لكرة القدم، وفريقي الوداد والرجاء، بدا لنا "بروفايل" المنصة المغطاة أشبه بـ"فك تسماح" يستعد للقضم، بل للقصم، ومن ثم للالتهام.
ولطالما اعتبرت جماهير الدار البيضاء، بل والجماهير عبر المغرب كله، ملعب مركب محمد الخامس، "ملعب الرعب"، بفعل الهالة التي يتمتع بها، والهيبة التي يملكها. وقد شاع الوصف في إفريقيا على وجه الخصوص، وتأكد في العقد الأخير، بفعل المباريات التاريخية التي جرت على أرضيته.
ملعب مركب محمد الخامس ليس مجرد مكان يحتضن منافسات رياضية. إنه مغامرة معمارية وحضارية تتفاعل مع محيطها كل يوم. هو معلمة من معالم الدار البيضاء والمغرب.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة