سياسة
فاتح ماي .. حينما كان جلالة المغفور له محمد الخامس يشارك في الاحتفالات
01/05/2022 - 14:57
وئام فراجالحديث عن بداية الاحتفال بفاتح ماي في المملكة مرتبط أساسا بظهور الحركة النقابية بالمغرب، والتي كانت، بدورها، مرتبطة بفترة الاستعمار الفرنسي، بحيث ساهمت الحماية الفرنسية بالمغرب في بلورة الوعي النقابي في صفوف العمال المغاربة، بعدما غيرت بنيات عيش الأهالي بإدخالها نمط إنتاج عصري جديد ارتكز على عصرنة عملية الإنتاج.
وداديات واتحادات صغيرة
وتعرّف حينها المغاربة لأول مرة على المصانع والآلات الصناعية والتنظيم الرأسمالي للعمل، فبدأوا يلجؤون إلى المدن للاشتغال في المعامل مما أتاح الاحتكاك مع العمال الأوروبيين الذين وصلوا إلى المغرب حاملين معهم تقاليدهم في العمل النقابي، وفق ما رواه الباحث في تاريخ الحركة النقابية، مهدي ديوان.
وحسب ديوان، بدأت تقاليد الأوروبيين النقابية تتأطر داخل المغرب عبر تأسيس وداديات أو اتحادات صغيرة، والتي تطورت بدورها سنة 1930 لتأسيس أول تنظيم نقابي وهو فرع الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية بالدار البيضاء، "غير أنه مُنع على المغاربة في مرحلة أولى الانخراط في هذه النقابات من طرف سلطات الحماية، فيما لم يمنع ذلك انتشار الوعي النقابي بين صفوف المغاربة، خصوصا بعدما سيطر الشيوعيون على هذه النقابة، حيث بدأت تشرك المغاربة في الهياكل التنظيمية".
وكان يعد انخراط المغاربة في النقابة جريمة يمكن أن يحبس إثرها المنخرط فضلا عن النقابي الفرنسي الذي سمح له بالانخراط وظل هذا القانون قائما إلى غاية 1955.
وبالإضافة إلى ذلك، يقول ديوان في حديثه مع SNRTnews، لعبت الحركة الوطنية دورا مهما في تشكيل الحركة النقابية المغربية، حيث تضمن برنامج الإصلاحات المقدم من طرف كتلة العمل الوطني سنة 1934 طلب السماح بحق تأسيس جمعيات وأندية ونقابات وتطبيق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل على العمال المغاربة، وحصر مدة العمل اليومي في ثماني ساعات وجعل الراحة الأسبوعية إجبارية وفرض العطلة السنوية ورفع الأجور والتساوي بين العمال المغاربة والأجانب.
وفي سنة 1955 فرض المغاربة تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، رغم أن القانون الفرنسي ظل قائما إلى غاية سنة 1957 حينما تم صدور قانون يسمح للمغاربة بتأسيس نقابات، يضيف الباحث في تاريخ الحركة النقابية بالمغرب.
مشاركة ملكية
وذهب ديوان إلى أن ما كان يميز احتفالات فاتح ماي آنذاك هو مشاركة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس في هذه الاحتفالات، موضحا أن "تظاهرة عيد الشغل كانت تقام بحضور جلالة المغفور له رفقة ولي عهده، وذلك بحكم وجود مركزية نقابية واحدة بعد الاستقلال وهي الاتحاد المغربي للشغل، ونظرا لكون الوحدة النقابية كانت مسألة مقدسة، بالنسبة للنقابيين وللمؤسسة الملكية، وكان يتم التصدي بالقوة لمحاولات الانشقاق إلى غاية سنوات الستينات".
وتابع أن جلالة المغفور له الملك محمد الخامس كان يعطي مكانة كبيرة للنقابة والنقابيين بالمغرب، "إذ ظلت علاقة الاتحاد المغربي للشغل مع الملك محمد الخامس جيدة في مرحلة ما بعد الاستقلال، وكان الاتحاد يعتبر الملك المدافع الأول عن حقوق الطبقة العاملة والمساند الرئيسي لها ضد خصومها".
كما تجلت مظاهر الدعم التي قدمها جلالة المغفور له محمد الخامس، "بتقديم الدولة للمقرات وتمثيل الاتحاد في الهيئات السياسية للبلاد، واستقبال الملك للوفود النقابية التي تحل ضيفا على الاتحاد المغربي للشغل، وتعيين الأطر النقابية كممثلين رسميين للمغرب في بعض المنظمات الدولية، فضلا عن تأكيد جلالة المغفور له على الوحدة النقابية من خلال إصدار ظهير 16 يوليوز 1957، وعدم الاعتراف بمحاولة الانشقاق في بداية الاستقلال".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن الاحتفالات الأولى بفاتح ماي، كانت تتم داخل مقرات النقابات وليس عبر تنظيم مسيرات كبيرة مثل التي يشهدها المغرب في السنوات الأخيرة.
وحول تاريخ بداية هذا الاحتفال، يرى الباحث في تاريخ الحركة النقابية، أن هذا الأمر فيه نقاش ولم يتم الحسم فيه أو تأريخه بدقة، مشيرا إلى "عدم وجود أي إشارة صريحة لأول مرة احتفل فيها المغاربة بعيد الشغل، بل ظل هذا الأمر مرتبطا أساسا بالفرنسيين، إذ كان من بين أساسيات العمل النقابي، بعد تأطير نقابتهم بالمغرب، هو الاحتفال بفاتح ماي الذي كان يتم في إطار لقاءات خاصة بالعمال سواء في المصانع أو مقرات النقابات". لكن، يضيف ديوان مستدركا، "يوجد رأي يرجع الاحتفال بفاتح ماي في المغرب إلى سنة 1919، إلا أنه غير معزز بوثائق صريحة".
المطالبة بالاستقلال
وأوضح المتحدث ذاته، أن "العمال المغاربة خلدوا هذا اليوم الأممي منذ بداية تشكلهم كطبقة اجتماعية، إذ دخلت تقاليد الحركة العمالية الأممية مع دخول الرأسمالية للمغرب، في بدايات القرن العشرين فتشكلت النقابات ونظمت الإضرابات، وذلك بالرغم من القمع الهمجي الذي كان يتم من طرف الاستعمار الفرنسي والإسباني".
ولم تقتصر احتفالات فاتح ماي بالمغرب، خلال فترة الاستعمار، وفق المتحدث ذاته، على رفع مطالب نقابية فقط، بل كانت محركة للشعور القومي وكانت محطة للمطالبة بالاستقلال، "ففي سنة 1951 طرد الكاتب العام الفرنسي للاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب، بعد إلقائه خطابا في احتفالات فاتح ماي يدين فيه الاستعمار، وفي نفس السنة شارك الوفد النقابي المغربي في المؤتمر الرابع للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد في الأول من ماي 1951 بمناسبة عيد العمال العالمي حيث جاء على لسان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل فرحات حشاد :"إن لقاء قادة الحركات النقابية في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب هو بمثابة عيد للوحدة المغربية والتحرير، فبهذا العيد يحتفل الشعب الجزائري وشعب مراكش وشعب طرابلس لإقامة الدليل على أنها شعوب متحدة المرمى والأهداف ومستعدة للقضاء على الاستعمار المشترك".
وتوالت بعد ذلك الأحداث إلى حين ظهور مجموعة من المركزيات النقابية، وتنظيم مسيرات حاشدة لتخليد اليوم الأول من شهر ماي، الذي يعد يوم إجازة رسمية في حوالي مائة دولة، كما تعتبره النقابات فرصة لمراجعة أوضاع الطبقة العاملة وتقييم إنجازاتها، فضلا عن إيصال مطالبها للحكومات من أجل تحسين هذه الأوضاع وتحقيق المزيد من المكتسبات.
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة