رياضة
قطر .. مونديال يحبس أنفاس العالم
20/11/2022 - 15:11
يونس الخراشيلطالما تعرضت دول أنيط بها تنظيم كأس العالم لكرة القدم للانتقادات، لاسيما من دول غربية. حدث ذلك مرارا، خاصة حينما أسند شرف التنظيم للبرازيل والمكسيك، ثم الأرجنتين، وحتى لليابان وكوريا الجنوبية. غير أن ذلك لم يغير شيئا في المحصلة، بل نجح التنظيم، وأحرز الاتحاد الدولي تقدما مهما في تنزيل مبدأ المداورة / التناوب، بمشاركة من كانوا ينتقدون.
وحدث هذا مع قطر، التي تعرضت، منذ اليوم الأول لاختيارها منظمة لأكبر حدث كروي عالمي، لسيل من الانتقادات، التي هوى بها جياني إنفانتينو، يومين قبل حفل افتتاح مونديال 2022، إلى درك سحيق، وهو يقول للأوروبيين إن عليهم أن يتوقفوا عن إعطاء الدروس لغيرهم، بل أكثر من ذلك، قال لهم إن عليهم الاعتذار طيلة 3 آلاف سنة المقبلة عن كل الفظاعات التي ارتكبوها طيلة 3 آلاف سنة الماضية.
على أرض الواقع، كانت قطر تعد نفسها لليوم الموعود، ليوم 20 نونبر 2022، الذي أريد له أن يكون إعلانا عن أكبر حدث كروي عالمي، بملاعب صديقة للبيئة، وبطاقات ذكية للمشجعين، ومواقع إخبارية، ومواقع للتواصل الاجتماعي تنقل التفاصيل والجزئيات الميدانية، فضلا عن إحضار كوكبة من النجوم العالميين للتعليق والتحليل، وأيضا لاستخلاص الدروس من المونديال، تبقى للأجيال المقبلة.
هناك أشياء كثيرة ستحدث لأول مرة في كأس العالم بقطر، من ضمنها كونها ستجرى في الخريف، وفي حيز متقارب جدا، وفي الشرق الأوسط، وفي بلد عربي ومسلم، وباعتماد قانون جديد لخط الشرود. ليس هذا فحسب، فهذا المونديال هو الأخير الذي سيجري بحضور 32 منتخبا كرويا، بحيث ستحدث نقلة عددية في كأس العالم المقبلة، التي ستجري في كل من أمريكا وكندا والمكسيك.
سيكتشف الملايين، ممن ذهبوا إلى قطر؛ أو السعودية والإمارات، الدولتين اللتين ستستقبلان الكثير من الجماهير، بفعل الحيز الضيق للإقامات في قطر، مستثمرين بطاقة هيا؛ باعتبارها تأشيرة مفتوحة خلال ثلاثة أشهر، أن الشرق الأوسط ليس أرضا للحروب، والصحاري، والجمال، والاعتداء على المرأة، واستعمال السيوف، مثلما يظهر في بعض الأفلام العالمية، النمطية الصورة، والقائمة على فلكلرة الشرق الأوسط الكبير.
لن تشكل المباريات، رغم أنها بيت لقصيد في كأس العالم، سوى دقائق معدودات للفرجة، يمكن فعلها في الملاعب أو حتى خارجها في "الفان زون"، حيث الشاشات العملاقة، أو على الهواتف المحمولة، من أي مكان في العالم. بقية الأشياء، من اكتشاف لهذا الشرق الأوسط، بطقسه، وأجوائه، وتوابله، وثقافته، وسمائه، ورجاله ونسائه وأطفاله وشيوخه، وصخبه وهدوئه، وليله ونهاره، وبحره وبره، ووهاده، وتلك المباني الضخمة التي تبرق عليها أشعة الشمس ككواكب مجرتنا، ستكون الأهم.
لقد تغيرت أشياء كثيرة جدا عبر تاريخ المونديال. من أيام الجريدة الورقية، إلى الإذاعة، إلى التلفزيون بالأبيض والأسود، ثم التلفزيون بالألوان، إلى الأطباق، فالفضائيات، ثم عصر الإنترنيت، والدجيتال، والسمارثفون. وبينما كان الناس يحصرون اهتمامهم على المباريات، توسع اهتمامهم كثيرا جدا. فقبل أيام سدد فيديريكو فالفيردي كرة، في الدوري الإسباني، لتقفز إلى شقة أحدهم. نسي الناس جميعهم تلك المباراة، ونتيجتها، واحتفوا بتلك اللقطات التي صورها صاحب الشقة للكرة الطائشة.
من الآن وصاعدا، سيتكرر ذكر أسماء ملاعب قطر، وأسواقها، وأشيائها. وستشيع صور وفيديوهات عجيبة ومثيرة، وأحيانا طائشة، عبر السوشل ميديا، تحكي عن تفاصيل التفاصيل، بالليل والنهار. وسيفرح كثيرون بلاعبيهم، وبالأهداف الجميلة، فيما سيبكي آخرون، لأن لاعبيهم لم يستطيعوا أن يحرزوا الهدف، واضطرهم ذلك لأن يخرجوا من المنافسة مبكرا. ففي كل مونديال هناك دائما منتخب واحد يفوز باللقب، وبقية المنتخبات تشارك في إشعال الحماس، وصنع الفرجة، والبحث قدر الإمكان عن التميز. ولكل مجتهد نصيب.
بكلمات أخرى، إن كأس العالم لكرة القدم في قطر تجسيد فعلي وواقعي للعولمة ونقيضها في آن. فمن جهة هي تجسيد لثورة الإنفوميديا، وسطوة كرة القدم، واقتصاد السوق، وهي أيضا انتصار للقيم الحضارية الكونية والمحلية معا. وهذا ما أكده جياني إنفانتينو في كلمته قبل يومين، وهو يلح على أن على الغرب أن يحترم الآخرين، ويصفق لنجاحهم، وينشغل بمتعة كرة القدم عوض إعطاء دروس يستحسن ألا تصدر عنه، هو بالذات.
الكلمة الآن للجماهير التي جاءت من كل أنحاء العالم. ستصنع الحدث بامتياز. في الملاعب وخارجها أيضا. ستوثق ما لن ينسى. سترفع نجوما، وتخفض آخرين. ومن ضمنها، بالطبع، جماهير المنتخب الوطني المغربي، التي أثبتت، منذ الساعات الأولى لوصولها إلى الدوحة أنها تحب الحياة، وتصنع الفرجة. وهي جماهير، بفعل عشقها المجنون لكرة القدم، وحبها للاحتفال، ستكون خير مؤازر لأسود الأطلس في هذا المونديال، حيث ينتظر منهم أن يخلقوا الحدث، بمجموعة شابة تملك مواهب رائعة، ولديها طموح كبير، وبلا حدود.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة