رياضة
مونديال 2022 .. التاريخ ينحني للمغرب
17/12/2022 - 20:25
يونس الخراشيكان لفوز المنتخب السعودي على المنتخب الأرجنتيني، مستهل الدورة القطرية، وقع الصدمة التي استنهضت الحلم في عيون وقلوب المنتخبات غير المرشحة على الورق لأن تذهب بعيدا. أما تلك النتيجة التي راح يحققها أسود الأطلس، فكان لها وقع أكبر من الصدمة، لقد أصابت الجميع بذهول شديد، سواء المغاربة أو العرب والأفارقة، ومن يحبون المغرب ومنتخبه، لاسيما حينما راح منتخبنا يسقط الكبار تباعا، ويثبت أنه فعل ذلك بجدارة.
ولأن وليد الركراكي، ومعه طاقمه، عرف كيف يشحن لاعبيه بالطاقة الإيجابية، ويجعلهم يعيشون بنبض الأسرة المغربية الواحدة، حتى صيرهم على قلب رجل واحد، فقد تحولت المباريات إلى شيء مذهل، فوق الوصف، وعصي على الفهم. فنسي الجميع أن هذا المنتخب تغيب عن كأس العالم لفترة طويلة جدا، ولم يعد إليها إلا سنة 2018 بروسيا، ليخرج من الدور الأول. وراح الجميع يطالب بالمزيد، مرددا "سير.. سير.. سير"، حالما بما لم يكن في الحسبان، الفوز بكأس العالم.
من الناحية الفنية، كان المنتخب المغربي متميزا. فقد تميز بأسلوبه في اللعب، بحيث عرف كيف يكون صارما جدا في الجانب الدفاعي، ومتفننا للغاية في الجانب الهجومي. وحتى إن لم يسيطر على اللعب، أو تحسب لها نسب مائوية كبيرة في امتلاك الكرة، إلا أنه عرف، وبذهاء كبير، وحماسة منقطعة النظير، كيف يغلق المنافذ في وجه أعتى خطوط الهجوم، مثلما عرف، وبسحر مشهود، وفنيات جميلة، كيف يخرج الكرة من الوراء، ليصل بها، سلسة، طرية، إلى الأمام، ويحرز الهدف تلو الآخر، وفي أوقات وظروف لم يتوقعها أحد.
أما من النواحي الأخرى، تلك التي تعني اللاعب رقم 12، وهو الجمهور، فقد أصبح المغرب مضربا للمثل على المستوى العالمي. فتساءل كثيرون، بطريقة واحدة وبلغات مختلفة، من أين يأتي هؤلاء؟ وكيف يأتون بكل هذا العدد الكبير؟ ولماذا يعشقون بلدهم إلى هذا الحد المجنون، فيسافرون من بعيد، ويتجشمون العناء والمتاعب، ثم يبدون مبتسمين، وغير مبالين بأي شيء؟ وما كل هذه اللحمة بينهم، من أين جاؤوا بها؟
وراحت الأسئلة تترى أكثر فأكثر حين نزلت والدة سفيان بوفال إلى الملعب لتحتفل معه بالفوز. وشاهد الملايير، عبر العالم، عبر الشاشة الصغيرة، وفي السوشل ميديا، تلك الصور المختلفة لأمهات اللاعبين وآبائهم، وأزواجهم، وأبنائهم، يتبادلون العناق والقبل، بحيث ينحني اللاعب على رأس أمه أو أبيه، أو على اليدين، مقبلا بإجلال ومحبة وفخر كبير. ما هذه التقاليد الجميلة؟ ما هذا الحب؟ ما هذه القيم الرائعة التي جاء بها هؤلاء، فمست بشاشتها القلوب، ونالت التحايا، وهزت المشاعر؟
أصبح المنتخب المغربي لكرة القدم، بقيادة وليد الركراكي، حديث الساعة في الصحافة الدولية، وعبر المواقع الإخبارية، وفي الفضائيات، وعلى السوشل ميديا. ولم يكن وحده، بل يجري الحديث أيضا عن محيطه، وهي الجماهير، وعن المملكة المغربية، وتاريخها، وثقافتها، ورياضتها، وعمرانها. فمن النقاش حول مفهوم "النية"، إلى الغوص في اللباس المغربي التقليدي، إلى التوقف عند صورة الأم والأب، إلى الحديث بالتفصيل عن سجود اللاعبين، وردهم الأمر كله إلى الله.
في مدن وعواصم عربية وإفريقية، وحتى أوروبية، وغيرها، قال باعة في الأسواق إنهم باعوا عددا كبيرا جدا من قمصان المنتخب الوطني المغربي، ومن الأعلام المغربية. وقيل في المغرب والمغاربة، عبر الفضائيات العربية والإفريقية، ما يشبه الشعر. وأوضح محللون فنيون عالميون، يملكون العين السحرية، والشرعية التاريخية، أن المنتخب الوطني المغربي أحدث رجة في الساحة الكروية العالمية، وبصم مونديال قطر 2022 ببصمته.
وذهبت صحف أمريكية وإيطالية، ومعها نجوم كرويون عالميون، إلى ما هو أبعد، حين أكدت وأكدوا بأن مونديال قطر مغربي بامتياز. وتردد، ولمرات كثيرة، عبر الوسائط المختلفة أن الفائز الكبير بهذا المونديال لن يكون سوى المغرب. وكان هؤلاء كلهم، وغيرهم، يحققون واقعا تاريخيا لا مراء فيه، وهو الذي علمنا أن المنتخبات التي يخلدها التاريخ ليست بالضرورة هي التي تحمل الكأس الذهبية في نهاية المطاف، بل قد تكون تلك التي بكى كثيرون، ألما وحزنا، لأنها خرجت قبل الأوان، مع أنها كانت تستحق أكثر وأفضل.
ولعل الذين شاهدوا وعايشوا مونديال إسبانيا 1982، ونبضت قلوبهم للصامبا البرازيلية، بقيادة الساحر تيلي سانتانا، لم يستسيغوا، ولن يفعلوا ذلك أبدا، مغادرة الجمال والأناقة والفن والسحر والإبهار لكأس العالم دون تتويج. وبتاريخ 12 نونبر 2022، كتب فيرناندو دوارتيه على بي بي سي مقالا، بعنوان :"مونديال 1982: يوم "ماتت كرة القدم" في مباراة البرازيل وإيطاليا"، ونقل على لسان الرائع سوقراطيس، قوله:"لم أشاهد أبدا مباراة هزيمة البرازيل 3-2 أمام إيطاليا في كأس العالم 1982، أنا لست بحاجة لخوض تلك المباراة مرة أخرى". ونقل عن الجميل فالكاو قوله:"هذا الفريق خسر تلك المباراة لكنه فاز بمكان في التاريخ، أنا ممتن لكوني شاركت في واحدة من أعظم مباريات كأس العالم".
المؤكد الآن أن مونديال قطر 2022، الذي نال الإجماع على نجاحه تنظيميا وفنيا، سيبقى مؤرخا له باعتباره مغربيا بامتياز. ومعه ستبقى الذاكرة الجمعية للمغاربة، عبر العالم كله، وحيثما وجد مغربي، تحكي جيلا بعد جيل، وبفخر متجدد، عن الملحمة المغربية. وستتحول تلك اللوحة في برشلونة، باسم الأمهات المهاجرات، حيث تقبل أم حكيمي ابنها اللاعب، إلى مزار، ومثار للحكي عن منتخب وطني صنع التاريخ.
بكلمات أخرى. هناك دائما قصص تحدث رجة في حياتنا. وهذه التي كتبها أسود الأطلس فعلت ذلك بإيجابية، وجمال، وسحر. ونبهتنا إلى أننا نستطيع صنع الملاحم والمعجزات، تماما مثلما فعل آباؤنا وأجدادنا في مملكة المعجزات؛ مملكة التعايش، والتسامح، والمحبة، والتحدي الذي لا يعرف شيئا اسمه المستحيل.
شكرا أسود الأطلس، ولنواصل النجاح.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة