سياسة
التقاعد .. رهان على إصلاح صعب في 2023
27/12/2022 - 15:47
يونس أباعليتعتزم الحكومة تحقيق تقدم في مشروع إصلاح أنظمة التقاعد سنة 2023، الذي يعتبر من أكبر الملفات العالقة التي تواجهها، حيث أعلنت عن وضع منهجية عمل تعول من خلالها على حصولِ توافق مع النقابات في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة حول التوجهات الاستراتيجية التي ستحدد مسار الإصلاح.
وبحسب المنهجية التي وضعتها اللجنة المكلفة بإصلاح أنظمة التعاقد، في أكتوبر الماضي، من المفترض أن تتم مناقشة دراسةٍ تحيط بكل جوانب الإصلاح الذي تريده الحكومة شهري نونبر ودجنبر الجاري، على أن يتم في أبريل المقبل عرض كل السيناريوهات وخارطة الطريق أمام أنظار اللجنة العليا للحوار الاجتماعي، قبل الشروع في تنفيذ خارطة الطريق في ماي.
ما هي الإشكاليات المطروحة؟
تعترض طريق الإصلاح المنشود مشاكل عديدة، إذ ارتفعت ديون الصناديق وأصبحت مهددة بالإفلاس. وقد أجمعت تقارير رسمية على صعوبة الإصلاح، وضرورة الاستعجال فيه، وهو ما تراهن عليه الحكومة كما أكدت على ذلك في أكثر من مناسبة.
آخر التنبيهات إلى ما تعيشه أنظمة التقاعد هو تأكيد لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية، على أن هذه الأنظمة تعرف صعوبات مالية تتسم بجسامة ديونها الضمنية، منبهة إلى نفاذ احتياطاتها في أفق مختلفة.
أما التشخيص الذي أجرته اللجنة الخاصة بهذا الإصلاح، في أول اجتماع لها بعد توقف دام تسع سنوات، والتي ترأستها وزارة الاقتصاد والمالية، فقد أظهر أن هناك ضعفا في تغطية الأنظمة يحول دون حصول حوالي 54% من السكان النشيطين على حماية ضد أخطار الشيخوخة، وعدم تجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة (2022 درهم بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهم بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و7873 درهم بالنسبة لنظام المعاشات المدنية).
كما وقف التشخيص على عدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات، إذ تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة الأجراء القطاع الخاص، إلى جانب إعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
أما المجلس الأعلى للحسابات فأكد أن التنزيل الفعلي لتغطية التقاعد للعاملين غير الأجراء والتي تم سنها عام 2017، عرف تأخرا كبيرا، في وقت يعيش نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد على وقع خطر السيولة اعتبارا من سنة 2023 وستستهلك احتياطاته المالية في أفق سنة 2026.
أما في ما يتعلق بالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد فسيتفاقم عجزه ليصل إلى 53,6 مليار درهم في أفق الستين سنة القادمة، وابتداء من سنة 2028 توقع المجلس أن يعرف هذا النظام أول عجز مالي.
وبخصوص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فمن المنتظر أن يسجل، وفق المصدر ذاته، عجزا تقنيا في أفق سنة 2029، وفي حالة عدم اتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة سيتم استنفاد احتياطاته بحلول سنة 2046.
وقد تقاطع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع هذه التشخيصات في أكثر من نقطة، إذ أكد عدم تجانس صناديق التقاعد ويطبعها اختلاف، سواء من حيث الخصائص التقنية أو الديمغرافية أو الإشكالات التي تعرفها.
هذه منهجية الحكومة لتحقيق الإصلاح
شكلت الحكومة لجنة تضم ممثلي الوزارات المعنية وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وصناديق التقاعد، وممثلي المركزات النقابية الأكثر تمثيلية وممثلي الاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية.
وقررت اللجنة الانطلاق في مناقشة إصلاح من بين ما ينص عليه اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجر في القطبين العمومي والخاص، وتقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى 10 سنوات المقبلة، ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة ورفع نسبة الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
ووفق المنهجية الموضوعة من قبل اللجنة، سيتم طرح فرضيات تتعلق بالمردودية المالية، ومعدل نمو الاقتصاد، وسيناريوهات الإصلاح، وطرح مقاييس نسب الاشتراك وسن الإحالة على التقاعد وتقييم المعاشات وأسقف الأنظمة.
وتعول الوزارة على الحسم في ما إذا سيتم اعتماد نظام أساسي موحد للقطبين في الوقت الحالي أو العمل على ذلك مستقبلا، وتحديد أفق استدامة الأنظمة المستهدف أو المقبول. كما أنها تريد الحسم مع بداية السنة المقبلة في مستوى الحفاظ على نسب الاستبدال الحالية ولأي شريحة من الدخل، وأي فئة سيستهدفها رفع نسب الاشتراك وإلى أي حد سيكون ذلك، وكيف يمكن توحيد سن التقاعد وما الفئة المعنية.
كما رسمت الحكومة من خلال اللجنة هدف المصادقة مع نهاية مارس المقبل على تصور الإصلاح المترتب عن التوجهات السالفة المتوافق عليها، وتحديد هيكلة المنظومة ونمط الاشتغال وتحديد مقاييس الأنظمة التي تستجيب لتطلعات الأطراف المعنية، واقتراح حلول بديلة لتمويل الديون الضمنية للمنظومة، قبل وضع خارطة طريق وجدولة زمنية لتنزيل الإصلاح.
توصيات عديدة
حملت كل التقارير الرسمية المنجزة حول التقاعد وتبعات إصلاحه توصيات تبتغي تحقيق إصلاح شامل يجنبها الإفلاس.
فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يرى أنه من الواجب توسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، في إطار ورش الحماية الاجتماعية. وطالب بالتعجيل بتحديد جدول زمني دقيق وملزم لجميع الأطراف لتنفيذ المراحل الكبرى للإصلاح الشمولي لمنظومة التقاعد.
المجلس نفسه أكد على أهمية الإسراع في تحيين واستكمال الدراسات الإكتوارية والإصلاحات المقياسية، لتجميع المنظومة في قطبين؛ الصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد بالنسبة للقطب العمومي)، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المهني المغربي للتقاعد بالنسبة للقطب الخاص.
من بين توصياته أيضا إحداث حد أدنى للدخل في سن الشيخوخة، وعلى مستوى التمويل دعا إلى الاهتمام بالقدرات التمويلية للمشغلين والقدرة المساهماتية للمنخرطين، ومراجعة سياسـة توظيف الأموال المتأتية من الاحتياطيات، وتخصيص ما بين 2 إلى 4 في المائة من الضريبة على القيمة المضافة في تمويل الحماية الاجتماعية بما فيها منظومة التقاعد.
أما المجلس الأعلى للحسابات، فقد أوصى بتسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية بهدف تقريب الأنظمة القائمة من نظام مستهدف ومحدد مسبقا، ودراسة معمقة في موضوع تغطية الديون الضمنية.
وشدد في تقريره الذي أصدره في مارس الماضي على أنه من المهم مراجعة الإطار التنظيمي لنظام تقاعد العاملين غير الأجراء، لا سيما في ما يتعلق ببنيته الأساسية ومعاييره الرئيسية وكيفية عمله وحكامته.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
مجتمع
سياسة
مجتمع