مجتمع
إصلاح مدونة الأسرة.. ماذا بعد جلسات الاستماع؟
08/03/2024 - 12:53
مراد كراخيتستعد الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرفع التعديلات المقترحة إلى النظر السامي لجلالة الملك، أمير المؤمنين، بعد عقد الهيئة لعشرات جلسات الاستماع مع جمعيات وأحزاب سياسية، وهيئات مهنية ومراكز بحثية وخبراء في المجال الفقهي ومهتمين بجمعيات الأسرة.
وفي شهر شتنبر من السنة الماضية وجّه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، رسالة إلى رئيس الحكومة، من أجل العمل على ورش إعادة النظر في مدونة الأسرة، مع إسناد جلالته الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة.
جلسات استماع
بلغ عدد جلسات الاستماع التي خصصتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة للفعاليات المعنية بهذه المدونة 130 جلسة وفق آخر رقم قدمه الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العام.
وتم خلال هذه الجلسات الاستماع لعدد من الجمعيات والأحزاب السياسية و12 هيئة مهنية و8 هيئات مهنية تعنى بمدونة الأسرة و13 مركز بحثي وخبراء مهتمين بجمعيات الأسرة، كما تم تنظيم لقاءات أخرى مع خبراء آخرين في إطار الاستعانة بأفكارهم وآرائهم، لا سيما في المجال الفقهي، وتم كذلك اعتماد عنوان إلكتروني لاستقبال المقترحات.
وقضت التعليمات الملكية، برفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى النظر السامي لجلالة الملك، أمير المؤمنين، والضامن لحقوق وحريات المواطنين، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.
انتظارات
جاءت الرسالة الملكية مواكبة لتطلعات الهيئات الحقوقية النسائية، في أفق تحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية المرأة، وفق خديجة الروكاني، الفاعلة الحقوقية والمحامية بهيئة الدار البيضاء، التي أشارت في تصريح سابق لـSNRTnews، إلى أن الوقت قد حان لإجراء تغيير جدري على مستوى مدونة الأسرة والالتزام بتطبيق مقتضياتها.
وأوضحت الفاعلة الحقوقية أن إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يهتم بإجراء تغيير جذري على مستوى الأسس التقليدية التي بنيت عليها؛ من قبيل المساواة في الزواج على مستوى الولاية على الأبناء، وكيفية تحديد النفقة بعد الطلاق، داعية إلى توسيع أدوار مؤسسة المساعدة الاجتماعية في هذا السياق.
وأضافت أن مسطرة الطلاق والتطليق تستوجب كذلك إعادة النظر بشكل جذري، لأن الكثير من الصيغ أصبحت متجاوزة، مثل الطلاق بالخلع، والطلاق الرجعي، والتطليق للغيبة، والتطليق للعيب، والتطليق للإيلاء والهجر...، داعية، في المقابل، إلى الاكتفاء بنوعين من الطلاق هما: الطلاق الاتفاقي، والطلاق بطلب من أحد الزوجين.
نقاش مفتوح
أكدت خديجة هناء العمراني، رئيسة جمعية "ولادي"، والمحامية بهيئة الدارالبيضاء، أن رسالة جلالة الملك فتحت النقاش حول إعادة النظر في بعض مضامين مدونة الأسرة، التي تشوبها مجموعة من العيوب، مما يجعل بعض موادها "غير دستورية"، خصوصا مسألة إسقاط حضانة الأبناء عن المرأة في حالة الزواج، دون إسقاطها عن الرجل في نفس الحالة.
وأبرزت العمراني لـSNRTnews، أن هذه النقطة في مدونة الأسرة لا تتماشى مع المضامين التي جاء بها دستور 2011، والذي ينص الفصل 19 منه على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، التي صادق عليها المغرب.
وأكدت رئيسة جمعية "ولادي" أن مراجعة المادتين 173 و175 المتعلقتين بـ"شروط الحاضن" و"زواج الأم الحاضنة" تبقى مسألة ملحة خلال الفترة القادمة، بشكل يراعي عدم حرمان الطفل سواء من الأب أو الأم رغم طلاقهما.
وتابعت أن مسألة زواج القاصرات تبقى بدورها من النقاط ذات الأولوية القصوى التي يجب مراجعتها، مبرزة أنه يتعين حصر السن الأدنى للزواج في 18 سنة وإلغاء خاصية السلطة التقديرية، مبرزة أن ذلك غير كاف حيث أن العديد من الأشخاص يتحايلون على القانون عبر اللجوء إلى زواج "الفاتحة"، مما يتطلب وضع مساطر تجرّم الآباء في هذه الحالة.
تجاوز العوائق باعتدال
شدد جلالة الملك، في خطاب عيد العرش لسنة 2022، على ضرورة النهوض بوضعية المرأة وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، معتبرا أن مدونة الأسرة التي شكلت قفزة إلى الأمام عند اعتمادها سنة 2004، أصبحت غير كافية، "لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها".
ومن بين هذه العوائق، التي جاءت في خطاب جلالة الملك، عدم تطبيق المدونة بشكل صحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة، "لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء".
و"الواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة"؛ يقول جلالته في خطابه السامي، "وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال"، يضيف جلالة الملك.
وشدد جلالة الملك على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية، "كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك"، وفق ما جاء في نص الخطاب.
وفي هذا الإطار، قال صاحب الجلالة: "وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية"، مشددا جلالته على ضرورة أن يتم هذا التعديل في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع