اقتصاد
أجزاء السيارات.. "كورونا" تعطب مُصلحي الأعطاب
26/11/2020 - 11:51
مهدي حبشي"شارع خريبكة" وسط الدار البيضاء، هو المستشفى الميداني للسيارات المغربية، فإلى هنا يحج كل من وقعت عَرَبته ضحية عطب من أي نوع. غير بعيد عن شارع "لالة الياقوت"، حيث يتموقع وكلاء أكبر مصنعي السيارات في العالم، تجمعت زمرة من تجار قطع الغيار من شتى الأصناف والأحجام.
وكان الإقبال على هذه المحلات في أوجه طوال عدة سنوات خلت، نتيجة الزيادة المضطردة في أعداد السيارات التي تجوب أرجاء المملكة، وما يوازي ذلك من ارتفاع في الطلب على قطع الغيار وإصلاح الأعطاب. إذ أوضحت دراسة حديثة أن عدد السيارات النشطة في المغرب فاق 4 ملايين عربة سنة 2019، بزيادة بلغت 18 في المائة مقارنة بعام 2014.
محلاتٌ خاوية على عروشها، إلا من التجار الذين تشكو وجوههم المتجهمة، نيابة عن ألسنهم، واقعاً لم يعهدوه في السابق قط، يؤكد أحدهم، لـ"SNRTnews"، أن مداخيله اليومية هوت بنحو 50 في المائة منذ استئناف النشاط التجاري بعد الحجر الصحي.
القدرة الشرائية تفقد السيارات "دلالها"
تتباين أحجام الشركات المتواجدة في هذا السوق؛ متاجر للجملة ووكلاء لشركات عالمية، علاوة على متاجر صغيرة للتقسيط، تتنوع حسب نوعية القطع التي تقترحها؛ فثمة متخصصون في البطاريات وآخرون في الزيوت، جنباً إلى جنب مع باعة المعدات الخاصة بالمحركات أو الأكسسوارات وغيرها... إلا أنها اختلافات تذوب أمام الإجماع على كون الجائحة أوجعت قطاع أجزاء السيارات عن بكرة أبيه.
لهذا الواقع كلمة سر، يؤكد تاجر بطاريات، هو "القدرة الشرائية" للمستهلك؛ "انظر من حولك في الشوارع، بات اعتيادياً معاينة سيارات معطوبة بشكل أو بآخر، تتحرك دون مركب نقص"، ويضيف: "قبل الحجر الصحي، كان أصحاب السيارات يهرولون إلينا لدى أبسط خدش، أما الآن فإصلاح السيارة لا يشكل هاجساً لصاحبها إلا إذا توقفت عن العمل تماماً".
تضررت القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة جرّاء شهور الحجر الصحي والمخلفات الاقتصادية للجائحة، فأفقدت السيارات "دلالها" وأولويتها ضمن مفكرات أصحابها، الذين قرروا تأجيل إصلاحها إلى حين عودة أوضاعهم الاقتصادية لسابق عهدها. لكن تاجراً آخر يذهب في تحليله للواقع الجديد أبعد من ذلك؛ "المشكلة تكمن أيضاً في إغلاق مدينة الدار البيضاء أمام القادمين من الخارج، فلا يخفى عليكم أن هذا السوق له إشعاع وطني، وعادة ما يأتينا زبائن من مختلف ربوع المملكة، وليس من العاصمة الاقتصادية فحسب".
اقتصاد قطع الغيار مرتبط على نحو ضيق باقتصادات أخرى، من بينهم الميكانيكيون، الذين يقبلون في العادة على اقتناء أجزاء السيارات، سأل "SNRTnews" أحد الميكانيكيين المتواجدين في تلك الرقعة، فكان جوابه شبه مطابق لما أورده التجار، مفسراً سر عدم إقباله على اقتناء سلعهم: "الحركة شبه متوقفة، باستثناء حوادث السير الخطيرة التي تضرب العربات في مقتل. لم أعد أستقبل زبائن كثر...".
حركة الاستيراد شبه متوقفة بدورها، يؤكد صاحب محل لقطع الغيار، فهؤلاء التجار يستقدمون سلعهم من إيطاليا وفرنسا والصين... "هذه أطول مدة تكسد فيها السلع وتتراكم في محلي كل هذه المدة، حركة الاستيراد متوقفة لأننا لا ندري ما نصنع بكل ما تراكم لدينا، وينتابنا القلق من العجز عن تصريفه"، يقول الميكانيكي.
تعددت الأحجام والأزمة واحدة
ليست متاجر التقسيط وحدها التي تئن في صمت؛ إذ تنشط في هذا السوق كذلك شركة من الحجم الكبير، لها آلية للتوزيع بمختلف ربوع المملكة وتتوافر لديها كل أنواع قطع الغيار، بجودة لا تقل عن القطع الأصلية للسيارات. أخبر أحد عمال الشركة "SNRTnews" أن الإدارة وقعت في مأزق اقتصادي، اضطرت معه للاختيار بين الأمرّين، فقررت خفض رواتب العمال إلى النصف، على أن يشتغل فريق منهم 15 يوماً شهرياً، ليشتغل الآخر القسم الثاني من الشهر، وذلك بدل اللجوء لخيار التسريح.
لهذه الشركة موقع على شبكة الإنترنت، يتغنى بتوفرها على قطع تصلح لماركات كثيرة من السيارات، وأخرى حصرية لديها دون منافسيها... لكن ذلك كله لم يشفع لها أمام تغول الأزمة، التي أكرهتها على إطلاق عروض جديدة في محاولة للتحايل على الوضع، يفهم منها سعيها الحثيث على الأقل لتصريف السلع المتراكمة منذ أمد. إذ تقترح على زبائنها شراء قطع مُقسطة بأسعار الجملة، وتعِدهم بتوصيلها حتى بيوتهم "في أسرع وقتٍ ممكن"، وعلى حساب الشركة...
مقالات ذات صلة
اقتصاد