إفريقيا
سد النهضة .. مياه توشك أن تشعل حربا
11/07/2021 - 08:52
يونس الخراشيوهكذا، فبينما نقل عن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قوله إن "موقف إثيوبيا المؤسف قوض كل محاولات التوصل إلى اتفاق ..."، ثم :"إذا تعرضت حقوقنا للخطر فلن يبقى أمامنا سوى حماية حقنا الأصيل في الحياة..."، وأيضا:"لا نعترض على حق إثيوبيا بالاستفادة من مياه النيل الأزرق بل نطالبها باحترام التزاماتها الدولية"، ونقل عن وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، قولها إن بلادها دعمت بناء سد النهضة منذ البداية بشكل يحفظ حقوق الدول الثلاث، مشددة على أهمية الاتفاق الملزم لحماية الأمن البشري والسدود والأمن الاستراتيجي للمنطقة، وزادت:"إثيوبيا اتخذت خطوات منفردة في السابق أضرت بحياة الكثير من مواطنينا"، فقد اعتبر وزير الري الإثيوبي سيليشي بقلي، في المقابل، "تدقيق مجلس الأمن بتشغيل سد لتوليد الطاقة أمر غير مسبوق"، وأكد أن سد النهضة في المكان الصحيح، وأن هدفه تحسين حياة سكان المنطقة..."، وزاد قائلا:"مياه النيل تكفينا جميعا، وعلينا أن نعي أن الحل لا يمكن أن يأتي من مجلس الأمن".
وكان مشروع سد النهضة أطلق من قبل إثيوبيا في عام 2011، على النيل الأزرق، الذي ينبع منها، ويلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم ليشكلا معا نهر النيل العابر من السودان ومصر، ليصب في البحر المتوسط، بطول 1,8 كلم وارتفاع 145 مترا. وتقدر قيمة المشروع بنحو 4 مليارات دولار، ويهدف إلى بناء أكبر سد لإنتاج الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، بقدرة إنتاج تفوق نحو 6500 ميغاوات.
يذكر أنه في عام 1959 حصلت مصر، بموجب اتفاق مع الخرطوم حول توزيع مياه النيل، على حصة بنسبة 66 في المائة من كمية التدفق السنوي للنيل، مقابل 22 في المائة للسودان. لكن في عام 2010، وقعت دول حوض النيل على اتفاق جديد، رغم معارضة مصر والسودان، ينص على إلغاء حق النقض الذي تتمتع به مصر، ويسمح بإقامة مشاريع ري وسدود لإنتاج الكهرباء.
ونتيجة لمخاوف مصر والسودان، بدرجة أقل، انطلقت مفاوضات بين الأطراف الثلاث للوصول إلى توافق، لكنها لم تفض إلى شيء. ثم انطلقت أخرى، برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، اعتبارا من نونبر 2019، لكنها فشلت مجددا. كما تعثرت مفاوضات أخرى برعاية الاتحاد الإفريقي، إلى أن أخطرت إثيوبيا مصر والسدوان، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأنها بصدد الملء الثاني، ليتأجج الوضع مجددا.
السؤال الذي يطرح الآن، ونقله موقع SNRTnews إلى إعلاميين مختصين في الشأن السياسي، ومتتبعين لموضوع الأزمة، بكل من إثيوبيا ومصر والسودان، هو "كيف هو الوضع الآن في دول الأزمة؟ وكيف ينظر كل طرف إلى ما أفضت إليه جلسة مجلس الأمن ليوم الخميس؟ وكيف هو المزاج في الشارع العام؟ وهل هي نذر حرب توشك أن تقع أم أن الأمر لن يصل إلى هذا الحد؟".
أنور إبراهيم أحمد: النهضة أمل الإثيوبيين للخروج من الفقر
بالنسبة إلى أنور إبراهيم أحمد، وهو كاتب وصحافي إثيوبي، مختص في الشأن السياسي، ومن أبرز المتتبعين لملف سد النهضة، فإن بناء السد، وفي المكان الذي يبنى فيه يمثل "أمل الشعوب الإثيوبية للخروج من الفقر"، و"يقصد بالشعوب الإثيوبية حسب النظام الفدرالي، تلك الشعوب التي تتكون منها إثيوبيا، وهي تسع قوميات، لكل منها قبائل. ولئن كان لكل شعب / قومية مشاكل، فإن الجميع يتفق على أن السد سيحقق للبلاد قفزة نحو المستقبل، لأن 60 في المائة من الإثيوبيين يعانون نقصا في الطاقة وفي المياه. ثم إن الدولة تدفع ملايين الدولارات لاستيراد المواد البترولية، ويمكن للطاقة الموفرة من السد أن تقلص الفاتورة".
ويوافق أنور إبراهيم أحمد الموقف الرسمي الإثيوبي، إذ يؤكد، في تصريح خص به SNRTnews، أن إثيوبيا وضعت السودانيين والمصريين في صورة المشروع قبل البدء ببناء السد، ويوضح:"نعم (إثيوبيا وضعتهما في صورة المشروع)، وقدمت لهما دعوة للمشاركة معها في بنائه، ولكنهما لم يقبلا، ولم تكن الفكرة جديدة بالنسبة إليهما".
أنور إبراهيم أحمد، الذي تحدث معه SNRTnews، شدد على أن الملء الثاني، الذي زاد من حدة الأزمة بين الأطراف الثلاثة؛ إثيوبيا والسودان ومصر، "هو ثاني مرحلة في عملية بناء السد، وتسير مع عملية البناء بصورة متوازية، فضلا عن أن هناك مراحل أخرى، تتمثل في تعبئة بحيرة السد لتخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه لتشغيل التمرينات الأولية"، ثم يقول:"إنه حق مشروع، كما فعل الآخرون من قبل، وأخذوا حقوقهم من مياه النيل".
ولدى سؤاله عن مزاج الشارع العام في إثيوبيا، ولا سيما إثر انعقاد جلسة مجلس الأمن يوم الخميس، وما أفضت إليه، قال الصحافي الإثيوبي أنور إبراهيم أحمد إن الشارع العام في إثيوبيا "يدافع عنه (بناء السد)، لأنه من دعم المشروع من حر ماله، وينتظر أن يقدم له مستقبلا واعدا"، وخلص في الأخير إلى القول إن بناء سد النهضة "يعتبر الأمل لأجيال الغد، وينتظره الجميع حتى يوفر له الطاقة".
عماد فواز: الشارع المصري يغلي في انتظار الحسم
بالنسبة إلى الصحافي المصري، عماد فواز، المختص في الشأن السياسي، فإن المواجهة ما زالت بالفعل متصاعدة "بين إثيوبيا، دولة منبع نهر النيل الأزرق، من جهة، ومصر والسودان، دولتا المصب، من جهة أخرى، لا سيما بعد جلسة باهتة لم تخرج بنتيجة واضحة في مجلس الأمن الدولي مؤخرا، هذه المواجهة على الصعيد الدولى، والسياسي والدبلوماسي معلومة الأبعاد إلى حد كبير، تناولها متخصصون في الشأن السياسي والدبلوماسي، وحتى العسكري بالكثير من الشرح والتحليل، أما بالنسبة إلى الشارع المصري؛ سواء في الحاضر أو الماضي، فله بوصلة أخرى، وتوجه وحيد، وهو صاحب القرار الحاسم".
عماد فوار أكد لـSNRTnews أن "الرأي العام في مصر يجنح بشكل ملحوظ نحو الحرب، لا سيما بعد تعنت إثيوبيا الواضح.. لسان الشارع يقول إن السياسة أو الدبلوماسية و"سياسة النفس الطويل" لن تحل مشكلة"، ويضيف في تصريحه:"محطات الصراع التاريخي الذي بدأ منذ أول معاهدة مكتوبة عام 1891م بعنوان "بروتوكول تقسيم المياه بين دول نهر النيل" تؤكد ذلك، لا أحد يقف ضد مصلحة إثيوبيا أو ينكر حقها في التنمية، كما فعلت مصر ببناء السد العالي ستينيات القرن الماضي، ما يهم المصريين هو حقهم في مياه النيل الذي يمثل شريان حياة رئيس للبلاد، فضلا عن أن جُل رجال مصر خاضوا تجربة التجنيد الاجباري في الجيش المصري بين ضابط احتياط وجندي، لذلك فإن قرار الحرب الشعبي ناتج عن دراية بمدرسة العسكرية المصرية وعقيدتها القتالية".
ويوضح الصحافي المصري، في تصريحه لـSNRTnews، أن "الشارع المصري يدرك أن بداية أزمة النهضة قديمة... الخديوي إسماعيل، حفيد مؤسس مصر الحديثة، خاض معركتين مع إثيوبيا من أجل النيل. وكذلك السادات قام بضرب محاولة لإنشاء سد سبعينيات القرن الماضي، ومبارك أيضا وقف ضد محاولات متكررة لم تكتمل، واليوم وبرغم تعنت إثيوبيا لا يشك أي مصري في أن سد النهضة أزمة عابرة، سواء بالمفاوضات أو بالحرب، فالقرار للمصريين".
محمد حامد جمعة نوار: السد قد يصير قوة ردع إثيوبية
من جانبه، يرى محمد حامد جمعة نوار، صحافي سوداني مختص في الشأن السياسي، أن المشكلة الأساس هي "تخوف مصر، والسودان بدرجة أقل، من سيطرة إثيوبيا على تدفقات مياه النيل الأزرق بعد اكتمال تخزين 74 مليار متر مكعب على السد الذي أنشئ في موقع يجعل النهر يعبر للسودان ومصر وفق إمكانية إثيوبيا في التمرير والإغلاق، هذا رغم تمسك إثيوبيا بأن السد لأغراض التوليد الكهربائي، وبالتالي فهي فنيا مضطرة إلى إرسال الماء"، موضحا:"أخيرا، مع تشدد الإثيوبيين في ملء السد ملئا ثانيا؛ إذ يفترض أنها ثمانية أو سبع مراحل، ونحن الآن في المرحلة الثانية، برزت مخاوف سودانية مصرية من أن السد نفسه قد يتحول إلى قوة ردع بيد الإثيوبيين، لأن مليارات الأمتار من المياه إن تدفقت حال انهيار السد أو إطلاقه قد تحمل السودان ومصر معا إلى البحر المتوسط، وهذا تصريح رسمي لمسؤول عسكري إثيوبي، قيل أخيرا".
في السياق، يضيف الصحافي السوداني، متحدثا لـ"SNRTnews، بأن "المفاوضات حول المشروع تجاوزت عشر سنوات ولم يتم التوصل إلى نتائج. السودان ومصر يطلبان اتفاقا قانونيا ملزما حول التشغيل، وضمان الأنصبة. والسودان بالتحديد يتشدد في بيانات التشغيل الفنية، لأنه سيتأثر حال الإغلاق والملء أو إرسال المياه، لأن سدوده الرئيسية على بعد 100 كيلومتر من السد الإثيوبي، وهو ما ترفضه إثيوبيا"، ثم يضيف:"نعم، مصر تعتقد أن السد سيعني تهديد أمنها المائي، وأن أغراض إنشائه غير مريحة ولا سليمة المقاصد"، ثم يختم بالقول:"أي نعم السودان ومصر متفقتان على حق إثيوبيا، وصحيح أن السودان له مكاسب من السد، مثل تقليل الإطماء على سدوده وحفظ حصته المائية وتنظيم الدورات الزراعية، فضلا عن إمكانية الحصول على الكهرباء بسعر أرخص، ولكن يلزم التوافق".
مقالات ذات صلة
إفريقيا
عالم
سياسة