مجتمع
عبد الوهاب التازي سعود.. رحيل شيخ اللغويين وصديق الفلسفة
19/01/2021 - 20:43
مهدي حبشيمن عرفوا الراحل نقلوا عنه حبه الجم للفلسفة، ودفاعه المستميت عنها في وقتٍ كان التوجه الحكومي يروم تقليص حضور تلك الشعبة بالجامعات المغربية. يقول مقربون منه إنه إبان شغله عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، ظل الفقيد متمسكاً بتلك الشعبة بعدما شرعت في الاختفاء من عدة كليات أخرى، بل عزز حضورها بدعوة أساتذة مرموقين من جامعات عربية عريقة لتدريس الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس في كليته.
غيرته على استمرارية الفلسفة في المغرب، ترجمها التازي سعود بإلحاق الخريجين المغاربة الشباب بتدريس تلك الشعبة داخل كليته، بل لعله آمن بمقولة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، حين اعتبر أن "الحكمة، (أي الفلسفة)، حق، والشرع حق، وأن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له". يتجلى ذلك في قراره خلال ثمانينيات وبدايات تسعينيات القرن الماضي، تعزيز شعبة الدراسات الإسلامية، التي نظر إليها الكثيرون آنذاك على أنها خصم لدود للفلسفة، بمواضيع في المنطق والفلسفة الإسلامية.
"كان هذا السَّنَدُ القويُّ للشعبة يظهر أيضاً بوضوحٍ في مقتنياتِ مكتبة الكلية من الكتب الفلسفية. فقد كنّا نطلع على النصوص الفلسفية التي يصدرها الفلاسفة الفرنسيون آنذاك في بداية الثَّمانينيات فور صدورها في باريس، وكانت خزانة مكتبة الكلية تتوفَّرُ على كنوزٍ قد لا نجد مثيلا لها في مكتباتٍ جامعيّةٍ أخرى"، يقول الأكاديمي وأستاذ الفلسفة في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، عز العرب لحكيم بناني، في نعي "عميده" الراحل.
"كان الرجل يُسِرُّ إلى بعض أصدقائه المُقرَّبين بالقول، لو كانت قد أتيحت له فرصةُ دراسةِ الفلسفةِ في بداية حياته الدراسيّةِ لما اختارَ لها بدلاً، ولكنَّ شعبةَ الفلسفة لم تكن متاحةً له" يضيف المتحدث نفسه.
أيادٍ بيضاء وريادة في تسيير مؤسسات التكوين
أما الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العلي الودغيري، فاختار تأبين الراحل لأجل ما أسداه للأساتذة والباحثين والطلاب، واصفاً ذلك "بالأيادي الكريمة البيضاء التي يعرف فضلها من عرفه وتعامل معه عن قرب وتتبع مسيرته الأكاديمية والإدارية من أواسط ستينيات القرن الماضي إلى السنوات الأخيرة من عمله".
يرى مقربون من الراحل أن انشغالاته الإدارية الكثيرة، كونه شغل منصب عميد لكلية الآداب بفاس، فضلاً عن جامعة القرويين العتيقة، حرمته من التأليف بغزارة في مجال تخصصه اللغوي، إذ قام بتحقيق كتاب "النصوص" لصاعد البغدادي، كما ألف دراسة عن إمام اللغة والأدب أحمد بن فارس.
وأثنى الودغيري على ريادته في مجال البحث اللغوي بالمغرب، فقد كان التازي من الأوائل والقلائل الذين تصدروا تدريس علم اللغة وفقه اللغة بالجامعة المغربية، وهو حينذاك نائب للعميد ومن الأساتذة الشباب أواسط ستينيات القرن الماضي.
"بل يمكن القول إنه كان مدرسة في تسيير المؤسسات التربوية، بدبلوماسيته وحنكته وخبرته الطويلة وشخصيته القوية المتميزة"، يقول الودغيري مُضيفاً "ومختصر القول فيه أنه كان من الأساطين القوية التي قامت على أكتافهم الجامعة المغربية، فأرسوا دعائمها ورسخوا تقاليدها الأصيلة، لاسيما أنه كان دائم الحرص على مستواها العلمي الرصين، غيورا على سمعتها، فاتحا الأبواب لكل من وثق في كفاءتهم وقدراتهم العلمية، غير مدخر وسعا لاحتضانهم وتشجيعهم".
قيدوم "اتحاد كتاب المغرب"
ويعتبر الفقيد أحد قيدومي اتحاد كتاب المغرب؛ "حاصل على دكتوراه الدولة سنة 1989، واشتغل أستاذا للتعليم العالي، فضلا عن كونه أحد أعمدة الجامعة المغربية، وشيخ عمداء كلية الآداب بفاس منذ تأسيسها، ورئيسا لجامعة القرويين بعد النظام الإداري الجديد، وهو إلى جانب ذلك سليل عائلة ثقافة وعلم ببلادنا"، بحسب بيان نعي صدر عن الاتحاد.
وأضاف البلاغ: "عُرِف العلامة الراحل بمساره العلمي والإداري المشرف، بمثل ما عرف بحسن خلقه وبأياديه البيضاء وبعطائه العلمي في مجالات تخصصه، وبعلاقاته الإنسانية النبيلة مع طلبته، وبما قدمه للجامعة المغربية من خدمات وأعمال جليلة مشهود له بها، داخل الجامعة وخارجها، منذ ستينيات القرن الماضي".
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
نمط الحياة