سياسة
كريمة بنيعيش.. كاريزما في مواجهة استفزازات إسبانيا
23/05/2021 - 20:19
يونس أباعليفيديو سفيرة المغرب بإسبانيا وهي تحذر الأخيرة من مغبة إخراج زعيم الانفصاليين بنفس طريقة إدخاله، جعل كثيرين يكتشفون أن السيدة ذات كاريزما تواصلية تتناسب وحجم مهمتها في بلد لا تنتهي استفزازاته. لكن الفيديو ليس أول بُرهان على كل ما قيل عنها.
فمنذ يونيو 2018، تاريخ تعيينها، أدرك الإسبان مكانة الوافدة الجديدة إلى السفارة، وكان أول من تحدث عنها خبراء معهد “إحداثيات الحوكمة والاقتصاد التطبيقي" وهم يبحثون عن اسم كريمة بنيعيش بين بروفايلات سفراء مدريد. تلك السيدة التي تشبث بها الرئيس البرتغالي كي تبقى سفيرة في بلده الذي عُينت فيه من 2008. تلك السيدة التي رأت صحيفة "إلموندو" أن طريقة احتفالها بعيد العرش العام الماضي دليل على فعالية دبلوماسيتها حين جمعت في منزلها 500 شخصية من كلا المملكتين ضمنهم ستة وزراء في حكومة سانشيز التي تُكن العداء للمغرب.
هذا الحفل تحديدا نطق بالشيء الكثير عن السفيرة التي استقبلت كبار مسؤولي إسبانيا بالقفطان المغربي، إذ شكّل بالنسبة لكبار الصحف والدبلوماسيين الإسبان مؤشرا على وزن سيدة نطقت فيه بما يؤكد افتخارها ببلدها وملكه، حين أسهبت في الحديث أمامهم عن مقاربات المغرب التي اعتمدها خارجيا وداخليا. لتخلص "إلموندو"، اليمينية التي تعتاد التهجم على المغرب، إلى أن السفيرة غيرت فعلا وجه العلاقات المغربية الإسبانية خلال المدة التي قضتها على رأس الدبلوماسية المغربية بمدريد، دون ضوضاء.
والآن مع تواتر خرجاتها للدفاع عن بلدها، وسط الإسبان، بلغة كاريزمية حازمة، أدرك المغاربة فعلا أن حجم السفيرة هو بحجم حساسية علاقة البلدين، وكيف لا وهي التي بدأت مهمتها في خضم أزمة كانت قائمة بين البلدين سنة 2018 بسبب الهجرة.
أزيد من 22 سنة من الدبلوماسية الخارجية
غادرت بنيعيش، المزدادة في أبريل 1961 بتطوان، إلى كندا بعدما حصلت على الباكلوريا – علوم اقتصادية بالرباط سنة 1981. هناك حصلت على الإجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة مونريال سنة 1986، وعلى شهادة “ميتريز” في العلوم الاقتصادية من الجامعة نفسها سنة 1988. وكانت أطروحتها الأخيرة عن تأثير اندماج إسبانيا والبرتغال في المجموعة الأوروبية على الاقتصاد المغربي، ما يعني أن السيدة تدرك جيدا كيف تفكر شبه الجزيرة الإيبيرية.
ارتباطها ببلدها جعلها تعود إليه مباشرة لتبدأ تسلق المناصب في وزارة الداخلية، التي شغلت فيها منصب مديرة التعاون الثقافي والعلمي، وممثلة المغرب في المجلس الدائم للفرنكوفونية. بل إنها عملت أيضا كمستشارة دبلوماسية لترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2006 و2010. لتُراكم تجربة تفوق 22 سنة داخل الوزارة.
تم توشيحها بالعديد من الأوسمة من بينها قائد الاستحقاق المدني في إسبانيا (سنة 2000)، ووسام الاستحقاق الوطني في فرنسا (سنة 2007) كما منحتها جامعة نوفا بلشبونة شهادة الدكتوراه الفخرية في العلاقات الاقتصادية والعلمية والثقافية عرفانا لجهودها في تشجيع التعاون الأكاديمي بين المغرب والبرتغال.
تكلل عملها الدبلوماسي بتعيينها في 7 نونبر 2008، سفيرة للمغرب بالبرتغال. وهي تشغل منذ سنة 2013 منصب نائبة رئيس اللجنة التنفيذية لمركز شمال-جنوب التابع لمجلس أوروبا، ولديها دكتوراه شرفية من جامعة نوفا بلشبونة (2013).
مسارها هذا جعلها قريبة من كواليس العمل الدبلوماسي وعلى دراية تامة بالثقافة الإسبانية، لذلك لم تجد عائقا في نسج علاقات عامة مع المسؤولين الإسبان، في كل المجالات.
عفوية دبلوماسية
لثاني مرة تستدعي إسبانيا بنيعيش للتشاور معها، في إطار العُرف الدبلوماسي، الأولى بسبب وصف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني سبتة ومليلة بأنهما محتلتان، والثانية بعد أحداث سبتة الأخيرة. وحين استدعائها كان رد السفيرة متماهيا مع سياسة بلدها، فقد جددت التأكيد، صراحة، على أن موقف المغرب لم يتغير بخصوص المدينتين، ولا جديد فيه، وأن المملكة تعتبر المدينتين محتلتين فعلا. ولمّا استُدعيت بسبب تدفقات الهجرة نحو سبتة، كانت لغتها شديدة بقدر استفزازات الجارة الشمالية، لذلك خاطبت الإسبان قائلة إن هناك سلوكيات لا يمكن قبولها، قبل أن تعود لتؤكد أن خروج زعيم الانفصاليين من إسبانيا بنفس الطريقة التي دخل بها يعني تأزم الوضع.
شِدة لهجة السفيرة تُجاه اسبانيا لم تكن فقط بمناسبة أحداث سبتة واستقبال غالي، إذ في دجنبر الماضي عبّرت عن رفضها اتهام المغرب بالابتزاز، عن طريق الهجرة السرية. وبصراحة قالت لوكالة "أوروبا بريس" الإسبانية إن الاتهامات التي تصور المغرب كأنه بلد مبتز وانتهازي مسيئة وما يُقال عنه يعطي صورة غير واقعية لدى الإسبان الذين لا يعرفون المغرب بما فيه الكفاية رغم القرب الجغرافي بين البلدين. وبالغيرة الوطنية ذاتها تحدثت مع صحيفة "أوكيدياريو" مُطولا عن ملكها وإنجازاته ومشاريعه وناسه، بأرقام ونسب.
انعكس مسار بنيعيش على أدوارها الدبلوماسية، لذلك مزجت بين الدفاع عن بلدها في كل مرة تنطلق الاستفزازات من مدريد، وفي الوقت نفسه لا تنفك عن تقديم لمحة واقعية، في كل مرة يطرق الإعلام الإسباني بابها، عن الإصلاحات التي يشهدها بلدها، ودوره في أمن المنطقة واستقرارها.
وهذا ما أبرزته مؤخرا مجلة "إيكونوميا ديجيتال" الإسبانية، في مقال، قالت فيه إن كريمة بنيعيش معروفة في إسبانيا بأنها خبيرة تهدئة الأوضاع في حالات التوتر.
مزيج الكاريزما والإنسانية
في آخر مقابلة مُطولة لها (مع صحيفة OKDIARIO الإسبانية) كان أول ما لاحظه مُحاورها هو لُطفها ومرحها اللذين يُعطيان الانطباع بأنك تعرفها من قبل. كما شده الانتباه إلى افتخارها بكل ما تقوله عن بلدها وملكها.
في حواراتها لا تخفي السفيرة تأثرها كأي طفلة فقدت والدها وهي بالكاد بلغت 10 سنوات من عمرها، كان سندها الوحيد آنذاك هي والدتها الاسبانية كارمن ميلان التي من خلالها توجهت كريمة إلى المجال الاجتماعي وهو ما جعلها أكثر إنسانية في تعاملاتها، كما تشير إلى ذلك في أكثر من مناسبة. فهي رئيسة وعضو بالعديد من الجمعيات التي تعنى بالطفولة والمرأة والثقافة، فضلا عن كونها رئيسة مهرجان "أصوات نسائية في تطوان".
"اليوم لدي علاقة ودية مع بناتي الاثنتين، نقول لبعضنا البعض كل شيء، ولا أطالبهن باتباع مساري، تركتهن لاختيار ما يردنه لأنه لا يمكنك أن تكون ناجحا إلا عندما يكون لديك شغف بشيء ما"، تقول السفيرة في إحدى حواراتها.
بحسب بنيعيش "لسنا أوروبيين لنستفيد من الدعم مثل دول الاتحاد الأوروبي، ولا نتوفر على ثروات طبيعية كالغاز والنفط، لكننا بدأنا مسيرة نحو الالتزام والتنمية والتعددية الأساسية ونحن في الطريق نحو تحولات مهمة، كثير منها أصبح بالفعل حقيقة واقعية". ولأنها تحب ما تقوم به وتُؤسس علاقاتها على الإخلاص والوفاء، فمهما وصلت علاقتها بالمسؤولين الإسبان، أكدت أن أزمة غالي تعد اختبارا لقياس مدى موثوقية وصدق الخطاب السائد منذ سنوات بشأن حسن الجوار والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وأيضا اختبارا لاستقلالية القضاء الإسباني ولعقلية السلطات الإسبانية في ما إذا كانت تريد أن تختار تعزيز العلاقات مع المغرب أو التعاون مع أعدائه.
مقالات ذات صلة
سياسة
سياسة
سياسة