إفريقيا
محادثات "أبساكو".. إفريقا تفتقد لصوت وتمثيلية في خضم مشاكلها
26/09/2020 - 18:12
موسى متروفوكان من أبرز المشاركين الورشتين محمد صالح النظيف، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي "المينوسما" ووزير خارجية تشاد السابق، الذي رد على ملاحظات راما ياد، الباحثة البارزة بالمجلس الأطلسي ووزيرة الدولة السابقة للشؤون الخارجية وحقوق الإنسان بفرنسا، بشأن أزمة التعددية (انظر أدناه)، حيث أعلن أنه من الذين يكررون دائمًا أنه عندما تم إنشاء الأمم المتحدة كان هناك نحو 50 بلدا، مقارنة بـ193 بلدا اليوم. كما أن أغلب المشاكل التي تهم إفريقا تفتقد لصوت وتمثيلية هذه القارة، الشيء الذي يلزم مجلس الأمن بإعادة النظر في أولوياته وطرق تسييره وإصلاحاته.
وأوضح ممثل "المينوسما"، محمد صلاح النظيف، وهو يتحدث عن الوضع في مالي أن "الأزمة تفاقمت في مالي بعد أزمة 2011 في ليبيا. وحين قرر حلف شمال الأطلنطي التدخل واغتيال العقيد القذافي، عارض الاتحاد الإفريق ذلك، ولكن أحداً لم ينصت إليه. فتحول الساحل إلى ترسانة سلاح تحت السماء العارية: حيث يتداول هناك نحو 60 مليون سلاح صغير، وسبب 80% من الأزمة في مالي وجود أفراد مسلحين غادروا ليبيا أثناء تدخل حلف شمال الأطلنطي. لقد كان هناك اتفاق للسماح لكل هؤلاء الناس (الفيلق الإفريق من الجيش الليبي، مذكرة المحرر) بالتدفق إلى منطقة الساحل والنيجر ومالي.كنت مسؤولاً في تشاد، وقد أغلقنا حدودنا، في حين كان 3 ملايين تشادي يعيشون في ليبيا. وهكذا نجا تشاد.بعدها شهدت مالي تدفق موجة الآلاف من المقاتلين المسلحين، والإرهابيين الذين شاركوا في هذه الحرب، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. فلننظر إلى مصدر الصراعات في إفريقا: إذا لم تتوقف هذه التدخلات، فلن يكون هناك سلام في إفريقا".
عدم احترام قواعد لعبة الديمقراطية مصدر النزاعات
أما بالنسبة لبنين وهو البلد الإفريق الذي عرف تراجعا كبيرا في مؤشر السلام العالمي الذي قدمه سيرج ستروبانتس مقارنة مع غيره في عام 2019، قدم رئيس "المينوسما" تحليلا سياسيا دقيقا للغاية، ذكر فيه أن "الغاية من الانتخابات مبدئيا حل المشاكل، ولكن في إفريقا تجرى الانتخابات لخلق المشاكل، بحيث لا يتم تطبيق قواعد اللعبة بشكل جيد. لقد تراجعت دولة مثل بنين، التي اعتادت أن تكون "الحي اللاتيني" لإفريقا وأكثر البلدان تشبثا بالسلم، في تصنيف مؤشر السلام العالمي". وتساءل عن السبب في ذلك؟ وقدم بعض عناصر الجواب، مؤكدا أن "الإصلاحات التي اتخذت لم تكن شاملة، واتسمت باستبعاد العديد من الجهات الفاعلة من المشهد السياسي"، مشددا على أن "الصراعات تنشأ عندما تكون هناك قطيعة في توافق الآراء داخل البلدان حول تقاسم الثروة وقواعد اللعبة السياسية، مع انتخابات مزورة أو مرشحين مستبعدين في كوت ديفوار وغينيا وبوركينا فاسو وغانا والنيجر، حيث من المحتمل أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى صراعات جديدة، وذلك ببساطة لأن قواعد لعبة الديمقراطية لا تُحترم".
الاضطرابات الاجتماعية تندلع في إفريقا
من جانبه، قدم سيرج ستروبنتس، مدير أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقا في معهد الاقتصاد والسلام، الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، المؤشر العالمي للسلام الذي نشرته منظمته، والذي قدم الخطوط العريضة لنتائج عام 2019.
وقد تراجع السلام العالمي بنسبة 0,34%، كما جاء في التقرير، وهو الانخفاض التاسع منذ عام 2008، ولكن تأثير الإرهاب انخفض بنسبة 75% في عام 2019.
ويفسر انخفاض السلم بزيادة عدد المشردين بسبب الصراع، فضلا عن حدة الصراعات الداخلية.
وتأتي أيسلندا في المرتبة الأولى بين أكثر الدول سلما، قبل نيوزيلندا والدول الأوروبية مثل البرتغال والنمسا والدنمرك، في حين تحتل أفغانستان آخر مرتبة بين المجموعة الأولى، لتتجاوز العراق من حيث مؤشر الإرهاب العالمي.
وتظل أوروبا المنطقة الأكثر سلاما في العالم، ولكنها ليست محصنة ضد عدم الاستقرار السياسي والتغيرات السلبية.
أما بالنسبة لإفريقا، فقد عرف بنين أكبر تراجع، بحيث برزت جهات فاعلة غير تابعة لدولة بعينها في الصراع.
ففي الفترة من 2011 إلى 2019، ارتفعت الاضطرابات الاجتماعية، والتي تُقاس بأعمال الشغب والإضرابات العامة والمظاهرات، بنسبة 244% في مختلف أنحاء العالم، وأكثر من 600% في إفريقا، مع تحول الاضطرابات غالباً إلى العنف.
وتبلغ التكلفة العالمية المترتبة عن العنف، والتي يحددها نهج إحصائي، 5,14 تريليون دولار، أي 10,6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، أو 1909 دولار للشخص الواحد.
وقد مكنت دراسة أجريت في 18 دولة وفي إفريقا من تقييم تكاليف العنف، الذي تستخلص إدارته ما بين 30% إلى 40% من ميزانيات الدول.
مكانة إفريقا في التعددية التي تمر بأزمة
أما راما ياد، الباحثة البارزة بالمجلس الأطلسي، فقد أوضحت، من جهتها، أن السلام أصبح موضوعاً "باهتاً" في الدبلوماسية، التي تركز بشكل أكبر على تعزيز الاستثمار، والرقمنة، والمناخ، والتنوع الثقافي، ولكن "نادراً ما تركز على السلام، وكأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ "بينما عصبة الأمم، التي هي أحد المبادئ المؤسسة لحداثتنا، كانت تسعى إلى توطيد العلاقات بين الدول بعد الحربين العالميتين. واليوم لا تزال الصراعات الدامية متواصلة ــ في منطقة الساحل، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو ونيجيريا. ويترتب عن بعض الصراعات تشرد أعداد كبيرة من السكان، مثل الكاميرون الناطقة بالانجليزية (530 ألف شخص) وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا.
ولم تنته هذه الحرب في العالم لمجرد أن أوروبا وأمريكا لم تعد في حالة حرب، بل نجد أن الصراعات الحالية ترتبط ارتباطاً مباشراً بأزمة التعددية وقد كانت هذه الأخيرة مُحرفة منذ البداية، ففي قلب الأمم المتحدة يوجد مجلس أمن تجلس فيه بعض الدول دون دول أخرى، على حد تعبيرها.
وقالت المتحدثة "نحن نشهد اليوم في إفريقا رغبة في التوصل إلى جعل الحلول والتعددية ذاتها إفريقة. إن تمثيلية إفريقا في الأمم المتحدة أقل من ثقل إفريقا اليوم.علينا أن نجعل التعددية إفريقة الطابع إذا أردنا مواجهة الأزمة العالمية المتمثلة في التعددية".
وقال عبد الحق باسو، الباحث البارز بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن المجتمع الدولي والاتحاد الإفريق والمجتمعات الإقليمية تعالج الأعراض أكثر مما تعالج الأمراض. ففي مالي، الدولة التي تعرف الانقلاب الرابع - ولربما ليس الأخير حسب المتحدث-، يجب العودة إلى جذور المشاكل، بما في ذلك الفساد.
كما شدد المتحدث على أن إفريقا أصبحت تواجه أيضاً تهديد "ثلاثية الولاية"، من خلال تعديل الدستور، وإصدار جمهوريات جديدة لإعادة ضبط السجل الانتخابي. كل ذلك يطرح، حسب المتحدث، مشكلة الحكامة والتناوب على رأس الدول الإفريقة".
واختتم رشيد الحديكي، وهو باحث بارز بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، محادثات المجلس مذكرا بأن أزمة كوفيد -19 "يمكن أن تكون حافزا لمزيد من الأمن الإنساني في إفريقا" وأشار إلى إن النقاشات والتأملات الاستشرافية، مثل تلك التي أجرتها محادثات مجلس أبساكو تكتسي ضرورة قصوى.