رياضة
محمد بنجلون .. شُكولا
14/07/2021 - 23:45
يونس الخراشي
لطالما نودي الراحل محمد بنجلون "شكولا". وقد كان الرجل بالفعل حلوا، ويزرع الحلاوة أينما حل وارتحل. أحب الحياة، ونهض بأعبائها منذ شبابه الأول. وبقي رهن إشارة بلده، وشباب بلده، إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم 20 شتنبر 1997.
يحكى أن محمد بنجلون، الذي أسس نادي الوداد الرياضي سنة 1937، بداية من فرع الواتر بولو والسباحة، إلى فرع كرة القدم، سنة 1939، كان قد نادى بالصيام لمواجهة الظهير البربري الاستعماري، فعوقب من لدن الإدارة بالإبعاد من المعهد الذي ظل يدرس به.
غير أن شخصا ديناميا، ووطنيا، وطموحا، وذا رؤية استشرافية، مثل محمد بنجلون لم يكن لينتهي إلى اليأس، وبالتالي إلى تغيير كل شيء بحياة أقل توقدا. فالعكس تماما هو ما حدث، ذلك أن الرجل راح يبحث عن شيء جديد يتيح له مواصلة النضال، ولم يجد غير تأسيس جمعية رياضية، مع ثلة من الرجالات الآخرين، ضمنهم بعض أهله المقربين، ستسمى نادي الوداد الرياضي.
ولأن الرجال "كتتلاقى". فقد وجد بنجلون في صديقه الحميم، اللاعب السابق لكرة القدم، محمد بلحسن العفاني التونسي، الشهير بـ"الأب جيكو"، من يتحمل معه كل الأعباء. فأصبح المولود الجديد سلاحهما، وسلاح الكثيرين، لإزعاج الإقامة العامة، وما تمثله على الأرض من غطرسة، وجور، بأن صار الوداد ينافس على الألقاب، ويغلب، ويتوج أيضا، ويغيظ فرنسا الاستعمارية.
ولم يكن بنجلون، أو شكولا، كما ظل يناديه أغلب المقربين منه، بدعا على الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص. ذلك أنه مارس أغلب الأنواع الرياضية، من الكرة إلى ألعاب القوى والسباحة وكرة السلة وكرة اليد. بمعنى أنه كان عارفا بخبايا الرياضة، وكان طبيعيا أن ينجح فيها مسيرا بعد أن نجح فيها لاعبا ومنافسا.
الدليل على ذلك أن بنجلون، الذي كان أشهر من نار على علم في الرياضة المغربية طيلة فترة الحماية، سيصبح عوضا بارزا في اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية حال استقلال المغرب سنة 1959 (سنة تأسيس اللجنة الأولمبية المغربية) ثم سيعهد إليه برئاستها، لاحقا، بل إن الرجل الفذ سيصبح أيضا عضوا في المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، وبالتالي أحد صناع القرار الأولمبي العالمي. كما ستسند إليه مسؤولية مدير دورة الألعاب العربية في السنة نفسها، بل وأصبح عضوا في لجنة المساعدة الأولمبية (1962 – 1963)، فضلا عن اللجنة الثقافية للجنة الأولمبية الدولية (1989 – 1990).
اليوم، سيجد كل قارئ للتاريخ الرياضي المغربي الحديث؛ أي بداية من الحماية وإلى اليوم، أن يجد نفسه منبهرا بالأسطر الكثيرة والمتناثرة التي تتحدث عن منجزات الراحل بنجلون، سواء في الوداد الرياضي، أو مع الفرق الأخرى، أو في الجامعات، أو في تأسيس يعض الجامعات، كالجامعة الملكية المغربية للريكبي، أو في التأسيس لوزارة الشباب والرياضة قبل أن تكون الوزارة، أو في النضال الجمعوي، أو في العمل الإنساني، وطنيا ودوليا.
وسيتساءل القارئ لهذا التاريخ عن شيء واحد: "من أين كان لهذا الرجل بكل هذا الجهد؟ ومن أين كان له بكل ذلك الوقت؟ وكيف استطاع أن يحظى بالإجماع حتى يتسنى له العمل بسلاسة، وبدعم من الآخرين، وبحب منهم؟ وسيوقن بأن أشياء كثيرة ما تزال تحتاج إلى النبش عنها، لمعرفة المزيد عن الرجل.
ويكفي أن ابنه الراحل شاكير بنجلون، الذي كان مؤتمنا على أرشيفه، وجزء من تاريخه، في البيت العتيق بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، كان يقول عنه باستمرار إنه رجل استثنائي، "لم يكن يكره أحدا، وسيستغرب من لا يعرفونه أنه ساهم في تأسيس فرق أخرى مثلما أسس الوداد، لأنه كان يرى بأن الوطن أكبر من أي انتماء آخر. هذا هو محمد بنجلون. وطنه هو بيته وأرضه وسماؤه رحمه الله".
ليس هذا بنجلون. هذه فقط عناوين من مسيرة كبيرة لرجل بارز من رجالات الوطنية والرياضة المغربية. كان صاحب خبرة طويلة، ومراس قوي، ورؤية بعيدة المدى. وكان بقلب كبير، وصدر متسع، وأياد بيضاء على الجميع. وكان أسمر البشرة، بلون تراب الوطن. فاستحق أن ينادى شكولا. الرجل الحلو والاستثنائي.

مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة