سياسة
نيجيريا-المغرب.. الدبلوماسية الاقتصادية تُكسّر العداء السياسي
30/03/2021 - 11:06
يونس أباعليرغم الفارق بين اقتصاد البلدين، يجمع المحللون على أن الورقة الاقتصادية التي راهن عليها المغرب في إفريقيا مكّنت من بناء علاقة أساسها "رابح رابح" مع نيجيريا، على غرار عدد من الدول، تنتفي بها المواقف السياسية التي كانت إلى وقت قريب عصية على التغير.
بدأت علاقة البلدين تتدفق عبر مشروع أنبوب الغاز الذي أعلن عنه البلدان في دجنبر 2016، فرغم أن نيجيريا كانت من أكبر الداعمين لجبهة "البوليساريو"، إلا أن الدبلوماسية الملكية ارتأت أن يربط البلدان أكبر برنامج استثماري على المستوى القاري (20 مليار دولار).
بعد الاتفاق، الذي جرى تحت أنظار جلالة الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بوخاري، بمناسبة زيارة جلالة الملك إلى نيجيريا في2016، لم تتوقف الأصوات المبخسة والقائلة إن لا شيء سيتحقق، وأنه سيلقى المصير نفسه الذي لاقاه الأنبوب النيجري الجزائري المُعلق، لكن بلاغا للديوان الملكي أكد، سنة 2018، أن البلدين جددا تعهدهما بإنجاز الأنبوب وبإنشاء مصنع أسمدة، وقد جرى هذا التأكيد في اتصال هاتفي بين قائدي البلدين، اللذين اتفقا أيضا على تسريع جهود اضطلاع مجموعة المكتب الشريف المغربية للفوسفات ببناء مصنع للأسمدة في نيجيريا.
استمرت العلاقة في التشعب، بإعلان الحكومة النيجيرية، عبر رئيس البلاد، السنة الماضية، عن توقيع اتفاقية تهم فتح الأجواء بين البلدين في وجه الرحلات الجوية التجارية للطائرات بشكل حر وبدون قيود. وفي 2021، تجدد الاتصال بين القائدين للتنويه بالدينامية الإيجابية التي تشهدها العلاقات الثنائية في جميع المجالات. وأعربا، مرة أخرى، عن عزمهما المشترك على مواصلة المشاريع الاستراتيجية بين البلدين وإنجازها في أقرب الآجال.
الأسمدة المغربية والأمن الغذائي للشعب النيجري
ساعدت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط الحكومة النيجيرية في خططها لبناء مصنع للأسمدة، بمنطق "رابح رابح"؛ إذ إن القارة تشهد ثورة زراعية تستدعي من البلدان البحث عن ملايين الأطنان من هذه الأسمدة لتحقيق الأمن الغذائي لقارة مازالت تعاني الجوع، وبالتالي، فهي كانت فرصة للمجموعة المغربية لكي تساهم في تنمية بلدان وتمنح للشعوب ذلك الأمن الغذائي، ولتبيع طاقتها الإنتاجية الضخمة من الأسمدة، باستعمال احتياطات الغاز المتوفرة في البلاد، وهو ما سينعكس ضمنيا على المغرب الذي لا يتوفر على هذا المادة الحيوية، كما أن هذا سيجعله يحد نسبيا من التبعية الطاقية لأوروبا.
أخذت العلاقة بين البلدين بعدا جديدا، بإحداث مجلس الأعمال النيجيري المغربي، ففي بيان صحفي مشترك الأسبوع المنصرم، أعلنت منظمة المغرب إفريقيا للثقافات والتنمية (OMA) عن إنشاء مجلس الأعمال النيجيري المغربي. جرى التوقيع عليه الاثنين 29 مارس، بمقر غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة.
هذه الشراكة ستعزز التعاون بين المغرب ونيجيريا، وتقوي منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، ومنظمات المجتمع المدني الأفريقية، وذلك من خلال الجمع بين أصحاب الأعمال من البلدين، وستساعد الاتفاقية في دعم مختلف مذكرات التفاهم الموقعة.
ويهدف مجلس الأعمال المشترك إلى تعزيز مصالح البلدين على المستوى دون الإقليمي والإقليمي والقاري والدولي، فضلا عن تشجيع الاستثمار والتعاون في مختلف قطاعات النشاط. ومن بين القطاعات المعنية الزراعة والاتصالات وتطوير البنية التحتية والطاقة والتمويل وتطوير الثقافة والسياحة والتعليم والعلوم، على أن يتم تنظيم سلسلة منفصلة من الاجتماعات على هامش حفل التوقيع لمواصلة استكشاف آفاق التبادل وفرص الاستثمار في كلا البلدين.
انعكاسات إيجابية كثيرة
كل هذه الاتفاقيات تنعكس إيجابا على المغرب، كما يُجمع محللون اقتصاديون وسياسيون؛ إذ تفتح المجال أمام تدفق الرساميل والاستثمارات، في وقت توجد أسسُ خبرة بنكية مُكتسبة في بلدان إفريقية قبل نيجيريا. حيث ساهمت هذه الاستثمارات البنكية والاتصالاتية والعقارية في تشكيل قوة اقتصادية لها مردودية وافرة، ستسهل على المغرب تطوير خدماته وقدراته داخل السوق النيجيرية. دون إغفال الجانب الأمني في المسألة، حيث يفرض الوضع الإقليمي المتقلب على كل الدول تعزيز تعاونها لمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة.
في هذا الصدد، يُشدد عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، على أن نيجيريا تنتمي إلى المجال الأنجلوساكسوني داخل القارة، ذلك المجال الذي كان المغرب بعيدا عنه لسنوات، لأسباب تاريخية وموضوعية، قبل أن يصل إليه الآن بفضل دبلوماسيته، ليمتد المغرب إلى الشرق والغرب والوسط.
نيجيريا لها قوتها الاقتصادية ومكانتها الاعتباري داخل الاتحاد الإفريقي، يقول البلعمشي، في تصريحه لـ"SNRTnews"، لذلك يرى أن "المشاريع المشتركة المعلن عنها بالنظر إلى الإمكانيات الطبيعية للمغرب، أولها الفوسفاط، خلقت أفقا واعدا للدولتين، ونوعا من التقارب الإيجابي في خدمة البلدان التي تسبح في فلك المغرب ونيجيريا".
وأبرز رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية أن العلاقات المنتجية مع نيجيريا سيكون لها تأثير على محاور أخرى، خاصة على الطرح المعاكس للمغرب، وهو محور جنوب افريقيا، على اعتبار أن العلاقة المغربية النيجرية ستشكل نموذجا، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نيجيريا، حيث سيكون لها ما بعدها على المستوى الاقتصادي وبالتالي السياسي.
ولفت إلى أن المغرب ينوع في قنوات تصريف سياسته الخارجية، معتبرا أن الأبعاد السياسية الصرفة لم تعد تخلق للدولة ذلك الإشعاع الذي تتمناه في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف إذ إن هناك أبعادا جديدة، رياضية وثقافية، بل يمكن الحديث، حسبه، عن "دبلوماسية الجائحة" بعدما أبدع المغرب تصورا جديدا للشراكة مع الدول الإفريقية في بعدها الإنساني والتضامني والتعاوني.
مقالات ذات صلة
رياضة
اقتصاد
إفريقيا