مجتمع
هذه مبررات إدراج الثقافة اليهودية في المقررات الدراسية
04/01/2021 - 15:57
وئام فراج
في إطار المراجعات المستمرة التي تقوم بها وزارة التربية الوطنية للمقررات الدراسية، أقدمت هذه الأخيرة على إدراج جزء من الثقافة اليهودية المغربية في المقرر الدراسي الحالي لمادة الاجتماعيات، المستوى السادس ابتدائي. وحظي الموضوع باهتمام العديد من وسائل الإعلام الدولية والعربية، التي ربطت هذا التجديد باستئناف المغرب علاقته الديبلوماسية مع إسرائيل، وهو الأمر الذي نفته وزارة التربية الوطنية، مبرزة أن المكون العبري رافدا من روافد الهوية المغربية وإدراجه ضمن المناهج التعليمية كان واردا منذ صدور دستور 2011.
التعديلات ستخصص حيزا أكبر للرافد اليهودي
أكد فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، أن المقررات الدراسية تتجدد كل 10 سنوات، إذ تعرف إصلاحات عميقة تتماشى مع تطور معارف الإنسان وحاجياته، وأبرز شفيقي، في تصريح لـ"SNRTnews"، أن المكون العبري موجود في برامج دراسية للسلك الابتدائي تعود لسنة 2019 ولم يتم الانتباه إليها من قبل، "خاصة على مستوى كتاب اللغة العربية للسنة الرابعة من التعليم الابتدائي، الذي يتضمن إحالات مسبقة للإرث اليهودي في الطبخ المغربي وفي كل ما يتعلق بالمهن والحرف، التي كان اليهود المغاربة يتميزون بإتقانها"، بحسب تعبيره.
ويشير كتاب "المفيد في اللغة العربية"، في نسخته الجديدة لشهر غشت 2019، إلى هذا الإرث اليهودي، في جملة واحدة تقول: "كما تظهر بصمات اليهود المغاربة في طرائق حفظ الأطعمة"، جاءت ضمن درس يتعلق بسياحة الطعام. فيما تضمن كتاب "الجديد في اللغة العربية" للمستوى الدراسي ذاته، درسا بعنوان "بلاد الوحدة والحرية"، جاء فيه أن 'المغاربة دعاة سلم... واستمروا أحرارا متآزرين من أجل بقاء الوطن حرا سعيدا، تبنيه عقول وسواعد العرب والحسانيين، والأمازيغ والعبريين، والأفارقة والأندلسيين، تحت الراية الحمراء ذات النجمة الخضراء."
وأوضح شفيقي أن هذه التعديلات تتماشى مع دستور المملكة لسنة 2011، والذي تحدث في ديباجته وبعض مواده عن التنوع الثقافي واللغوي بالمغرب، إضافة إلى روافد الهوية المغربية التي تشمل الرافد العربي الإسلامي والرافد الأمازيغي والإفريقي والأندلسي والعبري، مبرزا أن الوزارة شرعت في إدخال المعطيات الواردة في الدستور المغربي منذ سنة 2014 واختبار هذه البرامج وتقييمها، فضلا عن تكوين الأساتذة المتخصصين في تدريسها، إلى حين صدور قرار اعتمادها كمقررات رسمية في السنوات الأخيرة.
وأضاف شفيقي، في تصريحه، أن تعديل المناهج الدراسية مستمر ليشمل المستويات الإعدادية والثانوية في السنوات المقبلة، مشيرا إلى أن هذه التعديلات ستخصص حيزا أكبر للمكون العبري، يتعدى دروس التاريخ إلى دروس التربية التشكيلية واللغات.
وكشف شفيقي في هذا الإطار إمكانية إدراج نصوص من الأدب اليهودي في المقررات الإعدادية والثانوية، تهدف إظهار التنوع الثقافي الذي يزخر به المغرب. كما تروم هذه التعديلات وفق شفيقي، تنشئة الأجيال القادمة على أن بلادهم تعايشت مع كل هذه الثقافات، ولا يوجد أي مانع للاستمرار في هذا التعايش مستقبلا.
وتضمن كتاب "الجديد في الاجتماعيات" للمستوى السادس ابتدائي درسا بعنوان "المغرب في عهد العلويين"، تطرق إلى حقبة حكم السلطان محمد بن عبد الله، مؤسس مدينة الصويرة. كما يُعرف الدرس بـ"بيت الذاكرة" الذي دشنه الملك محمد السادس مطلع العام الجاري، بالقول: "إنه فضاء تاريخي، وثقافي، وروحي لحفظ الذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها."
وحول هذا الاختيار، أوضح مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية، أن الهدف من التركيز على دراسة مدينة الصويرة عاصمة المغرب المنفتح في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، يكمن في التأكيد على تنوع المجتمع المغربي، وربط هذا الماضي البعيد بالواقع الحالي ليستوعب الأطفال الزيارة الملكية والهدف منها، وترسيخ قيم التعايش لديهم.
الإرث اليهودي المغربي فخر للمغاربة
من جهتها، اعتبرت زهور رحيحل، مديرة ومحافظة المتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء، التعديلات الجديدة سابقة في تاريخ المناهج التعليمية المغربية، مشيرة إلى أن الراحل شمعون ليفي، أحد مؤسسي المتحف اليهودي، طالب منذ عام 1997 بإدراج الثقافة اليهودية في المقرر الدراسي، وظل هذا الحلم قائما، إلى أن تحقق اليوم بفضل التوجيهات الملكية الرامية للحفاظ على التراث اليهودي المغربي.
وأكدت رحيحل في تصريح لـ "SNRTnews" أن هذه المبادرة ستمكن من تعريف الأجيال الحاضرة بأهمية الإرث الثقافي اليهودي المغربي، داعية إلى تعميمها على جميع المستويات والمراحل الدراسية من الابتدائي إلى الجامعي، إضافة إلى باقي الروافد التي تفخر بها المملكة.
وأشارت رحيحل إلى أن الإرث الرافدي العبري أو الإرث اليهودي المغربي من أغنى الثقافات اليهودية في العالم، التي يجب أن يفخر بها المغاربة، والذي يبلغ أزيد من ألفي عام، مبرزة أن الإرث اليهودي متداخل مع الإرث الإسلامي والأمازيغي، في إطار ثقافة مغربية مشتركة.
وبخصوص ربط إدراج الرافد العبري في المقررات الدراسية بالأحداث السياسية الأخيرة، أكدت محافظة المتحف اليهودي والمتخصصة في التراث اليهودي المغربي، أن اهتمام المغرب بالجالية اليهودية ليس وليد اللحظة، بل يرجع إلى ما قبل الاستقلال وما بعده، مشيرة إلى أن الأمر لا علاقة له بالتطبيع مع إسرائيل.
ودعت الناشطة في المجال إلى ضرورة التمييز بين الإرث الثقافي اليهودي وبين ما يسمى بالصهيونية. وذهبت إلى أن المغرب يعد الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي استطاعت الحفاظ على إرثها العبري بعدما أضاعته باقي الدول بسبب العصبية والصراعات السياسية.
اليهود كانوا يشكلون 3 في المائة من المغاربة
أشاد الباحث في الثقافة اليهودية المغربية، محمد الحاتمي، بجعل الماضي اليهودي للمغرب جزءا من المناهج الدراسية، معتبرا أن هذا الرافد خُيب لأسباب كثيرة، وآن الأوان لإعادة استحضاره من أجل تلقين الأجيال الصاعدة قيم التعايش، وإظهار مدى مساهمة اليهود في صناعة الشخصية المغربية.
وتشكل المقررات الدراسية، وفق الحاتمي، خارطة طريق في تشكيل العقليات بجميع الدول، مبرزا أن المغاربة تفاعلوا بشكل إيجابي منذ القدم مع وجود أقلية يهودية، وكانوا يقدرونها. "كما تشكل الثقافة اليهودية جزءا كبيرا من الهوية المغربية المتعددة خاصة في مجال الطبخ والتجارة والحرف والغناء الشعبي"، وفق تعبير الحاتمي.
وأضاف الأستاذ الجامعي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في تصريح لـ "SNRTnews" أن اليهود كانوا يشكلون 3 في المائة من سكان المغرب سنة 1956، كما كانوا يمثلون 40 في المائة من السكان في بعض المناطق المغربية، ما يستلزم وفق الحاتمي رد الاعتبار لهذه الأقلية، وإبراز مساهمتهم في تكوين الشخصية المغربية، فضلا عن إبراز قدرة المواطن المغربي على التعامل إيجابيا مع الاختلاف، وحماية الأقليات الدينية الذي يشكل أحد ركائز الدولة المغربية.
حوالي 600 مزار يهودي بالمغرب
يبلغ عدد اليهود المغاربة المقيمين بالمملكة في الوقت الحالي حوالي 5 آلاف شخص متمركزين في بعض المدن المغربية من قبيل الدار البيضاء وفاس ومكناس وأكادير والصويرة، وهو عدد قليل مقارنة بعهد السلطان محمد بن عبد الله، يقول الباحث في الثقافة اليهودية المغربية محمد الحاتمي، مبرزا أن تراجع الوجود اليهودي لا يعني مغادرتهم بشكل كلي المغرب، نظرا لكون الذاكرة اليهودية مستمرة، وعلاقتهم مع المملكة تتجدد كل سنة عبر أمكان الصلاة والمقابر والسياحة الدينية.
وأبرز الحاتمي، ضمن تصريحه، أن المغرب يتوفر على حوالي 500 أو 600 مزار مقدس، يقصده اليهود للتبرك، والدعاء لموتاهم، خاصة خلال موسم "الهيلولة"، "التي تعتبر إحدى مكونات الثقافة اليهودية المغربية،" كما تعتبر، يضيف الحاتمي، مناسبة لرد الاعتبار للروابط التقليدية مع الدولة المغربية ورموزها، خاصة مع العائلة العلوية، التي عملت على حمايتهم من الشطط أيام الحرب العالمية الثانية.
وختم الحاتمي حديثه بالتأكيد أن "الرافد العبري الذي جاء في الدستور المغربي، يشكل أحد مكونات الهوية المغربية المتشعبة والمتنوعة، وأن اليهود عاشوا في هذه البلاد لقرون، وكانوا مندمجين في المجتمعات سواء في الحواضر أو البوادي."
كما ساهم اليهود المغاربة، بحسب أستاذ مادة التاريخ، في توسيع التجارة وإغناء الثقافة والحضارة المغربية، وبناء المجتمع المغربي ككل، مبرزا أن كل هذه المعطيات "تشكل تاريخا من التعايش يستحق أن يدرس للأجيال الصاعدة."

مقالات ذات صلة
مجتمع
إفريقيا
مجتمع