مجتمع
أمزازي: ميزانيتنا لا تكفي لإصلاح التعليم
06/12/2020 - 11:48
مصطفى أزوكاحيضيق سعيد أمزازي، وزير التربية والتكوين والتعليم العالي والتكوين المهني، بما يعتبرها أحكاما مسبقة تفترض أن وزارته تستفيد من ميزانية كبيرة، داعيا إلى البحث عن تمويلات مبتكرة، والتعويل على مساهمة الجماعات المحلية، مؤكدا على ضرورة تجاوز ضعف الرأسمال البشري عبر التعليم، بما يساعد على دعم النمو الاقتصادي
ذهب أمزازي في الندوة التي نظمتها وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بمعية المؤسسة الدولية للمالية العامة، حول أن سنة إضافية من التمدرس تمثل 10 في المائة من المداخيل بالنسبة للشخص و1 في المائة من النمو الاقتصادي إذا تم تعميم تلك العملية. هذا ما يجعل من التربية أفضل استثمار.
وأشار في الندوة التي نظمت أمس السبت 5 دجنبر، تحت عنوان "تمويل منظومة التعليم: أي ابتكارات؟، إلى الدراسات التي أبانت أن كل دولار يستثمر في التربية، له مردودية أكبر من دولار مستثمر في الصناعة أو عالم المال أو العقار. ذلك نتيجة من نتائج الموارد البشرية التي تعتبر ثمرة التربية.
واعتبر أن المهن التي يتم التكوين من أجلها اليوم، ستعوض، لامحالة، بمهن تتطلب معارف أكثر في المستقبل، وهي معارف تتحول إلي موارد اقتصادية أساسية، حيث أنه إذا لم يستبق النظام التعليمي هذا التحويل، سيؤثر ذلك على الاقتصاد الوطني.
وضعية مقلقة
يؤكد على أن السؤال الذي يطرح هو: "بأي موارد بشرية سنؤسس في المستقبل مجتمع المعرفة التي بدونها لن يكون هناك مكان لأي بلد في الملعب العالمي؟"، معتبرا أن الوقت لا يقتضي اللجوء للغة الخشب.
وأحال الوزير سعيد أمزازي في مداخلته، عند الحديث عن الوضعية في المغرب، على بيانات المندوبية السامية للتخطيط حول المؤشرات الاجتماعية لعام 2018، حيث يؤشر ذلك على وضعية مثير للقلق.
وأشار إلى أن أكثر من ثلث الساكنة المغربية، التي يتجاوز عمرها 25 عاما لم يتعد التعليم الإعدادي، ومغربي من بين أربعة لم يتجاوز التعليم الأولي، ومدة تمدرس المغاربة تقدر في المتوسط بخمس سنوات وستة أشهر.
ورغم ما ينص عليه القانون الإطار حول التربية، الذي يرنو إلى رفع مدة التمدرس الإجباري إلى تسع سنوات أو عشر سنوات، إلا أن الوزير يعتبر أن المغرب مازال يؤدي ثمن أخطاء الماضي.
ويلاحظ أمزازي أنه "يجب الاعتراف، بكل تواضع، أنه لم يحدث تراكم للرأسمال البشري. فمغربي من بين ثلاثة يظل أميا في زمن الثورة الرقمية والثورة الصناعية الرابعة".
غير أنه يسجل أن ذلك المعدل ينخفض إلى 10 في المائة بين الساكنة المتراوحة أعمارها بين 15 و24 عاما، ما يجعله يأمل بأن يصبح مشكل الأمية جزء من الماضي في المستقبل.
ويؤكد على أن ذلك يجعل الاعتقاد سائدا بأن الرأسمال البشري، يمثل الحلقة الأضعف للنمو الاقتصادي. وهذا ما تؤكده النقطة التي وصلت إلى 0,5 التي منحها البنك الدولي للمغرب في تقريره حول مؤشر الرأس المال البشري لعام 2020.
ويذهب إلى أنه رغم تسجيل نوع من التقدم على مستوى تقرير المؤسسة المالية الدولية، إلا أنه يبقى دون ما استحقته منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي حصلت على نقطة في حدود 0,57.
هذه البيانات الرقمية، تدفع الوزير إلى التشديد على ضرورة ترسيخ الوعي بضرورة الاستثمار في التربية، التي لا يجب التعاطي معها من زاوية نظر النفقات التي تسخر لها، بل من زاوية نظر الاستثمار الذي تمثله بالنسبة للمستقبل.
ثمن الجهل
وأحال على قولة أبراهام لنكولن: "إذا كنتم تعتقدون أن التربية تكلف كثيرا جربوا الجهل"، مشيرا إلى أن التربية يتم تمويلها في جميع الدول عبر الدولة والأسر والجماعات الترابية والقطاع الخاص، حيث تتباين مساهمات كل واحدة من تلك المكونات من بلد لآخر.
وأشار إلى أن الدراسات أبرزت أن البلدان التي تتوفر على مدارس ناجحة، هي تلك التي تسند تدبيرها للجماعات الترابية، حيث تساهم في نجاح ذلك المشروع سواء على مستوى النقل المدرسة أو المطعم المدرسي أو الأنشطة شبه المدرسية.
ويلاحظ أنه عبر توجيه ما بين 6 و7 في المائة من ثروتها الوطنية، تتمكن بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من ضمان 15 عاما من التمدرس لشبابها، بينما يتأثر تمويل التعليم في البلدان السائرة في طريق النمو بمستوى النمو الديمغرافي وضعف القاعدة الجبائية.
وعند الانكباب على حالة المغرب، يؤكد على تمويل التعليم يتم في جزء كبير منه من قبل الدولة التي تخصص حوالي 22 في المائة من الميزانية للتربية، أى 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، داعيا إلى التوقف عن اتهام الوزارة التي يشرف عليها بأنها تستوعب أموالا كثيرة.
ويوضح أن المال الذي توفره الدولة للوزارة لا يساهم سوى في تمويل النفقات الأساسية، ولا يترك سوى هامشا ضيقا كي تقود إصلاحاتها وتحسين جودة النظام التربوي، مضيفا أن 89 في المائة من ميزانية الوزارة تخصص لنفقات التسيير ولكتلة الأجور.
وأضاف أن ذلك لا يترك للوزارة سوى 11 في المائة من الميزانية من أجل قيادة الأوراش البيداغوجية والولوج للتعليم عبر تشييد مؤسسات تعليمية وإعادة تأهيلها وإحداث الداخليات وتوفير التجهيزات والرقمنة وتكوين المدرسين وإتاحة الدعم للتلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة.
وشدد على أن " تلك هي الحقيقة على الأرض، فالوزارة لا تتوفر سوى على موارد قليلة ومرونة مالية من أجل الإصلاح والابتكار"، معتبرا أن التمويل المتاح من قبل الدولة الذي ينظر إليه "عن خطأ" على أنه مرتفع، يبقي جد منخفض مقارنة بأغلب بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وأضح أن تمويل التعليم من قبل الدولة بالمغرب تصل إلى 68 في المائة، بينما تبلغ حصة الأسر 30 في المائة، وهي حصة جد مرتفعة، حيث ترتفع بمرتين مقارنة بمساهمة الأسر في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تصل إلى 16 في المائة، مشيرا إلى أن مساهمة الأسر يؤثر بشكل كبير ميزانية الأسر المغربية، خاصة الطبقة الوسطى منها.
رهان على الجمعات المحلية
وذهب إلى أنه بالنسبة إلى المساهمين المحليين في التربية الوطنية، بقيت مساهمة الجماعات الترابية هامشية، معتبرا أنه هذا خصاص يجب تداركه، خاصة أن مساهمة الجماعات الترابية في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تصل إلى 66 في المائة في تمويل التربية، علما أنه في البلدان الآسيوية تتولى الجماعات الترابية تمويل أكثر من 90 في المائة من التعليم الأولي والثانوي.
غير أنه يشدد على أن القانون الإطار للتربية والتعليم العالي سن مقتضيات لإحداث بعض التحول على هذا المستوى، مذكرا أن الدستور يغلب مسألة اللامركزية واللاتمركز الإداري، حيث سيعود للجماعات الترابية أن تتحمل جزءا من تمويل إنجاز البنيات التعليمية وصيانتها وحتى توفير الأجور للموظفين من غير المدرسين، وذلك على غرار ما درجت عليه بلدان أخرى.
وأشار إلى أن بعض المبادرات المبتكرة بدأت ترى النور، حيث أحال على مشروع البرنامج الوطني بتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، حيث تم وضع رهن إشارة الجماعات الترابية 5 ملايير درهم من أجل بناء وإعادة تأهيل مؤسسات تعليمية، خاصة في العالم القروي.
وذكر بتجربة جهتى فاس- مكناس وبني ملال- خنيفرة، اللتين أدمجتا التربية الوطنية في البرامج التنموية الجهوية، حيث التزمتا بتمويل على مدى ثلاثة أعوام ثلث المؤسسات التعليمية على مستوى البناء وإعادة التأهيل والتجهيز، بينما سيتم تأمين ثلثي التمويل من قبل الدولة. في الوقت نفسه، أشار إلى نقل الاختصاصات للمجالس الإقليمية، خاصة تلك المتصلة بالنقل المركزي لبعض الجماعات الترابية.
وأكد على أن تعميم هذا النوع من المبادرات، يمكن من الاقتراب من نموذج التمويل المتوخى عبر إعادة النظر في طريقة الحكامة والتدبير بشراكة مع الجماعات المحلية، وهو النموذج الكفيل بتحقيق الاستقلالية في التدبير وتحديد الأولويات، على اعتبار أن كل منطقة لها خصوصياتها التي تميز بها وانتظاراتها التي تنفرد بها.
عصب الحرب
ورغم التوجه نحو انخراط الجماعات الترابية في تمويل التربية، إلا أن هناك تحديات جد مهمة، يجب معالجتها، خاصة في ما يتصل بديمومة التمويل، حسب الوزير أمزازي.
فقد اعتبر أنه في ما يتصل بديمومة التمويل، هناك خارطة طريق في أفق 2030، مع استحضار الأزمة الصحية التي أثرت على مالية الدولة، والتي أفضت إلى تبني قانون مالية تعديلي، غير أنه رغم هذه الظرفية، حافظ مشروع قانون المالية للعام المقبل على نفس النفقات لفائدة التربية، على اعتبار أنه لا يمكن تأجيل المشاريع التي أطلقت في 2018، والتي تقتضي 10 ملايير درهم سنويا.
وعند التطرق لرفع الموارد، أكد على أن كتلة الأجور لا تترك سوى هامشا ضيقا من أجل قيادة الإصلاح، معتبرا أن تعليما ذا جودة يقتضي استثمارات أكبر، خاصة مع توافد حوالي مليون تلميذ وطالب على التعليم سنويا، مشددا على ضرورة الانخراط أكثر في الرقمنة التي تقتضي استثمارات أكبر، خاصة في ما يتصل في العالم القروي.
ولاحظ نزوح أكثر من 200 ألف تلميذ بين 2019 و2020 من التعليم العمومي إلى التعليم الخصوصي، معتبرا أن الاستجابة للطلب المتزايد والمتطلبات البيداغوجية ومعالجة المشاكل المرتبطة بـ"كوفيد-19"، في ظل ميزانية تركز أكثر على كتلة الأجور، يقتضي البحث عن وسائل تمويل مبتكرة.
واعتبر أن وسائل التمويل التقليدية متجاوزة في ظل ضعف الموارد الجبائية والمساعدات الدولية التي أضحت نادرة، مؤكدا أنه يجب البحث عن وسائل تمويل جديدة، معتبرا أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يشكل مدخلا لذلك، حيث يمكن أن يخفف عن تحمل الدولة استثمارات مهمة ويعفي الوزارة من بناء المؤسسات التعليمية والتركيز على الجوانب البيداغوجية.
وتحدث أمزازي عن إمكانية مساهمة المغاربة المقيمين بالخارج في تمويل التعليم، وهو نموذج جربته الهند، والضريبة على الموارد الطبيعية، كما تفعل بوتسوانا وغانا، ناهيك عن إمكانية التوجه نحو فرض ضريبة على بعض المنتجات المالية.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
مجتمع