واش بصح
هل اللقاح الروسي فعال ضد كورونا؟
24/08/2020 - 18:53
مهدي حبشيووفقا لموقع "هافنتون بوست" الفرنسي، فإن المجتمع العلمي الدولي فوجئ بإعلان السلطات الروسية عن إطلاق لقاح سبوتنيك. وقد شككت ألمانيا صراحة في جودته ونجاعته، ولاسيما في سلامته للمستخدمين.
اللقاح الذي أنتجه مختبر "غاماليا" الروسي وأطلق عليه مسمى أول قمر صناعي سوفييتي عام 1957، ربح السباق في مواجهة 27 لقاحاً مرشحاً في مرحلة التجارب السريرية، من بينها خمسة في مرحلة التجارب النهائية التي تسبق التسويق.
ويضيف الموقع إن اللقاح الروسي أنتج بمنهجية "الحقن المزدوج بالنواقل الفيروسية". وهي تكنولوجيا حديثة طُورت خلال العشرة أعوام الأخيرة فحسب. تقوم على استخدام الفيروس الحي لنقل حمضه النووي إلى خلايا الإنسان. المنهجية نفسها وظفت من قبل عدد من المختبرات المشتغلة على إعداد اللقاح، مثل أسترا زينيكا البريطاني وكانسينو الصيني بل حتى معهد باستور الفرنسي...
إلا أن تحليل "هافنتون بوست" عدَّد في الوقت نفسه بضعة "خطايا" للقاح الروسي، تجعله أبعد ما يكون عن المعجزة المنتظرة. وعلى رأسها عدم مروره "بالمرحلة الثالثة" الحاسمة في إعداد اللقاحات. وهي مرحلة التجارب السريرية على آلاف الأشخاص، والتي يصعب التحقق عبرها من سلامة اللقاح إلا بعد أشهر عدة.
وفي العاشر من شهر غشت الجاري كانت منظمة الصحة العالمية قد نشرت لائحة تضم خمسة مختبرات بلغت هذه المرحلة بالفعل، لم يكن مختبر "غاماليا" الروسي من بينها. ما يعني أن "سبوتنك" لم يجتز المرحلة الثالثة على الإطلاق، أو أن هذه المرحلة ستتم بالموازاة مع التسويق! وهو ما أكده رئيس الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، كيريل ديميترييف، الذي يمول أبحاث اللقاح، حين قال إن "المرحلة الثالثة ستبدأ هذا الأربعاء"، وهو اليوم الذي حُدد للشروع في توزيع اللقاح كذلك.
مجرد ضربة إعلامية؟
على ضوء هذه المعطيات فإن الدول التي ستحظى باللقاح أولا ستكون بمثابة "عينة تجارب" له، وهو ما أكده رئيس مختبر غاماليا نفسه لوكالة الأنباء الروسية: "الموجة الأولى للتلقيح ستكون موازية للمرحلة السريرية الثالثة، ذلك أن الأشخاص الذين سيجري تلقيحهم سيبقون تحت مراقبتنا". وهو ما يدفع المحللين لاعتبار اللقاح الروسي ما يزال في المرحلة السريرية الثالثة، مُررت تحت قناع "التسويق"، في إطار ضربة إعلامية.
المقلق في الأمر يضل عدد الجرعات التي سيتم إنتاجها لهذه المرحلة، ونوعية الرقابة التي سيمارسها المختبر الروسي على المستفيدين. "لأن المرحلة الثالثة مهمة جداً" وفقاً لأخصائي الأمراض المعدية الكندي إسحاق بوكوش: "فخلالها يتم تقييم نجاعة اللقاح، وخصوصاً تحديد الأعراض الجانبية الممكنة له، حتى النادر منها".
وفي ختام شهر يوليوز الماضي، حين أعلن مختبر "بفايزر" الألماني مثلاً عن انطلاق المرحلة الثالثة من تجاربه السريرية، تم تجنيد 30 ألف شخص ينتمون لـ120 موقعاً لهذا الغرض، الشيء الذي لم ينضبط له اللقاح الروسي، "الذي يخلط بين التجارب السريرية والتسويق للعموم" وفقاً للتحليل.
هذا الغموض تسبب في نوع من النرفزة الحذرة ضمن منظمة الصحة العالمية، يتجلى ذلك في تعليق الناطق الرسمي باسمها طارق ياساريفيتش مباشرة بعد الإعلان عن اللقاح الروسي: "إقرار أي لقاح يمر عبر منهجية صارمة".
الغموض لا يقف عند هذا الحد...
منذ أعلن مختبر غاماليا الروسي إطلاق المرحلة السريرية الأولى في بداية يونيو الماضي، قررت السلطات الروسية الضغط على الزناد وتسريع مراحل الإنتاج... فعوض تجنيد مرشحين لهذه المرحلة، وهو أمر يتطلب عادة بعض الوقت، قرر الجيش الروسي توفير عينة تجارب. مرحلة أنجزت على 40 شخصاً دون أن تنشر نتائجها، أعقبها مرور سريع للمرحلة الثانية التي اتسمت بغموض أكبر...
وقد أوضح موقع "بلومبرغ" في العشرين من يوليوز الماضي: "إننا لا نعرف أسماء أو عدد الأشخاص الذي خضعوا لتجارب سبوتنيك خلال المرحلة الثانية". لكنه في الوقت نفسه أكد أن عشرات الروس المنتمين لقمة الهرم الاجتماعي استفادوا بالفعل من تلقيح ضد الفيروس، وقد تكون ابنة الرئيس فلادمير بوتين واحدة منهم.
"منهجية متسرعة" ومعطيات نادرة، لا تخول لمنظمة الصحة العالمية اعتبار اللقاح الروسي في المرحلة الثالثة ولا حتى الثانية... بل الأولى فحسب، وفقاً للائحتها.
ويخلص تحليل "هافنتون بوست" إلى أن اللقاح الروسي بلا شك لم يحترم الإجراءات والاحتياطات الصحية الاعتيادية، وتم إعداده خارج المنهجية العلمية الصارمة. وبغض النظر عن التساؤلات المشروعة حول نجاعته، فإنه يطرح بالنسبة للخبير إسحاق بوكوش مشكلا أخلاقيا: "أتفهم أننا جميعاً نرغب في لقاح بأقصى سرعة ممكنة، ولكن لا وجود لطرق مختصرة في هذا المجال".