اقتصاد
هل يسلم المغرب من أضرار تهاوي العملة التركية؟
23/11/2020 - 19:38
مهدي حبشيانخفضت الليرة التركية بواقع 1,3 في المائة مقابل الدولار، الاثنين 23 نونبر، لتستقر قيمتها عند 7,76 ليرة للدولار الأمريكي الواحد. وعمد المستثمرون المحليون لتعزيز احتياطاتهم من العملات الأجنبية والذهب.
ولم تتوقف تلك العملة عن تتراجع في الآونة الأخيرة، حيث اقتضى الأمر مؤخراً 8 ليرات لأجل شراء دولار واحد؛ أي أن الليرة التركية فقدت 25 في المائة من قيمتها، الشيء الذي جعلها ثاني أضعف عملة في العالم بعد الريال البرازيلي، وزاد في تفاقم الأزمة الاقتصادية في تركيا، خاصة أن البلد يرتهن للدولار الأمريكي من أجل سداد دينه الخارجي.
عملة سياسية
الليرة التركية "عملة مُسيسة"، باعتبار أن تأرجحها يخضع بشكل كبير للوضع الجيوسياسي الدولي، وخصوصاً للعلاقات التركية الأمريكية وعلاقات أنقرة بدول الاتحاد الأوروبي.
ويرى الاقتصادي بالوكالة الفرنسية للتنمية، سيلفان بيلفونتين، أن "وضع الليرة التركية تأثر مؤخراً بالخلاف التركي الأوروبي حول قبرص واحتياطات المحروقات بشرق المتوسط، علاوة على تورط البلاد في الصراع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان". وتوقع أن صعود جو بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، يهدد بتعرض تركيا لعقوبات أمريكية، مع ما للتخوف من حدوث ذلك من أثر على العملة والاقتصاد بشكل عام.
وسبق لليرة التركية أن تعرضت لضربة قاسية صيف عام 2018، حين تدهورت بنسبة 60 في المائة نتيجة خلافات سياسية بين أنقرة وواشنطن.
من جهته، يرى الفاعل الاقتصادي التركي، غزوان المصري، أن "العوامل السياسية لها دور في استقرار الليرة، فكلما نجحت تركيا في العلاقات السياسية الخارجية وحافظت على سياسة داخلية مستقرة، وقدمت مشاريع استراتيجية جديدة... تستقر عملتها أمام العملات الأجنبية".
وأكد غزوان، في حوار أجراه مع "وكالة المغرب العربي للأنباء"، أن "الولايات المتحدة تحاول لي ذراع تركيا بتلاعبها بالاقتصاد والعملة التركيين، لكن الملاحظ أن هذه الأزمات لا تدوم طويلا، لأن هناك وعيا دوليا بتنامي أهمية الدور التركي".
ويتصور خبراء أن التراجع الحاد لقيمة العملة يخلق الكثير من المشاكل لأنقرة، ليس فقط بسبب التضخم الذي ينفلت، بل كذلك بسبب الدين العمومي والخاص المسعر بالدولار الأمريكي، خاصة أن تركيا مدعوة هذا العام لسداد 128 مليار دولار من دين خارجي يصل إلى 421 مليار دولار، ما يعني أن كل ارتفاع في قيمة الدولار أمام الليرة يزيد قيمة الدين. ينضاف إلى ذلك ارتهان البلد من الناحية الطاقية للخارج، حيث أن جميع مشترياتها تتم بالدولار.
عوامل اقتصادية أيضاً..
العوامل السياسية ليست محرك العملة التركية الوحيد، فهذه الأخيرة تخضع منذ سنة 2000 لنظام صرفٍ حر، بعدما كانت تخضع لنظام سعر صرف ثابت، بمعنى أنها اليوم تساير العرض والطلب.
وتعد تركيا أحد الاقتصادات العشرين الكبرى عالمياً، إلا أن السياسي والاقتصادي يتداخلان في ذلك البلد. فبخلاف الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حيث يتمتع البنك المركزي باستقلالية تحميه من تدخل الحكومة في قراراته، مما يمكنه من السيطرة على التضخم عن طريق تحريك سعر الفائدة على القروض أو الإيداعات، يسيطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على البنك المركزي في ذلك البلد، بحسب ما يلاحظه خبراء، وذلك منذ تعيين صهره بيرات ألبيرق وزيرا للمالية، قبل استقالته منذ أيام.
واتخذت تركيا، أواخر أكتوبر الماضي، قراراً بالإبقاء على سعر الفائدة عند 10,25 في المائة. قرار استغربه الفاعلون في السوق نتيجة التضخم الذي ارتفع إلى 11,75 في المائة. وذلك قبل أن تقرر الحكومة التركية الأسبوع الماضي رفع سعر الفائدة إلى 15 في المائة، في إجراء وصفه الرئيس أردوغان بـ"المر".
وأوضح الاقتصادي الفرنسي، ستيفان كولياك، تأثير ذلك على العملة بالقول: "بعد زيادة سعر الفائدة في شتنبر كان الفاعلون يتوقعون الاستمرار على نفس المنوال خلال الشهور التالية. لكن السياسة المالية التركية معقدة ويصعب التنبؤ بها، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الثقة لدى المستثمرين"، إذ يؤثر ذلك سلباً على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد، ومن ثمة على قيمة العملة.
المغرب استبق الأمر..
انخفاض قيمة الليرة ليس ذا آثار سلبية فحسب على الاقتصاد التركي، بل من شأن ذلك جعله أكثر جاذبية، ومنح سلعها قوة تصديرية أكبر، وفقاً للخبير الاقتصادي المغربي ادريس الفينا.
المغرب معني إذن بوضع العملة والاقتصاد التركيين، فالمملكة عدلت قبل نحو شهرين اتفاقية التبادل الحر التي كانت تربطها مع ذلك البلد، قصد حماية قطاعات اقتصادية مهمة في البلاد من المنافسة التركية. فقد وصل العجز التجاري للمغرب مع تركيا في العام الماضي، إلى 19 مليار درهم، إذ تضاعف بأربع مرات منذ دخول اتفاق التبادل الحر حيز التطبيق. ويعد العجز التجاري للمغرب مع تركيا ثالث أهم عجز للمملكة بعد الذي سُجل مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ودفع ذلك المغرب إلى السعي لدى الطرف التركي، من أجل إعادة النظر في اتفاقية التبادل الحر، حيث حددت في الاتفاق الجديد، الذي صادقت عليه الحكومة في أكتوبر الماضي، لائحة تضم 1200 من المنتجات التي تهم قطاعات النسيج والألبسة والجلد والسيارات والخشب والكهرباء، وهي منتجات ستخضع لتطبيق حقوق جمارك تساوي 90 في المائة من الرسم العام المطبق على مثل تلك المنتجات.
واعتبر إدريس الفينا، الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أن انخفاض العملة التركية ينذر بسياسة "إغراق تجاري" أو "Dumping international"، بحيث ستغدو أسعار السلع التركية داخل المغرب أقل وأكثر تنافسية. كما أن القطاع السياحي لتلك البلاد سينتعش، ويمكن أن يتدفق عليها السياح المغاربة نتيجة انخفاض الأسعار.
وأوضح في تصريح لـ"SNRTnews" أن العملة المغربية ستغدو الآن أقوى من نظيرتها التركية، مما سيساعد سلع تلك الدولة على التحايل على زيادة الرسوم الجمركية التي قررها المغرب قبل أسابيع، والمُضي في اختراق السوق الوطنية.
الأمر يدفع الخبير للتشكيك في كون خفض قيمة العملة التركية سياسة مقصودة من حكومة ذلك البلد، تذكِّر بالسياسة الصينية في نفس الصدد، والتي تروم خفض قيمة العملة قصد التصدير بشكل أكبر.
ويستورد المغرب مجموعة من السلع من تركيا، يبقى أبرزها النسيج والتجهيزات المنزلية ومواد التجميل، علاوة على منتجات غذائية وإلكترونية.
من جهته، اعتبر رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث محمد الشيكر أنه من حسن الحظ أن المغرب فطن لوضع الاقتصاد التركي مبكراً، وقام برفع الرسوم الجمركية على السلع الواردة من تلك البلاد. و"إلا فإن الأسواق المغربية كانت ستشهد إغراقاً بالمواد التركية، مما سيكبد الاقتصاد الوطني أضراراً جسيمة".
مقالات ذات صلة
اقتصاد
اقتصاد