رياضة
وداعا مارادونا.. ساحر الكرة ومراوغ الموت
25/11/2020 - 17:48
مصطفى أزوكاح"عندما طرد مارادونا أخيرا من مونديال 1994، فقدت ملاعب كرة القدم متمردها الأكبر صخبا. وفقدت كذلك لاعبا رائعا. مارادونا هو شخص يفقد السيطرة على نفسه عندما يتكلم، ولكنه يفقد السيطرة على نفسه أكثر عندما يلعب: لا يمكن لأحد أن يتكهن مسبقا بالشيطنات التي سيقدم عليها مبدع المفاجآت الذي لا يكرر ألعابه مطلقا ويستمتع بتشويش أجهزة الحاسوب. ليس باللاعب السريع هذا الثور الصغير قصير الساقين، ولكنه يخيط الكرة إلى قدميه، وله عيون في كل أنحاء جسده، وفنونه البهلوانية تشعل الحماس في الملاعب". هكذا تحدث عنه إدواردعو غوليانو، في كتابه "كرة القدم في الشمس وفي الظل".
لقد جاء مارادونا في وقت راحت التكنوقراطية الرياضية الاحترافية، خاصة مع رئيس الفيدرالية الدولية لكرة القدم، جو هافلانج، تفرض كرة قدم تعتمد على السرعة المحضة و القوة الكبيرة وتستبعد الفرح و تستأصل المخيلة الجسارة" لكن تدجين الخيال والموهبة ليس مضمونا تماما، فهناك انفلاتات تعيد الكرة إلى جذورها الأولى".
أتى كي يستفز المستحيل، لتخلق حالات من الجنون والفرح والامتنان. امتنان نشعر به تجاه أيقونات استدعاها غاليانو من أجل التأكيد على أن الجمال والارتجال والموهبة صفات عابرة للزمن وتتحدى منطق السوق.
لم يكف عن مفاجأة العالم حتى بعدما بلغ عقده السادس في العاشر من نونبر الماضي، وحتى أشد منافسيه يعترفون كعبه، فقد قال عند ميشيل بلاتيني، نجم المنتخب الفرنسي: "ينجج دييغو في فعل أشياء لا يستطيع أحد فعلها، ما أفعله بالكرة، يفعله هو ببرتقالة".
لم تستوعبه القوالب الجاهزة حتى عندما بلغ أعلى مدارج الشهرة. لقد ظل وعيا للمبادىء الأولى لكرة القدم التي تلقاها في الشارع جنوب بوينس أيرس بالأرجنتين. ذلك الفتى الذهبي الذي لمع في ملاعب بلاده صغيرا، إلى درجة ترشيحه للمشاركة في منافسات كأس العالم التي شهدتها بلاده في 1978، غير أنه اعتبر أنه مازال صغيرا كي ينضم للمنتخب، فلم يكن قد تجاوز السابعة عشرة من العمر.
سطع نجمه ببوكا جينيو، قبل أن ينتقل إلى أوروبا، حيث ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى سنوات، خاصة ببرشلونة ونابولي الإيطالي. ذلك النادي الإيطالي، الذي تمكن بفضله من أن يصبح أفضل ناد في إيطاليا، ويطغى إشعاعه في أوروبا.
كان يمكن أن يحصد الكثير من الألقاب، عبر تاريخه الكروي، غير أن العثرات التي تعرض لها في مساره صرفته عن ذلك، ومع ذلك، استطاع أن يحصل على الكثير من النياشين، التي ترفعه إلي مرتبة عظماء العالم. فقد شارك في أربع منافسات لكأس العالم، وشارك في مباريتين نهائيتين، قاد منتخب بلاده للفوز بالكأس في 1986 بالمكسيك، ولم يفلح في المبارة النهائية التي جمعت منتخب بلاده بإيطاليا في 1990.
غير أن عشاق كرة القدم سيتذكرون موهبته التي تسلب الألباب، فكما يقول إدواردو غاليانو إنه "قادر على حسم مباراة بتوجيه رمية صاعقة وهو يدير ظهره إلى المرمى أو بتقديم تمريرة مستحيلة، من بعيد، حين يكون محاصرا بآلاف الأقدام المعادية، وليس هناك من يستطيع وقفه حين ينطلق لمراوغة الخصوم. في كرة قدم نهاية هذا القرن العاجزة التي تطالب بالربح وتمنع المتعة. كان هذا الرجل هو أحد القلة الذين أثبتوا أنه يمكن للخيال أن يكون فعالا أيضا".
رفعه محبوه إلى درجة التقديس، فخلعوا اسمه على كنيسة، لم تلطخ صورته، في نظرهم، الفضائح التي تورط فيها بتعاطيه المخدرات، وتوقيفه لمدة خمسة عشرة شهرا، بعد اكتشاف تعاطيه الكوكايين، بل إنه تجاوز تلك الكبوة كي يعود إلي مونديال 1994، الذي تألق فيه، قبل أن يتجلى أنه كان يتعاطى المنشطات مرة أخرى.
كان ذلك آخر عهد له برقم 10 بمنتخب الأرجنتين، كي يعود مرة أخرى إلى حبه الأول نادي " بوكا جونيورز"، الذي غادره مرة أخرى بسبب المنشطات، بعد قرار بتعليق مشاركته في المنافسات لمدة خمسة عشرة شهرا.
لم يحقق عند توليه أمر المنتخب الأرجنتيني كمدرب في 2010، ما أنجزه عندما كان لاعبا. لكنه ظل في بؤرة الضوء، فهو، كما يقول بلاتيني، "لا يفعل الأشياء كما عهدها الناس في الآخرين.. إنه متمرد حتى على الموت، الذي أخرج لسانه له لثالث مرة، كأنه يراوغه كما فعل عند تسجيله للهدف الثاني ضد إنجلترا في مونديال 1986. فقد أوهم المدافعين أنه سينعطف بالكرة يمينا أو يسارا، لكنه واصل طريقه في خط مستقيم إلى أن سجل هدفا خلد في حوليات منافسات كرة القدم العالمية.
بعد ثلاث "مراوغات" للموت، آن للفارس أن يترجل ولـ"الملك" أن يودع عرشه، لكنه سيبقى في القلوب والتاريخ...
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة