عالم
"الهوغوشي" في اليابان... متطوّعون يساعدون أصحاب السوابق الإجرامية
22/01/2025 - 15:17
أ.ف.ب
تدخلت تيروكو ناكازاوا البالغة 83 عاما، في إحدى المرات لإنهاء شجار بالسكاكين بين رجل من أصحاب السوابق الجرمية ووالدته... فهذه المتطوعة في الجيش الياباني تعمل ضمن وحدة متخصصة بمراقبة الأشخاص المفرج عنهم من السجون، في بلد معروف عالميا بمعدلات الجريمة المنخفضة.
أمضت الثمانينية عقودا في مساعدة الأشخاص المفرج عنهم، لإعادة دمجهم في المجتمع.
وكانت ناكازاوا التي أنهت عملها التطوعي سنة 2018، تستقبل هؤلاء مرتين شهريا في منزلها للدردشة معهم بأمور حياتية وتناول الشاي.
ولم تحصل قط على ين واحد لقاء عملها هذا الذي تنفذه في إطار برنامج رسمي غير معروف، يعتقد البعض أنّه يساهم في خفض معدل الجريمة في الأرخبيل.
وتقول "لم أرغب مطلقا في الحصول على مكافأة. توليت هذا العمل لأنني كنت أرغب في ذلك".
هؤلاء المتطوعون البالغ عددهم نحو 47 ألفا والذين يُطلق عليهم تسمية "هوغوشي"، هم أكثر بكثير من عناصر المراقبة مدفوعي الأجر في اليابان والبالغ عددهم ألف شخص.
ومن خلال الاستماع إلى جناة سابقين، يصبحون متاحين في حالات الطوارئ أو للقاءات تُعقَد مرتين في الشهر داخل منازلهم أو في مكان عام.
ويقول أحد الموقوفين السابقين الذي فضّل عدم ذكر اسمه بسبب سوابقه الإجرامية "لقد كانت بمثابة جدة. لم أجرؤ على ارتكاب أي خطأ تحت إشرافها: كنت أخشى الشعور بالذنب بأنني خنتها".
ويضيف الرجل البالغ 34 سنة انّ ناكازاوا "ساعدتني كثيرا، خصوصا لناحية التقدم باعتذار إلى الضحايا".
- "الإيثار" -
لطالما اعتبر "هوغوشي" أنّ مهمتهم تشكل "رمزا للإيثار" المتجذر في "حب الإنسانية"، بحسب تقرير أعده خبراء قانونيون نُشر في أكتوبر.
وقالت كارول لوسون، الأستاذة المتخصصة في العدالة الجنائية لدى جامعة طوكيو، في حديث إلى وكالة فرانس برس، إنّ اليابان "دولة مختلفة تماما من دون هوغوشي"، في إشارة إلى "الغياب الكبير لجرائم ما بعد الحرب".
بدأ اعتماد هذا النظام الإيثاري المستوحى من أحد المحسنين في القرن التاسع عشر، في اليابان كبرنامج حكومي بعد الحرب العالمية الثانية.
وأوضحت لوسون أنّ "هوغوشي" يدعون المدانين الذين تلقوا افراجا مشروطا، إلى منازلهم لتعزيز الثقة بينهما.
وقد استندت دول مثل الفيليبين وتايلاند وكينيا إلى التجربة اليابانية لوضع برامج مماثلة.
وتقول لوسون لكن "من الصعب أن نتصوّر أن نظام +هوغوشي+ ينجح" في مناطق تعتمد نظاما قضائيا أنغلو أميركيا يكون أكثر "قمعا".
- "الاطمئنان بشأن حقهم في الوجود" -
يبقى الجانب المهم لهذا البرنامج هو تجنيد هوغوشي جدد نظرا إلى أنّ 80% منهم تتخطى أعمارهم 60 سنة، أو بسبب الخوف من المدانين بسرقات أو جرائم جنسية أو جرائم قتل.
وجرى تسليط الضوء على خطورة هذا النشاط في مايو الفائت، عندما تعرض أحد "الهوغوشي" للطعن حتى الموت على يدي رجل كان يشرف عليه.
وغالبا ما يجنّد "الهوغوشي" متطوّعين آخرين بناء على معايير السمعة والدخل المستقر والتفرّغ للمهمة.
لم تكن ميكو كامي (74 سنة) تتمتع بأي خبرة مع المدانين عندما سئلت إن كانت ترغب في القيام بهذه المهمة. وتقول "قلت لنفسي من المستحيل أن أقدم على ذلك".
لكن بعد ثلاث سنوات، بدّلت رأيها وبدأت في تناول الشاي مع أحد أعضاء ياكوزا (تسمية تُطلق على المنظمات الإجرامية في اليابان). وقد سارعت ذات يوم في منتصف الليل لمساعدة شاب بعد محاولة انتحاره في إحدى الشقق.
تقول ميكو كامي "عند اكتشاف كيف تربّوا، أقول لنفسي أحيانا لا مفر من أن يصبحوا هكذا".
وتضيف كامي "لدي انطباع بأنهم يتطلعون فقط إلى الاطمئنان بشأن حقهم في الوجود"، معترفة بأنها تكون بمثابة "أمّ لهم"، وتقول "أهنئهم وأشجعهم... لقد أحببتهم كثيرا".
- "مستمعون جيدون" -
يقول الرجل الذي يطلق على نفسه اسم "أويكو" والذي يستفيد راهنا من إطلاق سراح مشروط في أوساكا، إنه استخدم مواد غير قانونية "لتحرير نفسه من حياته المؤلمة" كشخص مثلي جنسي.
في البداية، كان يشك في أن هوغوشي الذي يتعامل معه "يفهم مشاعر سجين سابق"، على ما يقول الرجل البالغ 47 عاما، متحدثا من مركز DARC لإعادة تأهيل مدمني المخدرات.
لكنّه يؤكد أن هذا الشخص "يُدرك كيف يكون مستمعا جيدا".
ومن الشائع أن يفوّت المفرج عنهم بشروط لقاءهم نصف الشهري مع "الهوغوشي" أو أن يفشلوا في تكوين علاقات دائمة معهم.
لكن في المقابل، يقوم بعض المدانين السابقين بزيارة تيروكو ناكازاوا في المقهى الخاص بها للاستماع إلى أخبارها.
وتقول "لقد أمضيت حياتي في رعاية الآخرين. والآن بما أنني كبرت وأصبحت ضعيفة، باتوا يهتمون بي. لقد أصبحوا الهوغوشي الخاص بي".

مقالات ذات صلة
عالم
عالم
فن و ثقافة
فن و ثقافة