اقتصاد
موسم جني الگرگاع .. موعد مقدس بإمليل
21/09/2021 - 14:42
مصطفى أزوكاحخلت الدور بدوار تنغرين، بمنطقة إمليل، يوم الاثنين 20 شتنبر، من ساكنتها، إلا من شيوخ أو مرضى، تحاملوا على أنفسهم من أجل الخروج إلى الوادي في هذا اليوم الاستثنائي، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. إنهم يراقبون من الأسطح الوادي الذي ضاق بالرجال والنساء والأطفال منذ السابعة صباحا. إنه يوم "أسوس نتقايين".. جني الجوز.. الگرگاع.
يبدي المزارع محمد أزكاغ، كما كل أبناء القرية، سعادة غامرة هذا اليوم. عندما تسأله عن محصول هذا العام، يجيب "كاين الخير.. الحمد لله".
تفخر ساكنة دوار تنغرين بجودة ما تطرحه شجرة الجوز عندهم، خاصة إذا أتى لب الجوز صافيا. هم يراقبون ثمار الشجرة على مدار العام، يبدون تفاؤلا كبيرا إذا ما كان الطقس باردا في فصل الشتاء. ويشملون الشجرة برعاية خاصة، بحيث يخشون على لبها تطرف البرودة وحتى الحرارة. ويتنفسون الصعداء عندما يطمئنون عليه في فصل الربيع والصيف. إنها شجرة لم تعوضها في قلوبهم أشجار التفاح والكرز، رغم الإيرادات المجزية التي تدرها على السكان في تلك المنطقة.
علاقة وفاء خاصة نسجها مع تلك الشجرة سكان القرية القابعة فوق صخرة في جبال الأطلس الكبير. فقد تشبثت تلك القرية منذ أن كانت بالصخرة، التي تحميها من عاديات الزمن وغضب الطبيعية.
"شتنبر شهر فارق في السنة الفلاحية للمنطقة. في منتصف هذا الشهر من كل سنة يكون موعد جني الجوز، الذي كان مع الشعير وتربية الماعز مصدر عيش السكان إلى أن ظهرت أشجار مثمرة جديدة قبل عقدين تقريبا"، كما يلاحظ الباحث في علم الاجتماع القروي حسن إدحم.
الجوز ليس ثمرة عادية هنا. فشجرة الجوز هي الأقدم في المنطقة، وتحترم لدرجة تشبه التقديس. فرغم التوجه نحو أشجار مثمرة أخرى مثل التفاح والكرز، التي تدر عائدات مهمة على السكان، إلا أن شجرة الجوز تبقى مثل شيخ طاعن في السن، تطلب حكمته و"بركته".
جني الجوز له طقوس منذ أن كانت شجرته، وإن أضحى الناس يتخففون من بعضها في الأعوام الأخيرة. فعملية الجني لا تأتي هكذا اعتباطا، يوضح حسن إد حم، ويمضي قائلا: "صحيح أن لكل عائلة أشجار جوزها، ولكن ليس من حقها أن تبدأ الجني وقت ما أرادت ذلك، إن الدوار هو الذي يضع تاريخا موحدا ومحددا للجني".
غير أن تحديد ذلك الموعد لا يأتي هكذا، فلأن شجر الجور ليس بسهل التسلق وله هيبته، يجب التعاطي معه بالكثير من التوقير. يلاحظ إد حم أنه "قبل أن يعلن الدوار عن موعد الجني يقيم وليمة مقدسة تسمى ب"المعروف"، وليمة يريد من خلالها الدوار إبعاد البأس والشر، وجلب اليمن والسلام"، قبل أن يضيف: "تسلق أشجار الجوز دائما محفوف بالمخاطر".
إعداد "المعروف" له طقسه الخاص. تجتمع نسوة الدوار في باحة المسجد، ويتم طهي كسكس الشعير، بطريقة تقليدية، ويفرح الأطفال بهذا الحفل الكبير. توزع أطباق الكسكس على الكل. يجتمع الرجال على الطبق المقدس، ويتداولون في شأن جني الجوز: "هل سنبدأ من أعلى الوادي أم من أسفله؟".
لم ينفرط عقد علاقة الوفاء التي نسجها أبناء القرية، كما قرى أخرى بمنطقة إمليل واسني، مع شجرة الگرگاع. أشجار عمرها مئات السنين، جذورها راسخة في أعماق تلك الأرض، تطرح فاكهتها كل عام وتجود بالسواك.
شباب قرية تنغرين يتسلقون الأشجار، الاثنين، 20 شتنبر 2021، بحركات رشيقة ويحركون بعصي طويلة أغصانها. تتساقط ثمرات الجوز. يتلقطها الأطفال والنساء والرجال. يتعبأ أفراد كل أسرة، كي يجمعوا ما تجود به الأشجار. يضعون الجوز في أوعية، قبل أن ينقلوا الثمار على ظهر الحمير والبغال إلى منازلهم، حيث يفرشونها في الأسطح حتى تجف بفعل أشعة الشمس.
إنه كنزهم الذي "يمكن تخزينه طيلة السنة دون الخوف على فساده، هو المرافق في شهور الشتاء الطويلة"، غير أن هناك من يبيع جزءا من المحصول للتجار كي يواجه النفقات التي يفرضها معاشه، ويخزن جزء، يبيعه مرة أخرى في المناسبات التي يرتفع فيها الطلب على الجوز مثل ذكرى المولد النبوي وعاشوراء وليلة القدر.
تقف شجرة الجوز بشموخ في المرتفعات بالمغرب، تطرح ثمارها بأوريكا وإمليل وآسني وأمزميز والريش ودمنات والريف، حيث تمتد على مساحة 7702 هكتار، ما يوفر محصولا يقدر بـ12500 طن، وهو المحصول الذي يجعل المغرب يحتل المركز العشرين على الصعيد العالمي.
حالة الفرح بالمحصول الوفير من الجوز هذا العام، لا تشغل سكان قرية تنغرين وقرى أخرى، عن المنافسة الشديدة التي يتعرض لها الجوز المحلي من المستورد من بلدان مثل الشيلي وفرنسا. تلك منافسة تفضي، بالإضافة إلى الوسطاء في السوق، إلى انهيار الأسعار، الذي يضر بالمزارعين المحليين دون أن يكفوا، كل عام، كما مزارعين في مناطق أخرى، عن الاحتفاء بشجرة الگرگاع.
مقالات ذات صلة
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد