مجتمع
في شيشان البيضاء .. تعليم بالشاشات
01/06/2022 - 10:16
عبد الرحيم السموكني | فهد مرونفي عز الحديث عن إطلاق مشاورات لإصلاح التعليم، ومع قرب انتهاء الموسم الدراسي، تنبعث شتلة أمل تعليمي من قلب الهامش الهش للدارالبيضاء، ففي منطقة "الشيشان" حيث الاكتظاظ وانتشار البناء العشوائي وغياب الصرف الصحي، مع تفش كبير للجريمة، انتزعت مبادرة فردية لأساتذة الابتدائي، الريادة، وخلقت الحدث، من خلال اعتماد شاشات التلفزيون في تعليم الصغار، تعليم ينطلق بمعناه الفعلي من الأسفل نحو الأعلى.
يواصل الزمن توقفه في منطقة الهراويين، رافضا التزحزح قيد أنملة، متسقا مع حركة التغيير في المنطقة، ففي الهراويين، أو الشيشان، كما سماها البيضاويون، تزامنا مع اندلاع الحرب في هذه الجمهورية الروسية، في بداية التسعينات، رأت أولى البنايات العشوائية النور، على تراب ما يسمى اليوم بالهراويين الشمالية، في هذه البقعة العشوائية، تقع مدرسة ابتدائية، تعتبر الأكبر في المغرب، من حيث عدد التلاميذ وعدد الأساتذة، في ابتدائية "أبي بكر الصديق"، زرع رجال تعليم بجهد ذاتي، بدرة تعليمية، نادرة، مفقودة داخل المجال الحضري بالدارالبيضاء، إذ أن أغلب أقسام هذه المدرسة، تتوفر على شاشات تلفزيون وإنترنت، وبدونها لا يستقيم الدرس، ولا ينتبه التلميذ.
تقع مدرسة أبي بكر الصديق، التي تضم اليوم أزيد من 2100 تلميذ، وأزيد من 46 أستاذا، كان عددهم قبل عام، 60 أستاذا، لا طريق نهائيا تقودك إلى المدرسة الابتدائية، المحاصرة بالمنازل العشوائية، فقط ممر تخترقه مياه الصرف الصحي، هي ما يسهل إرشادك إلى المؤسسة التعليمية، الواقعة ضمنيا ضمن تراب الهراويين الشمالية، حيث يعتبر الاكتظاظ والهشاشة والفقر والجريمة من بين الأعلى وطنيا، لكن مبادرات رجال تعليم مروا منها، تركت أثرا طيبا لدى الباقين.
قبل سنوات، لجأ رجال تعليم إلى التكنولوجيا، من أجل التغلب على الاكتظاظ، ففي مدرسة أبي بكر الصديق، لا يعتبر الاكتظاظ عائقا، ولا مدعاة للشكوى، فرجل التعليم المزاول هنا: يفكر في الأمن قبل الولوج وبعد الخروج، إضافة إلى مشاكل اجتماعية جمة، كغياب دفتر الحالة المدنية لعدد مهم من التلاميذ السنة الأولى ابتدائي.
يقول يوسف أومزاي، وهو إطار تعليمي، كان من السباقين إلى تزويد الأقسام بشاشات تلفزة، "من الصعب أن تشد انتباه طفل صغير في قسم يفوق عدد تلامذته الأربعين، لكن عندما تقوم بتشغيل الشاشة، وإظهار الدرس على شكل رسوم متحركة، فإن الصمت يسود، ويسهل شد انتباه الصغير.
كانت فكرة نشر شاشات التلفزيون في أقسام أبي بكر الصديق سابقة، لا تتوفر عليها حتى مدارس المجال الحضري، أو مدارس الأحياء الراقية في العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء، وبدأت تحديدا قبل ست سنوات، عندما بادر معتصم السليماني، وهو أستاذ تعليم، إلى تقديم ملف دعم إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي وافقت على المشروع، وبدأ تجهيز ثمانية أقسام في مرحلة أولى، لتصل اليوم إلى أكثر من عشرين قسما مجهزا بشاشات التلفزيون، لكن دون ربط بالأنترنت إلى يومنا هذا.
سيؤدي نجاح هذه التجربة، خاصة في ما يتعلق بخلق تفاعل إيجابي بين المعلم والتلميذ، إلى دفع بعض الأساتذة المولعين بالتكنولوجيا، إلى تأسيس ناد للمعلوميات، وبدأ الأمر بتلقين الصغار مبادئ السكراتش، وهو برنامج تعليمي خاص بالأطفال، يعتبر النواة الأولى لعلوم البرمجة.
اليوم، تواصل "أبي بكر الصديق" العيش في المستنقع نفسه، لا طريق ولا قنوات صرف صحي، ولا أمن، لكن في داخل الأسوار يسود أمل كبير، رجال التعليم والتلاميذ معا، بعد أن أدى نجاح التجربة، إلى تأسيس نوادي معلومات في 6 مدارس أخرى، وتحول السكراتش إلى دروس في "الروبوتيك". أسست تجربة التعليم باستعمال شاشات التلفزة لإطلاق نوادي للأنشطة المندمجة، وهو ما تراهن عليه المديرية الإقليمية للتعليم بمديونة، من خلال تكوين الأساتذة في البرمجيات والسكراتش، ففي مؤسسات تعليمية في مناطق قروية تعاني الهشاشة، تلعب الأنشطة المندمجة، دورا حيويا أشد نفعا من الأنشطة الصفية.
مقالات ذات صلة
مجتمع
مجتمع
مجتمع
مجتمع