رياضة
كأس العالم .. الكلمة للجماهير
16/10/2022 - 09:49
يونس الخراشيبدأ المونديال سيرورته في ثلاثينيات القرن الماضي من أوروغواي. وكانت الحظوة للجماهير التي تتابع المباريات في الملاعب، ولبعضها ممن يتوفر على جهاز الراديو. البقية من عشاق الكرة، الرياضة التي راحت تكسب شعبيتها شيئا فشيئا، كانت تنتظر الجريدة لتقرأ الخبر، أو تسمع ممن شاهد أو سمع أو قرأ.
بعد حوالي مائة سنة من الانطلاقة، سيصبح كأس العالم في كل مكان، وليس في ملاعب الكرة وحدها. فمعظم عشاق كرة القدم، الحاليون، يتوفرون على سمارتفون، والشاشات متاحة، والمواقع الإخبارية، فضلا عن السوشل ميديا التي لا يترك روادها تفصيلا جزيئا إلا أذاعوا به، وكرروه، وأشبعوه متابعة.
النقلة الإعلامية الضخمة التي حدثت بين الثلاثينات من القرن العشرين وعشرينات القرن الواحد والعشرين لم تمس فقط جانب المعروض، بل وأيضا جانب المحتوى. فمباريات كرة القدم، أثناء فعاليات كأس العالم، لم تعد هي قلب الحدث. فهناك أشياء أخرى كثيرة صارت تشكل مصر متابعة هائلة، على هامش الحدث المفترض.
ففي مباريات كأس العالم 2018، التي جرت بروسيا الاتحادية، ونقلت فيها مباريات المجموعة الواحدة بين ثلاث مدن، بما يحتاج من الجماهير التنقل لآلاف الكيلومترات أحيانا، كان عزف النشيد الوطني، مثلا، يشكل الحدث، وفيديو لمشجع مهووس، وهو يدير ظهره للمباراة، يشكل الحدث، وحركات مثيرة لرئيسة دولة، مثل كرواتيا، تشكل الحدث، وسقطة لاعب على مصور فوتوغرافي، تشكل الحدث، وتجمع محموم لبعض الجماهير في الساحة الحمراء تشكل الحدث، ومباراة في كرة القدم قد تشكل، هي الأخرى، الحدث.
ورغم أن وسائل الإعلام التقليدية؛ الكبرى، الناقلة للحدث، والتي قد يكون بعضها صرف الملايير لبثه، حاولت التركيز على المباريات، بالتفاصيل، والجزئيات، ولاسيما ما يتصل بتوفير المعطيات وتحليلها، خاصة بالاستناد إلى التقنيات الحديثة المبهرة، غير أنها وجدت نفسها مجبرة على التماهي مع الجماهير في متطلباتها، أو في ما يستهويها، ويشكل بالنسبة إليها مرتعا للمتابعة "الفيروسية" الملايينية، والملاييرية أحيانا.
وهكذا، فقد شرعت القنوات الفضائيات في إفساح المجال لمحتويات السوشل ميديا، عبر برامج خاصة، إما إخبارية أو تفاعلية، وفي بعض الأحيان عبر تخصيص حيز في النشرات الإخباريات للحديث عن موضوع شكل الحدث، دون أن يكون، بالضرورة، هو المباراة، أو تألق أحد اللاعبين، أو الحكام، بقدر ما هو رؤية خاصة لأحد المشجعين، صور لقطة معينة، ووضعها في صفحته الخاصة على فيسبوك أو إنستغرام أو تويتر، أو غيرها، وحظيت بمتابعة "فيروسية"، تفوق التصور.
في السابق، كان رجل الإعلام الرياضي؛ المبتعث إلى الدولة التي تحتضن نهائيات كأس العالم لكرة القدم، يهتم أساسا باللاعبين والمدربين، فيحاول جهده أن يحصر لائحة اللاعبين الذين سيحضرون المباراة، فضلا عن التغييرات؛ إن حدثت، ويقدم قراءته لما رآه، دون أن يشغل باله بتفاصيل أخرى، لا يرى لها علاقة بالمواجهة، وبخاصة بالنتيجة، التي هي أبرز ما يخرج به من اللقاء. وباختصار، فما يهم هو أن المنتخب الفلاني فاز بالمباراة، والذي سجل الهدف هو اللاعب الفلاني، في الزمن الفلاني. وانتهى.
الآن، تغير كل شيء. فأغلب الإعلاميين المبتعثين لتغطية أحداث كأس العالم لكرة القدم لن يكونوا مطالبين بما كان يركز عليه أسلافهم، بالمرة. بل سيكون المطلوب منهم ألا يهتموا، أساسا، بلائحة اللاعبين، وتفاصيل المباراة، والاهتمام، ما أمكنهم، بالبحث عن قصص إخبارية جذابة، تثير اهتمام ملايين؛ أو ملايير، المشاهدين عبر العالم، وتتيح لوسائلهم الإعلامية أن تكون حاضرة على محركات البحث، ومواقع السوشل ميديا، والصفحات الأكثر مقروئية، ولم لا على موقع يوتيوب لمشاهدة وتحميل الفيديوهات.
فكل تفاصيل المباريات ستبث في الفضائيات المختصة، التي أدت ثمن ذلك للاتحاد الدولي لكرة القدم. ثم إن الملايير سيشاهدون تلك المواجهات بوسائلهم الخاصة، وسيعرفون، بطرقهم التي تعودوا عليها، كل ما يتصل باللاعبين، وبالمدربين، والحكام، وبقية الأشياء المتعلقة بالمباراة التي تعنيهم. وفضلا عن ذلك، فالتحليل المبثوث عبر وسائط متعددة ومتاحة سيكون فوق الحاجة. لتبقى القصص الإخبارية ميدان التنافس الأكبر، والغابة العذراء التي يمكن أن تفضي بما لا يعد من المواضيع الصالحة لمحتوى مدهش.
إن كأس العالم، في نهاية المطاف، ليس هو مباراة من 90 أو 120 دقيقة أو أكثر. إنه رحلة فرجوية تاريخية بامتياز، لا يمكن حصرها في الملاعب مطلقا. ذلك أن زمن المباريات يبقى محدودا بالقياس إلى زمن المتفرجين، لاسيما أن هؤلاء لديهم، الآن، إمكانية التصوير، والبث، والإخبار والتحليل بطريقتهم الخاصة، مع إمكانية المشاهدة أكثر من أفضل القنوات الفضائية أحيانا.
في مونديال قطر، مثلا، ويتميز، من ضمن ما يتميز به، أن مبارياته ستلعب في حيز ضيق للمرة الأولى في تاريخ كأس العالم لكرة القدم، سيكون عدد الجماهير التي تحضر المواجهات على عدد الإجمالي، المقدر بمليون ونصف، ضئيلا جدا. وهكذا، فباستثناء بعض المباريات المثيرة، والتي تستدعي المشاهدة بفعل نجومها وتاريخ المواجهات، وحساسيتها، ومستواها من حيث التقدم في التنافس، فإن الحدث سيكون في الشارع على الأرجح. ذلك أن الجماهير سترغب في استكشاف المكان، والعادات، والثقافة، والتاريخ، وأشياء أخرى لها صلة بهذا الشرق الأوسط المثير، الذي لطالما نقلت صورته مجتزأة في الأفلام السينمائية، والروايات، دون أن تتاح للكثيرين فرصة زيارته، والتعرف عليه عن كثب.
بكلمات أخرى، لقد تحولت كأس العالم لكرة القدم إلى ذريعة لجذب الانتباه، وتنمية الدول المحتضنة، وتقوية الحضور السياسي على المستوى الدولي، وأيضا، وهو ما يعنينا، لكسب المزيد من المشاهدات والمشاهدين، عبر العالم، وبالتالي تقوية الوسيلة الإعلامية، التي دخلت في منافسة "غير متوازنة" مع السوشل ميديا، وتريد أن تبقى لها الريادة، لاسيما وهي تلتزم بأخلاقيات المهنة، وتحترم القوانين.
مقالات ذات صلة
رياضة
رياضة
رياضة
رياضة